ARTICLE AD BOX
في تعليقٍ مقتضب في قناته على تطبيق "تليغرام"، أوضح نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديميتري مدفيديف، أمس الثلاثاء، الهدف الرئيسي من مشاركة روسيا في مفاوضات إسطنبول مع الجانب الأوكراني، التي شهدت أول من أمس الاثنين، جولتها الثانية، بعد أولى عقدت في 15 و16 مايو/أيار الماضي. وأوضح مدفيديف، الرئيس الروسي السابق الذي تحوّل واحداً من صقور الكرملين في السنوات الأخيرة، أن فحوى المذكّرة الروسية التي نشرت الاثنين، والتي سلّمت إلى الجانب الأوكراني (وحملت المذكّرة عنوان: من أجل تسوية مستقبلية، بحسب وكالة تاس للأنباء)، تكمن في أنّ "محادثات إسطنبول ليست من أجل التوصل إلى سلام توافقي بشروط غير واقعية اخترعها شخص ما، بل لضمان انتصارنا السريع والتدمير الكامل لنظام النازيين الجدد"، في إشارة إلى السلطات الأوكرانية، وشدّد مدفيديف على أنّ الانتقام من الضربات الأوكرانية في عمق الأراضي الروسية قادم لا محالة، في إشارة إلى الهجوم الكبير الذي شنّته أوكرانيا الأحد الماضي، بطائرات من دون طيار على الأراضي الروسية، الذي طاول قواعد جوية روسية، منها في الدائرة القطبية الشمالية، لكن مدفيديف أشار إلى أن الجيش الروسي يتقدم ويواصل التقدم، وكتب: "كل ما يجب تدميره سيُدمّر، وأولئك الذين يجب القضاء عليهم سيُقضى عليهم".
وتكشف تصريحات مدفيديف بوضوح عن مخططات الكرملين بشأن الحرب في أوكرانيا، ونظرته لأيّ تسوية سياسية ممكنة، ورهانات القيادة الروسية على استمرار التفاوض تحت النار لإجبار أوكرانيا على تقديم تنازلات، مع عدم الظهور طرفاً غير منفتح على التفاوض لتجنّب رد فعل عكسيّ من إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي بدا أنها تُحابي روسيا على حساب أوكرانيا.
شملت المطالب تنازل أوكرانيا عن مزيد من الأراضي وتحوّلها إلى دولة محايدة وقبولها قيوداً على حجم جيشها وإجراء انتخابات
وعرضت روسيا على الوفد الأوكراني المفاوض أول من أمس، مذكّرة حملت شروطاً لوقف الحرب، وذلك خلال مفاوضات السلام بين البلدَين في إسطنبول. وشملت المطالب تنازل أوكرانيا عن مزيد من الأراضي، وتحولها إلى دولة محايدة، وقبولها قيوداً على حجم الجيش الأوكراني، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة. واتفق الجانبان في المحادثات التي استمرت ساعة واحدة فحسب على تبادل جديد لأسرى الحرب، وتبادل 12 ألف جندي قتيل، لكنّهما لم يتفقا على وقف النار الذي تضغط أوكرانيا وحلفاؤها على روسيا لقبوله.
روسيا تتجاهل الهجوم الأوكراني
وبدا أن مواقف إدارة ترامب، وتقدم الجيش الروسي غير المسبوق منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، دفعت المفاوضين الروس إلى مزيد من التشدّد، وشجّعت الكرملين على طرح شروط للهدنة ووقف الحرب أقرب ما تكون إلى إعلان أوكرانيا استسلامها وفق شروط الطرف المنتصر. وبحسب بيانات مشروع "أوسينت ديب ستيت" المقرّب من وزارة الدفاع الأوكرانية، فإن روسيا احتلت 457 كيلومتراً مربعاً في شهر مايو/أيار الماضي وهو أعلى معدل لتقدم الجيش الروسي منذ خريف 2024. واحتل الجيش الروسي 229 كيلومتراً مربعاً بالقرب من توريتسك وبوكروفسك، ما يهدّد بقطع الطرق الرئيسية المحيطة بمدينتَي سلافيانك وكراماتورسك، وهما آخر مدينتَين كبيرتَين حافظت أوكرانيا عليهما منذ بداية الحرب، ويعني سقوطهما فعلياً السيطرة على كامل مقاطعة دونيتسك. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، أمس، أن قواتها سيطرت على قرية أندرييفكا في منطقة سومي شمال شرقي أوكرانيا، إذ قتل شخصان وأصيب نحو 20 آخرين، وفق رئيس الإدارة العسكرية الإقليمية في سومي أوليغ غريغوروف. من جهتها، أعلنت السلطات الروسية، أمس، انقطاع التيار الكهربائي عن مقاطعة زابوروجيا، بسبب قصف أوكراني استهدف المعدات في محطات الجهد العالي في الجزء الشمالي الغربي من المقاطعة، كما أعلن جهاز الأمن الأوكراني، أمس، "تنفيذ عملية فريدة من نوعها بتفجير في جسر القرم للمرة الثالثة عبر تفخيخ من تحت الماء"، مضيفاً أن "عملاءنا فخّخوا دعامات جسر القرم وفجروا 1100 كيلوغرام من المواد المتفجرة دون إصابة مدنيين"، وأن الجسر "أصبح في حالة طوارئ".
