ARTICLE AD BOX
يتواصل تراجع معدلات الزواج في الصين، مسجلاً في عام 2024 أدنى مستوى له على الإطلاق منذ بدء التسجيل الرسمي عام 1986، وفقًا لبيانات وزارة الشؤون المدنية، ما يُفاقم أزمة ديموغرافية تهدد ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وسُجّلت نحو 6.1 ملايين حالة زواج فقط خلال العام الماضي، أي أقل من نصف عدد الزيجات المُسجّلة في عام 2013. ووفقًا للديموغرافي خه يافو، فإن ما يقارب 30% من الصينيين في سن الثلاثين لم يتزوجوا في 2023، مقارنة بـ15% فقط قبل عشر سنوات.
وتعكس هذه الأرقام فشل السياسات الحكومية في عكس الاتجاه المتراجع للزواج والخصوبة، رغم سلسلة من المبادرات التي أطلقتها بكين منذ إلغاء سياسة الطفل الواحد عام 2016. وتشمل هذه الجهود تقديم إعانات مالية، وتوسيع إجازات الأمومة والأبوة، وتسهيل إجراءات الزواج، والتشجيع على تقليص مهور العرائس.
ويرى مراقبون، بحسب "بلومبيرغ"، أن التحديات الاقتصادية والاجتماعية تُقوّض هذه السياسات، إذ يعزف الشباب عن الزواج بسبب التكاليف المرتفعة، مثل شراء المنازل والسيارات، والضغوط الأسرية المتزايدة، بالإضافة إلى البطالة بين الشباب وركود الاقتصاد. وفي المدن الكبرى مثل بكين، تجاوز سعر المتر المربع في بعض الأحياء متوسط الدخل السنوي للفرد، ما جعل الزواج حلمًا بعيد المنال لكثيرين.
كما يشهد المجتمع تحولات ثقافية متسارعة، لا سيما بين النساء المتعلمات والمستقلات ماليًا، اللواتي يرفضن القوالب التقليدية المرتبطة بالزواج ودور المرأة في الأسرة. وتنتشر على منصات التواصل الاجتماعي شهادات لشابات يُفضّلن الحياة الفردية ويرفضن الزواج والإنجاب، مؤكدات رغبتهن في العيش بحرية وسعادة من دون قيود اجتماعية.
وتنعكس هذه التغيرات أيضًا على الاقتصاد، حيث انكمش حجم قطاع حفلات الزفاف إلى أقل من 400 مليار دولار، مقارنة بذروته البالغة 524 مليارًا في 2019. كما تراجع ما يُعرف بـ"اقتصاد الأسرة" لصالح ما بات يُعرف بـ"اقتصاد العزّاب"، الذي يستهدف الأفراد غير المتزوجين بمنتجات وخدمات مصممة خصيصًا لهم.
ورغم تسجيل نحو 9.54 ملايين ولادة في 2024- بزيادة طفيفة يُعزى بعضها إلى الاعتقاد بأن عام التنين يجلب الحظ- إلا أن الرقم يُعد ثاني أدنى معدل مواليد منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية في 1949. ويُقدّر معدل الخصوبة حاليًا بـ1.01 طفل لكل امرأة، بعيدًا عن معدل الإحلال البالغ 2.1.
وفي ظل استمرار تراجع عدد السكان، تواجه الصين ضغوطًا متزايدة على سوق العمل ونظام التقاعد، مما قد يُؤثر على النمو الاقتصادي مستقبلاً. ووفقًا لتوقعات مجلة "لانسيت"، قد تتجاوز الصين الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد في العالم بحلول 2035، لكنها مهددة بفقدان هذا المركز لاحقًا إذا لم تُعالج أزمة السكان المتراجعين.
في المقابل، تحاول الحكومة التخفيف من الأعباء الاقتصادية المرتبطة بالزواج، حيث قدّمت بعض المقاطعات حوافز نقدية للعروس دون سن 25، كما دعت الأسر إلى خفض "ثمن العروس" أو "تساي لي" الذي قد يصل إلى عشرات الآلاف من الدولارات.
ورغم هذه المساعي، يقول محللون إن التراجع في معدلات الزواج بات ظاهرة راسخة، يصعب معالجتها عبر الحوافز المالية وحدها، في ظل تحولات اجتماعية واقتصادية أعمق تعيد تشكيل مفهوم الأسرة في المجتمع الصيني.
