ARTICLE AD BOX
ظهر على ساحة الاقتصاد الدولي مؤخراً مفهوم الـ"بتروداتا" وعلى أثره شهدنا خريطة تحالفات تكنولوجية جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي في إدارة بيانات الطاقة عالمياً، فما هو "بتروداتا"، وكيف سيغير موازين الطاقة عالمياً، وهل تحاول الولايات المتحدة عبر "بتروداتا" قطع الطريق على بكين ومنع التكنولوجيا الصينية من الانتشار في العالم العربي، وكيف يحمي العرب أنفسهم من السيطرة الأميركية على بيانات الطاقة؟
يقول الدكتور أحمد بهاء الدين خيري، أستاذ الذكاء الاصطناعي بكلية الهندسة بجامعة الإسكندرية لـ"النهار"، إن الولايات المتحدة تحاول أن تقود الموقف الاقتصادي الدولي بسياسات مختلفة، وهذه السياسات تجمع بين ضخامة التأثير والقدرة على قيادة التغيير المنشود.
وأوضح أنه منذ بداية السبعينيات تمكنت أميركا من قيادة الاقتصاد العالمي عندما طرح الرئيس نيكسون الـ"بترودولار" ليكون الدولار هو الأساس لتقييم وتسعير أغلى وأهم سلعة في العالم وهي النفط الذي يتفرع إلى 1500 صناعة ويحكم اقتصاد الطاقة في العالم، ومع تقادم هذا المفهوم لنحو أكثر من 50 عاماً، بدأ الساسة الأميركيون يحاولون طرح بدائل تضمن لهم 3 اعتبارات، الأول هو الاستمرار في المقدمة حيث هم، ثانياً مراعاة أي تغيير في مصطلحات الاقتصاد الدولي وغيرها من عملات مشفرة أو بدائل نقدية وأسواق اقتصادية مشتركة وأن يتسيد الاقتصاد الأميركي على أوروبا وبقية أجزاء العالم في هذه القطاعات، وثالثاً مواجهة الصين التي دخلت الاقتصاد الدولي بشكل مبتكر عبر طرحها مبادرات مختلفة حتى في عالم تكنولوجيا المعلومات، لذلك فإن الطرح الجديد لـ"بتروداتا" يستهدف مجموعة شاملة من البيانات المتعلقة بصناعة النفط والغاز، ويختلف عن مصطلح البترودولار السابق الذي كان يستهدف التحكم في البترول طبقاً لسعر صرف الدولار الأميركي.
ما هو الـ"بتروداتا"؟
بتروداتا (Petrodata) مفهوم مشتق من (بترول + داتا) وهو نظام لجمع بيانات موثقة حول التخطيط الاستراتيجي للتحكم في النفط والغاز، وتدشين قواعد بيانات توفر معلومات مفصلة عن حقول النفط والغاز حول العالم أجمع، وليس فقط في دول الخليج، تتضمن بيانات مكانية وزمانية عن احتياطات الهيدروكاربون.
وتتجسد أهداف الـ"بتروداتا" في التحكم في الصناعة بجميع مراحلها المستقبلية وتحليلها وتوجيها كما يرغبون، ومراقبة الأصول البحرية عبر أدوات نشطة لرصد منصات الحفر وأساطيل السفن الضخمة؛ لخدمة الشركات العاملة في مجال الاستكشاف والإنتاج لتتمكن من تنسيق أعمالها الحالية والمستقبلية بشكل فعّال وتوظف استثماراتها بصور أكفأ، والاستخدام الأمثل للبيانات والاستفادة منها في توليد الاستثمارات؛ لأن هذه البيانات تشكل كنوزاً معرفية سيتم على أثرها تدشين تطبيقات لا حصر لها مثل أنظمة استرجاع بيانات الآبار والتقارير التي ستساعد الشركات على تقييم الأصول ودراسة تقلبات السوق لاتخاذ القرارات المناسبة في قطاع النفط.