وعلى خلفية التقدم الروسي على الأرض، وفي تجاهل كاملٍ لتبعات الضربة الأوكرانية في العمق الروسي، وثّقت موسكو الشروط التي تستعدّ بموجبها لإبرام معاهدة سلام. وأظهرت نسخة من المذكّرة الروسية، التي نشرتها وكالات الإعلام الروسية الرسمية، أن موسكو وسّعت نطاق مطالبها مقارنةً بالجولة الأولى من المحادثات، وأن شروطها أقرب ما تكون إلى إملاءات دولة انتصرت في حرب كبرى.
وقال رئيس وفد المفاوضين الروس، معاون الرئيس الروسي، فلاديمير ميدينسكي، أول من أمس، تعليقاً على جولة المحادثات في إسطنبول، إنّ "الجانب الروسي راضٍ عنها"، لكنّ الكرملين اعتبر، أمس، أنه من الخطأ توقع تحقيق اختراق سريع باتجاه تسوية النزاع "المعقد للغاية" في أوكرانيا. وقال المتحدث باسمه دميتري بيسكوف، إنه "سيكون من الخطأ توقع حلول واختراقات فورية"، موضحاً أن"مسألة التوصل إلى تسوية معقّدة للغاية وتشمل الكثير من المسائل الدقيقة" التي يتعيّن حلّها، وذكر أن موسكو تريد قبل كل شيء "القضاء على الأسباب الجذرية للنزاع" لتحقيق السلام مع كييف. إلّا أنه أشاد بالاتفاقات "المهمة" التي جرى التوصل إليها في إسطنبول، مؤكداً أن "العمل سيستمر"، وتابع: "ننتظر رداً على المذكّرة التي جرى إرسالها". وفي 19 مايو/أيار الماضي، دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كييف إلى إيجاد "حلول وسط". ويوم أمس، لم يرغب المتحدث باسمه في "كشف" هذه "الحلول الوسط" المحتملة، واعتبر أنه "من المستبعد" في المستقبل "القريب" أن يعقد اجتماع بين بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهو اللقاء الذي اقترحته تركيا أول من أمس وطلبته كييف.
خياران أمام أوكرانيا في وثيقة استسلام
وتنقسم الوثيقة التي قدّمها الوفد الروسي إلى نظيره الأوكراني، أول من أمس، إلى ثلاثة أقسام؛ يتضمّن القسم الأول "المعايير الرئيسية للتسوية النهائية"، ويتضمن القسم الثاني "خيارين" لشروط وقف إطلاق النار، ويتضمن القسم الثالث تسلسل تنفيذها.
وبحسب الوثيقة تتضمن الشروط الروسية لإنهاء الحرب:
- الاعتراف الدولي القانوني بانضمام شبه جزيرة القرم، وجمهورية لوغانسك، وجمهورية دونيتسك، ومقاطعتَي زابوروجيا وخيرسون إلى الاتحاد الروسي، والانسحاب الكامل للوحدات التابعة للقوات المسلّحة الأوكرانية وغيرها من التشكيلات العسكرية الأوكرانية من أراضيها.
- حياد أوكرانيا، بما يتضمن تخليها عن الانضمام إلى تحالفات وتكتلات عسكرية، وحظر أي نشاط عسكري لدول ثالثة على أراضي أوكرانيا أو نشر تشكيلات عسكرية أجنبية أو قواعد عسكرية أو بنية تحتية عسكرية هناك.
- وقف العمل والامتناع عن إبرام أي معاهدات أو اتفاقات دولية في المستقبل تتعارض مع أحكام الفقرة 2 من هذا القسم.
- تأكيد وضع أوكرانيا دولةً غير حائزة لأسلحة الدمار الشامل النووية وغيرها، مع فرض حظر صريح على قبولها أو عبورها أو نشرها على الأراضي الأوكرانية.
