ARTICLE AD BOX
ما الذي يجعل النظام في المغرب يتمسّك بعلاقاته مع دولة مجرمة منبوذة من أغلب الشعوب؟ وكيف يستمر المغرب الرسمي في التشبث بتطبيع علاقاته مع دولة محتلة تقتل يوميا مئات الفلسطينيين، أغلبهم من الأطفال والنساء الجوعى، تحرقهم وهم نيام تحت خيامهم المهترئة؟ استمرار العلاقات مع كيان عنصري فاشي نازي تقوده حثالة البشر، من أمثال نتنياهو وسموتريتش وبن غفير، إهانة لكل مغربية ومغربي حرّ لا يرضى بالذل والهوان.
عارٌ على المغرب الرسمي أن يستمر في علاقاته مع مجرمين وقتلة ومرضى نفسيين مهووسين بالقتل ومطلوبين للعدالة، وفرض هذه العلاقات على شعب بكامله من 36 مليون مغربية ومغربي، تخرج أغلبيتهم العظمى كل أسبوع للاحتجاج والتعبير عن غضبها من استمرار علاقات بلادها مع الكيان الصهيوني.
كنّا ننتقد صمت المغرب الرسمي، لكنه، في الحقيقة، ليس صامتا وإنما متواطئ، من خلال استمرار علاقاته مع الكيان الصهيوني واستقبال كبار مسؤوليه للمشاركة في مؤتمرات تعقد فوق الأرض المغربية، وفتح موانئه للسفن المحمّلة بالأسلحة والذخيرة الموجّهة إلى قتل الفلسطينيين، والسماح بمشاركة جنود صهاينة، من فرقة "غولاني" المتورّطة في جرائم حرب في غزّة، في مناورات عسكرية تجري فوق التراب المغربي، لتدريب هؤلاء المجرمين على حرب الأنفاق والعودة إلى غزّة لاستعمال خبراتهم في قتل الفلسطينيين وملاحقة مقاومتهم في الأنفاق التي بنوها للقتال من أجل حرية بلادهم وشعبهم. كيف يسمح المغرب الرسمي لفرقة مجرمةٍ متهمة دوليا بارتكاب جرائم حربٍ في غزّة والضفة الغربية بالتدريب فوق أرضه، وغضّ الطرف عن جرائمها، من دون أن يخشى من تبعات هذا الفعل الذي قد يجعله عُرضة للتحقيق والملاحقة الدولية بتهمة المشاركة أو التشجيع على ارتكاب إبادة جماعية؟
قليلة الأصوات، من داخل المؤسسات الرسمية والأكاديمية المغربية، التي ترتفع لاستنكار ما يحدُث على أرض المغرب وباسم شعبه
ليس مطلوباً من المغرب الرسمي تقديم السلاح أو إرسال الجنود للمحاربة إلى جانب الفلسطينيين، وإن كان هذا واجباً دينياً وأخلاقياً وإنسانياً لنصرة المظلوم والوقوف في وجه الظالم. مسؤولية المغرب اليوم السياسية والأخلاقية وقف كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، وقد رأينا كيف أن دولة مثل السعودية، بالرغم من كل الضغوط التي مورست عليها، رفضت التطبيع مع الكيان الصهيوني قبل تحقيق شروط قيام دولة فلسطينية على حدود 1967. وللمغرب من التأثير السياسي والقوة المعنوية ما يمكنه من إسماع صوته عاليا بدل الركون إلى الصمت المُذل كما حدث حينما أطلق جيش الاحتلال النار في الضفة الغربية على دبلوماسيين غربيين، كان من بينهم ممثل الرباط في تل أبيب، فاحتجت كل عواصم الدبلوماسيين المستهدفين واستنكرت الفعل الإجرامي لجيش الاحتلال، ومنها من استدعت سفراءها في إسرائيل للاستفسار، أما العاصمة الوحيدة التي التزمت الصمت فكانت الرباط! وفي وقت يصف فيه وزراء خارجية دول غربية مثل فرنسا، التي صمتت طويلاً على حرب الإبادة، ما يقع في غزّة بأنه "حرب إبادة"، من دون الحديث عن المواقف المتقدّمة لدول أوروبية أخرى، مثل إسبانيا وأيرلندا والنرويج، نجد أن البلاغات (البيانات) الرسمية الصادرة عن وزارة الخارجية المغربية، أو المؤسسات الرسمية المغربية، ما زالت تسمّي حرب الإبادة في غزة "اعتداءات"، وتصف المقاومة الفلسطينية بالتطرّف عندما تُقرن مقاومتها المشروعة بأفعال المتطرّفين والمستوطنين الصهاينة التي تدينها كل قوانين العالم وشرائعه.
مع الأسف، قليلة الأصوات، من داخل المؤسسات الرسمية والأكاديمية المغربية، التي ترتفع لاستنكار ما يحدُث على أرض المغرب وباسم شعبه، وبينما نشاهد مداخلات قوية لبرلمانيين في جميع برلمانات العالم وجامعاته، بما فيها برلمانات وجامعات الدول الحليفة لإسرائيل والداعمة لها، يحتجون على مواقف حكوماتهم ويندّدون بصمت دولهم وتواطؤها مع الجريمة، لم يسبق لمسؤول حكومي مغربي أو برلماني مغربي أن اكتسب الشجاعة ليقف تحت قبة البرلمان، المفترض فيه أنه بيت الشعب، للتعبير فقط عما يردّده المتظاهرون في الشارع المحاذي للبرلمان!
يصعب تصوّر استمرار الرباط في ربط علاقاتها مع دولة تقتل الأطفال وتحرقهم مع أمهاتهم
لا أحد يتصوّر أن المسؤولين المغاربة باعوا ضمائرهم إلى الصهيونية العالمية، أو ربما هم يعيشون في عالم آخر، أو لا يرون ما يحدُث في غزة من مجازر يومية، أو يعتبرون أن كل المشاهد المروّعة التي تبثها قنوات العالم عن جرائم الصهاينة في غزّة والضفة الغربية مجرد فيديوهات من إنتاج الذكاء الاصطناعي. لذلك يصعب تصوّر استمرار الرباط في ربط علاقاتها مع دولة تقتل الأطفال وتحرقهم مع أمهاتهم وهم نيام تحت خيامهم المهترئة. دولة يعلن وزراؤها أنهم يريدون تهجير مليوني فلسطيني من غزّة، طواعية، وهم يرمون عليهم أطنان القنابل المدمّرة. دولة قرّرت تجويع الناس حتى الموت فقط من أجل قتلهم، هذه الدولة لا يمكن أن تكون حليفة، وإنما هي عدوّة لكل الشعوب، وخاصة العربية والإسلامية.
المستوطنون المتطرّفون الذين اقتحموا ساحات الأقصى، الاثنين الماضي، كانوا يصرخون "الموت للعرب... الموت للمسلمين"، لذلك يجب أن نعترف، نحن نطبّع مع هؤلاء المجرمين الذين يتوعدوننا بالقتل، بما أن أغلبية المجتمع الصهيوني من اليمينيين المتطرّفين الذين لا يؤمنون بالسلام مع العرب والمسلمين، وكل الحجج التي تقدّمها الحكومة المغربية والمطبّعون المغاربة لتبرير استمرار التطبيع ليست سوى تعبير عن واحدٍ من أمريْن: التواطؤ مع المجرمين الصهاينة، أو الخوف من استنكار التطبيع والقول بصوت عال: ليس باسمنا.