وبسؤاله عن ما إذا كان إطلاق الولايات المتحدة الـ"بتروداتا" هو محاولة لقطع الطريق على الصين ومنعها من السيطرة على النفط العربي، قال خبير الذكاء الاصطناعي إن الصين لا تبارز بنفس الأسلحة ولكن تجر المتنافس الأميركي إلى ساحة هو يستشعر فيها بأنه "متخلف" وغير قادر على المنافسة، لذلك تتبع بكين منهجاً مغايراً لما آلفه الغرب، فهي الآن تحوم حول استرجاع تايوان برصيدها المُذهل من التحكم في سوق الرقائق الذكية، ونرى أن الصين تفوقت في مجال السيارات الكهربائية على تسلا الرائدة في هذا المجال، لذلك لا أرى أن الصين تنافس الولايات المتحدة في مسألة البتروداتا، وإنما تتبع خطط توازي الخطط الأميركية في مجالات أخرى منها صناعة الرقائق الذكية وتكنولوجيا الاتصالات للجيل العاشر، والمعالجات التكنولوجية المتطورة.
سباق سعودي إماراتي نحو الذكاء الاصطناعي
يتوقع بهاء الدين أن تشكل البتروداتا تحولاً كبيراً في التركيز على البيانات والمصادر الخاصة بصناعة البترول والغاز، ولابد أن تشارك الدول العربية بشكل فعّال، لذلك تتسارع دول الخليج الثلاث السعودية والإمارات وقطر لحجز مكان في قطار الذكاء الاصطناعي السريع.
ووقعت "هيوماين" -التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، خلال أيار (مايو) 2025، اتفاقية تعاون مع شركة "AMD" للرقائق بقيمة 10 مليارات دولار لتوفير 500 ميغاوات من قدرة الحوسبة للذكاء الاصطناعي لمراكز بياناتها، وذلك بخلاف توقيع اتفاقيات أيضاً مع شركتا سيسكو وأمازون، حيث تستهدف الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي للمملكة، التي تدعم رؤية 2030، أن تصبح السعودية ضمن أعلى 15 دولة في الذكاء الاصطناعي، بحسب الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا".
وفي الإمارات، تم توقيع اتفاقية تعاون مع الولايات المتحدة اتدشين مجمّع الذكاء الاصطناعي الإماراتي ـ الأميركي الشامل بسعة قدرها 5 غيغاوات، والذي يعد الأكبر من نوعه خارج الولايات المتحدة، وذلك في إطار زيارة دولة يقوم بها الرئيس الأميركي إلى دولة الإمارات، وهناك مباحثات مع الإدارة الأميركية لاستيراد 500 ألف شريحة متقدمة من شركة "إنفيديا" سنوياً بدءاً من عام 2025، 20% منها تذهب للشركة الإماراتية "جي 42" (G42) أكبر شركة للذكاء الاصطناعي في الإمارات، والباقي لشركات أميركية مثل مايكروسوفت وأوراكل.
يذكر أن مايكروسوفت أعلنت عن استثمار 1.5 مليار دولار في "جي 42"؛ بهدف تعزيز التعاون بين الشركتين في إدخال أحدث تقنيات "مايكروسوفت" الخاصة بالذكاء الاصطناعي ومبادرات تطوير المهارات إلى دولة الإمارات وبقية دول العالم.
مخاطر الـ"بتروداتا"
حذر أستاذ الذكاء الاصطناعي بجامعة الإسكندرية، من التقلب بين أنظمة الذكاء الاصطناعي المستخدمة في البتروداتا، خصوصاً في ظل التطور المتنامي في التكنولوجيا والذي كان يستغرق السابق عقوداً، اليوم أصبح يستغرق يومان فقط، وهو ما يعرض منظومة البتروداتا لمخاطر الانهيار في أي وقت.
وبسؤاله عن مخاطر البتروداتا المتمثلة في تحكم الولايات المتحدة المُحكم لقواعد البيانات، قال بهاء الدين، إن القادة في الخليج يتمتعون بذكاء ودبلوماسية تجعلهم في مأمن من هذه المخاطر المحتملة، ففي مصر وأغلب دول الخليج يتم إرسال بعثات سنوياً للصين ومختلف دول العالم لتعلم أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، وفي أي وقت يحدث ذلك من السهل جداً للدول العربية حماية بياناتها واستبدال التكنولوجيا الأميركي بالصينية.