- تحديد الحد الأقصى للقوات المسلّحة الأوكرانية والتشكيلات العسكرية الأخرى في أوكرانيا، والحد الأقصى لكمية الأسلحة والمعدات العسكرية ومواصفاتها المسموح بها، وحل التشكيلات القومية الأوكرانية ضمن القوات المسلحة والحرس الوطني.
- ضمان الحقوق والحريات والمصالح الكاملة للسكان الناطقين بالروسية ومنح اللغة الروسية وضع لغة رسمية.
- حظر قانوني على تمجيد الدعاية للنازية والنازية الجديدة، وحل المنظمات والأحزاب القومية.
- رفع جميع العقوبات الاقتصادية المفروضة حالياً والامتناع عن فرض عقوبات أو قيود أو إجراءات مقيّدة جديدة بين الاتحاد الروسي وأوكرانيا.
- حل مجموعة من القضايا المتعلقة بتجمع شمل الأسر والأشخاص النازحين.
- التخلي عن المطالبات المتبادلة في ما يتعلق بالأضرار الناجمة عن الأعمال القتالية.
- رفع القيود المفروضة على الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية (التابعة للكنيسة الأرثوذكسية الروسية)
- استئناف العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية تدريجياً (بما في ذلك عبور الغاز)، واستئناف حركة النقل والاتصالات الأخرى، بما في ذلك مع دول ثالثة.
دميتري بيسكوف: مسألة التوصل إلى تسوية معقّدة للغاية وتشمل الكثير من المسائل الدقيقة
ومن الواضح أن هذه الشروط هي مزيج بين المذكّرة التي قالت روسيا إنه جرى التفاهم عليها مع الوفد الأوكراني في ربيع 2022، قبل قرار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقف التفاوض بناء على نصائح من رئيس الحكومة البريطانية حينها، بوريس جونسون، والبيان الذي تلاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم إطلاق الحرب في 22 فبراير/شباط 2022، والشروط الإضافية التي عرضها بوتين في يونيو/حزيران 2024، إضافة إلى مسودة الاتفاقية التي أرسلتها موسكو إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) منتصف ديسمبر/كانون الأول 2021 بشأن عدم جواز توسع الحلف في شرق أوروبا، وعدم نشر قواعد عسكرية في جوار روسيا على خلفية تقارير بشأن استعداد روسيا لغزو أوكرانيا.
ومن المؤكّد أن أوكرانيا سوف ترفض على الأرجح معظم هذه الشروط، وتعتبرها شروط استسلام. واللافت أن روسيا تطالب أوكرانيا بالانسحاب من مدن كبرى مثل زابوروجيا وخيرسون وكراماتورسك وسلافيانسك التي يحتاج احتلالها شهوراً وربما سنوات وفق وتيرة تقدم الجيش الروسي منذ بداية الحرب، والتحصينات الأوكرانية. ورفضت كييف سابقاً تقييد عدد الجيش وعتاده، وبأسوأ الحالات يمكن أن توافق على هذا البند مع ضمانات أمنية تقدمها دول عدّة، مع تعهدات بإجراءات لضمان أمن أوكرانيا وسلامة أراضيها ومن بينها ضمانات تشبه البند الخامس من ميثاق "ناتو" عبر التدخل عسكرياً لحماية أوكرانيا، وفرض عقوبات اقتصادية قاسية في حال حدوث خرق روسي، كما حصل مع وثيقة بودابست في 1994، حين تخلت أوكرانيا عن السلاح النووي مقابل ضمان وحدة أراضيها بحسب إعلان الاستقلال في 1991.
ولا تقدم الوثيقة الروسية أي ضمانات لأوكرانيا بعدم تكرار الحرب الروسية ضدها، ويمكن استغلال عدم تنفيذ أي من بنود المذكرة مثل منح اللغة الروسية وضع اللغة الرسمية، أو أي مضايقات بحق الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية التابعة لبطريركية موسكو وعموم روسيا، أو عدم الجدية في محاربة النازية، للهجوم على أوكرانيا مرة أخرى. في المقابل، من المؤكّد أن موافقة زيلينسكي على بند "حظر قانوني على تمجيد الدعاية للنازية والنازية الجديدة، وحل المنظمات والأحزاب القومية"، ومنح اللغة الروسية وضعاً رسمياً، والتراجع عن قرار حظر الكنيسة الاوكرانية التابعة لروسيا، سوف تشعل حرباً في الداخل ضده.
