مصر: عيد الأضحى يثير جدلاً حول المشمولين بالعفو الرئاسي

1 day ago 5
ARTICLE AD BOX

مع حلول عيد الأضحى الجمعة المقبل تجدد الجدل حول قرارات العفو الرئاسي في مصر التي تُمنح لأعداد كبيرة في المناسبات العامة، والتي تميز بين السجناء الجنائيين ونظرائهم السياسيين وسجناء الرأي، ورغم أن النصوص الدستورية والقانونية لا تميز في ظاهرها بين الفئتين، فإن الواقع العملي خلال السنوات الأخيرة يكشف عن تباينات واضحة في التعامل مع السجناء من الطرفين، ما يثير الكثير من التساؤلات لدى حقوقيين.

ويوجد في مصر نوعان من العفو يُمنحان للسجناء، العفو الشامل، والعفو عن استكمال باقي العقوبة، وكلاهما يخضع لضوابط قانونية ودستورية تُمنح بموجبها الصلاحيات لرئيس الجمهورية ووزارة الداخلية، ويخضعان لما تنص عليه المادة 52 من قانون العقوبات بشأن حسن السير والسلوك. ويلفت حقوقيون إلى أن السلطة التقديرية الواسعة الممنوحة لرئيس الجمهورية تجعل قرارات العفو ذات طابع سياسي، تخضع لمعايير غير مُعلنة أو محددة، بما يسمح باتساع نطاق الاختلاف في تطبيقها بين السجناء الجنائيين والسياسيين.

جمال عيد: قرارات العفو في مصر لا تستند إلى معايير قانونية واضحة

وبدأت إدارة السجون الإفراج، أمس الثلاثاء، عن بعض المدرجين بقرار نيابة أمن الدولة العليا الصادر الاثنين الماضي، بإخلاء سبيل نحو 50 من السياسيين والصحافيين، المتهمين على ذمة قضايا سياسية. وطبقاً للمحامي الحقوقي خالد علي، فإن في قائمة الإخلاء الجديد الصحافي أحمد سراج، ونصر الدين حامد عبد المقصود علي، وأحمد جميل عبد الصادق عمار، وجابر عبد الحميد أبو زيد خليل العقاري، وصلاح الدین مجدي محمد عبد العزيز، وإبراهيم صلاح إبراهيم السيد محمود. ورصدت منظمات حقوقية محلية ودولية، منذ إعادة تفعيل العفو الرئاسي في 2022، أن الغالبية الساحقة من قرارات العفو في مصر شملت السجناء الجنائيين، بينما لم تتجاوز أعداد السجناء السياسيين والرأي الذين شملهم العفو العشرات، وغالباً ما كان ذلك في مناسبات رسمية أو أعياد دينية.

ويصف الخبير الدستوري والمحامي عصام الإسلامبولي هذا التفاوت بأنه "مخالف لروح القانون"، مشيراً إلى أن "قرارات العفو لم تشمل السجناء السياسيين حتى عام 2006"، مضيفاً: "أقمت أنا والمحامي عاطف البنا دعوى أمام مجلس الدولة، انتهت بصدور حكم من المحكمة الإدارية العليا أتاح للسياسيين الحق في الحصول على عفو بعد قضاء نصف المدة". ويضيف الإسلامبولي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "القانون في قواعده العامة لا يفرق بين السياسي والجنائي، لكن المادة 155 من الدستور جعلت سلطة العفو تقديرية لرئيس الجمهورية، فيمنح أو يمنع العفو وفق ما يراه، دون إلزام قانوني بأن يكون السجين قد تمتع بحسن السير والسلوك، وإن كان هذا أحد الشروط المنصوص عليها في لائحة السجون".

ويوضح أن المادة 52 من قانون العقوبات تنصّ على أن يتمتع السجين بحسن السير والسلوك، وألا يكون قد اقترف خلال مدة سجنه ما يهدد أمن المجتمع حال الإفراج عنه، وهذه شروط مطاطة يمكن توظيفها أحياناً لتقييد تطبيق العفو على السجناء السياسيين، لكن القانون يمنحهم الحق في الطعن على تقارير مصلحة السجون أمام القضاء. ويعرب عن أسفه لما وصفه بـ "التمييز الفج" في قرارات العفو، مستشهداً بحالة الجنائي صبري نخنوخ الذي صدر بحقه قرار عفو رغم تاريخه الجنائي المعروف بارتكاب جرائم عنف مقرونة باستخدام السلاح والقوة مع الآخرين، في مقابل تجاهل واضح لعشرات من سجناء الرأي والسياسيين الذين لا يشكلون خطراً على المجتمع.