ويُصعّب بند "التخلي عن المطالبات المتبادلة في ما يتعلق بالأضرار الناجمة عن الأعمال القتالية" إطلاق عملية إعادة البناء في بلد فقد اقتصاده أكثر من نصف حجمه، وبات معتمداً على المساعدات، وخسر 20% من أراضيه التي تضمّ ثروات من المواد الخام ومصانع وأراضٍ زراعية خصبة. ومعلوم أن أوكرانيا تراهن على إعادة الإعمار باستخدام أكثر من 300 مليار دولار من الودائع الروسية المجمدة في الاتحاد الأوروبي منذ مطلع الحرب.
وتتطلب الموافقة على بنود الحياد والتخلي عن المناطق الخمس تعديلات دستورية، لن يكون تمريرها سهلاً لعدم شعبيتها، وإمكانية أن تستغلها القوى المناهضة لزيلينسكي للتحريض عليه، وكسب أصوات على حسابه.
لا تقدم الوثيقة الروسية أي ضمانات لأوكرانيا بعدم تكرار الحرب الروسية ضدّها
وعرضت روسيا في المذكّرة المنشورة، خيارين حول شروط وقف إطلاق النار. وتضمن الخيار الأول "بدء الانسحاب الكامل للقوات المسلّحة الأوكرانية وغيرها من التشكيلات العسكرية الأوكرانية من أراضي الاتحاد الروسي، بما في ذلك جمهورية دونيتسك، وجمهورية لوغانسك، ومقاطعتا زابوروجيا وخيرسون، وسحبها إلى مسافة متفق عليها بين الطرفين من حدود الاتحاد الروسي، وفقاً للوائح المعتمدة.
وبعيداً عن رفض أوكرانيا الانسحاب من المناطق التي يسيطر عليها الجيش، فإن عدم واقعية هذا القرار تكمن في أنه يُملي على أوكرانيا أماكن نشر جيشها في داخل أراضيها، وربما تكريس فرض مناطق عازلة قرب الحدود وهو ما تسعى إليه روسيا حالياً في سومي وخاركيف، بما يعنيه من انتقاص من سيادة كييف على أراضيها، إضافة إلى أن عدم انتشار الجيش على الحدود الجديدة في حال وافقت أوكرانيا، يفتح أيضاً على إمكانية تقدم الروس والقضم التدريجي لمناطق عدّة في جنوب وشرق أوكرانيا. ومعلوم أن كثيراً من المسؤولين الروس ينظرون إلى مناطق مثل خاركيف وسومي وأوديسا ونيكولاييف على أنها جزء من "نوفوروسيا"، الاسم الذي كان يطلق على جنوب شرق أوكرانيا منذ حكم الإمبراطورة يكاترينا الثانية.
ويتضمن الخيار الثاني:
- حظر إعادة انتشار القوات المسلحة الأوكرانية وغيرها من التشكيلات العسكرية الأوكرانية، باستثناء عمليات السحب إلى مسافة متفق عليها بين الطرفين من حدود الاتحاد الروسي.
- وقف التعبئة وبدء التسريح، ووقف الإمدادات العسكرية الأجنبية والمساعدات العسكرية الأجنبية لأوكرانيا، بما في ذلك تقديم خدمات الأقمار الاصطناعية وتقديم بيانات الاستخبارات.
- منع الوجود العسكري للدول الثالثة على أراضي أوكرانيا، ووقف مشاركة الخبراء الأجانب في الأعمال القتالية إلى جانب أوكرانيا.
- ضمانات من أوكرانيا بعدم القيام بأنشطة تخريبية ضد الاتحاد الروسي ومواطنيه.
- إنشاء مركز ثنائي لمراقبة ورصد نظام وقف إطلاق النار.
- عفو متبادل عن "السجناء السياسيين" والإفراج عن المدنيين المحتجزين.
- إلغاء الأحكام العرفية في أوكرانيا.
- الإعلان عن موعد إجراء انتخابات رئيس أوكرانيا والمجلس الأعلى، التي يجب أن تُعقد في غضون مئة يوم من إلغاء الأحكام العرفية.
- توقيع اتفاقية تنفيذ الأحكام الواردة في القسم الأول.
وبمراجعة لبنود المقترح الشامل لإنهاء الحرب كما تسميه روسيا، يبدو أن هدف الكرملين يكمن في إعادة هندسة السلطة في أوكرانيا كما يريد، بلداً غيرَ سيِّد وتابعاً لروسيا على نحوٍ كامل وكاريكاتوري. ومن المؤكد أن روسيا تريد فرض سلطة موالية لها للسيطرة على أوكرانيا، ولكن هذا الهدف يحتاج إلى مواصلة العمل، وحتى الوصول إليه، فإن موسكو لا تمانع في تجديد شرعية زيلينسكي أو انتخاب سلطات برلمانية ورئاسية جديدة توقع على "صكّ الاستسلام". ومن المستبعد أن يوافق أي سياسي أوكراني على مجمل الشروط الروسية إلّا في حال كان تابعاً بالكامل لها، ومن اللافت أن روسيا تطلب قبل توقيع اتفاقية سلام، قطع تعاون أوكرانيا مع كل الدول الداعمة لها عسكرياً، ما يعني وقف التسليح وتبادل الخبرات، وترك الجيش الأوكراني ضعيفاً.
وفي القسم الثالث المحدّد لتسلسل الخطوات والمواعيد النهائية لتنفيذ المذكّرة، ترى روسيا أنه يجب بدء العمل على نصّ المعاهدة، يليها إعلان هدنة لمدة 2-3 أيام لجمع جثث القتلى في "المنطقة الرمادية"، وبعدها تسليم الجانب الأوكراني من جانب واحد ستة آلاف جثة من جنود القوات المسلحة الأوكرانية.
توقيع ومصادقة أممية
وتشترط روسيا القبول بالهدنة لمدة ثلاثين يوماً، توقيع مذكرة وقف إطلاق النار مع تواريخ محدّدة لتنفيذ جميع أحكامها وتحديد موعد توقيع معاهدة التسوية النهائية، وبدء سحب القوات المسلحة الأوكرانية، وتشدّد على أنه "خلال هذه الفترة، يجب تنفيذ الانسحاب الكامل لوحدات القوات المسلحة الأوكرانية من أراضي الاتحاد الروسي، والتنفيذ الكامل لـ"المقترح الشامل". وبعد الهدنة، تطالب روسيا بـ"تنظيم الانتخابات وتشكيل سلطات الحكم على أراضي أوكرانيا، وتوقيع المعاهدة، واعتماد المعاهدة الموقعة بقرار ملزم من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. والتصديق على المعاهدة، ودخولها حيّز التنفيذ، وتنفيذها".
ومن الواضح أن الصياغة الروسية للوثيقة انطلقت من أن روسيا ماضية في تحقيق أهدافها، وأن عدم التزام أوكرانيا بجميع الشروط، وعدم رضوخ أوروبا وحلف شمال الأطلسي لمطالب روسيا بـ"حلّ الأسباب الجذرية" للحرب في أوكرانيا والتوقيع على معاهدة واضحة موثقة قانونياً في الأمم المتحدة، تعني مواصلة الحرب.
ومن المستبعَد أن توافق أوكرانيا على معظم البنود، والمبدأ الروسي في التعامل معها دولةً منقوصة السيادة. ورغم الرفض الأوروبي المطلق للعرض الروسي انطلاقاً من أنّ أي تنازلات قد تفتح شهية بوتين للتدخل في مولدوفا وحتى في بلدان البلطيق السوفييتية السابقة، حسب تقديرات أوروبية، فإنّ العامل الحاسم في تحديد مسار المستقبل ما زال على الجهة الأخرى من المحيط وتحديداً في يد الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقراره بشأن دعم أوكرانيا سياسياً وعسكرياً من عدمه.
ويوم أمس الثلاثاء، وصل وفد من كبار المسؤولين الأوكرانيين إلى واشنطن لإجراء محادثات مع مسؤولين أميركيين حول قضايا الدفاع والاقتصاد. وأوضح المستشار الرئاسي أندريه يرماك على "إكس"، والذي يضمّه الوفد: "ننوي مناقشة الدعم الدفاعي والوضع في ساحة المعركة، وتشديد العقوبات على روسيا"، مؤكداً أنّ الوفد ترأسه وزيرة الاقتصاد الأوكرانية يوليا سفيريدينكو، ويضمّ مسؤولين في مجال الدفاع. وأضاف أن الأوكرانيين سيلتقون بمسؤولين جمهوريين وديموقراطيين، بالإضافة إلى فريق ترامب، مشيراً إلى أنه سيجري بحث مسألة "إعادة الأطفال الأوكرانيين المرحّلين من روسيا". وكانت أوكرانيا أعلنت أول من أمس، أنها أرسلت خلال المحادثات قائمة بأسماء مئات الأطفال الأوكرانيين، مؤكّدة أن روسيا رحّلتهم وأنها تطالب بإعادتهم إلى وطنهم.