لا معايير واضحة لقرارات العفو في مصر

من جهته، يرى مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان الحقوقي جمال عيد أن قرارات العفو في مصر لا تستند إلى معايير قانونية واضحة، ويصفها بأنها "إجراء تقليدي" يتم في مناسبات وطنية أو دينية، ويشمل بالأساس سجناء جنائيين، بينما يُستثنى منه السجناء السياسيون، قائلاً، لـ"العربي الجديد"، إن ذلك يأتي في "انسجام مع توجه السلطة العدائي تجاه الحريات وثورة 25 يناير". ويضيف: "الغالبية العظمى من سجناء الرأي ينتمون إلى ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، التي تخشاها السلطة وتكره رموزها، لذلك تحرمهم من أبسط الحقوق، بما فيها العفو، لأنها لا تمتلك حلولاً جادة لأزمات المجتمع، فتكتفي باستخدام القمع ونشر الخوف".

هيثم أبو خليل: الحديث عن معايير لقرارات العفو هو في حد ذاته استخفاف بالعقل والمنطق

بدوره، يقول المحلل السياسي والكاتب عمار علي حسن، لـ"العربي الجديد": "ما نراه من توسع في العفو عن الجنائيين مقابل التقتير على السياسيين ليس جديداً، بل هو عرف متجذر، إذ تُرفض غالبية الأسماء التي تُعرض على لجنة العفو بحجج مثل الانتماء للإخوان (المسلمين) أو السلفية الجهادية، أو التيارات الاشتراكية الثورية، أو حتى حركة 6 إبريل، ومن لا يُدرج تحت هذه التصنيفات يُصنّف مثيراً للشغب أو عنصراً إثارياً". ويتابع: "السلطة لا تسعى إلى تحقيق الأمن الاجتماعي بقدر ما تركز على الأمن السياسي. السجين السياسي يُنظر إليه كمصدر تهديد، بينما يُعامل السجين الجنائي، رغم احتقاره داخل السجن، على أنه لا يمثل خطراً على النظام".

أما الحقوقي هيثم أبو خليل فيرى أن الحديث عن معايير لقرارات العفو هو في حد ذاته "استخفاف بالعقل والمنطق". ويقول، لـ"العربي الجديد": "كمّ الإفراجات بالعفو التي تمت للجنائيين خلال السنوات الأخيرة، سواء بسبب كورونا أو العفو الرئاسي أو الشرطي، يصل إلى عشرات الآلاف، بحسب تصريحات رسمية من مسؤولي وزارة الداخلية"، موضحاً أنه "في المقابل، لم يستفد من سجناء الرأي إلا العشرات، وبعضهم، مثل شريف الروبي، أُعيد اعتقاله بعد إطلاق سراحه. هناك تمييز واضح في كل شيء: العفو، والزيارة، وظروف الحبس. فالجنائي يحظى بزيارات منتظمة، بينما السياسي يُمنع من الزيارة ويُعزل في الحبس الانفرادي طوال مدة سجنه". ويؤكد أن هذه الممارسات "التمييزية" تمثل "اعتداء صارخاً" على الدستور، و"إهانة" لفكرة العدالة ذاتها، وتكشف عن "رغبة النظام في تدعيم ما جيش البلطجية لمواجهة أي استحقاقات سياسية مستقبلية".

حاتم صابر: معايير موضوعية

في المقابل، يوضح الخبير الأمني العقيد حاتم صابر أن معايير العفو تخضع لضوابط قانونية واضحة، مؤكداً أن "العفو لا يسري على من صدرت ضدهم أحكام في جنايات وجنح تتعلق بأمن الدولة، أو جرائم التزوير، أو الرشوة، أو الاتجار بالمخدرات، أو الكسب غير المشروع، أو حمل الأسلحة والذخائر، أو تعطيل وسائل النقل". ويضيف صابر، لـ"العربي الجديد، أن "جرائم السجناء السياسيين غالباً ما ترتبط، بحسب ما توفره الجهات الأمنية من معلومات، بجهات خارجية تمولهم بغرض زعزعة استقرار الدولة أو اختراق المجتمع من الداخل، وهو ما يجعل مسألة العفو عنهم خاضعة لتقديرات أمنية لا تُنشر للرأي العام لأنها تمس الأمن القومي".

Read Entire Article