واشنطن تستكمل تغيير سياستها في سورية: تقليص تدريجي للوجود العسكري

1 day ago 5
ARTICLE AD BOX

لم تمض ساعات قليلة على إعلان المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، توم برّاك، في مقابلة مع قناة "أن تي في" التلفزيونية التركية، أول من أمس الاثنين، أن واشنطن تتجه نحو تغيير استراتيجيتها في سورية، وتعمل على تقليص وجودها العسكري وإغلاق قواعدها باستثناء واحدة، حتى كان مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون)، يعلن في تصريحات صحافية، أمس الثلاثاء، عن سحب بلاده 500 جندي من سورية، وإغلاق قاعدتين على الأقل، وتسليم قاعدة ثالثة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) خلال الأسابيع القليلة الماضية. وكان برّاك أوضح أن السياسات الأميركية السابقة لم تحقق النجاح المطلوب، مشيراً إلى أن الدعم الأميركي لـ"قسد" يجب أن يتجه نحو دمجهم في جيش سورية الجديد المستقبلي.

القواعد الأميركية في سورية

وبحسب مصادر إعلامية متقاطعة، انسحبت الولايات المتحدة من أهم قاعدتين لها في شرقي سورية، وهما: قاعدة حقل العمر، والتي كانت مقراً قيادياً بارزاً للتحالف الدولي في سورية، وقاعدة حقل كونيكو للغاز، وأخلت قاعدة أخرى أقل حجماً. وبدأ الانسحاب الأميركي في الثامن عشر من شهر مايو/أيار الماضي، إلا أنه تسارع خلال الأيام القليلة الماضية، وصولاً إلى إخلاء القواعد الثلاث والتي استلمت "قسد" أهمها، وهي قاعدة العمر في ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات. وذكرت شبكات إخبارية سورية محلية قبل أيام، أن قوات التحالف نقلت معدات عسكرية ولوجستية من قاعدة الشدادي في ريف الحسكة الجنوبي باتجاه الأراضي العراقية.

ضياء قدور: الانسحاب يؤكد أن الولايات المتحدة تعيد تقييم استراتيجيتها في المنطقة

وكانت الولايات المتحدة بدأت تدخلاً عسكرياً في سورية في عام 2014 مع تشكيل تحالف دولي لمحاربة تنظيم داعش، في أوج اندفاعه في سورية والعراق. وأقام التحالف الدولي عشرات القواعد الكبيرة والمتوسطة والصغيرة في سورية، وخصوصاً في ريفي دير الزور والحسكة. كما أنشأ التحالف الدولي، عام 2014، قاعدة التنف، وتبعد نحو 22 كيلومتراً عن الحدود السورية الأردنية، وهي تعد اليوم من أهم القواعد العسكرية للتحالف الدولي في سورية. ويُعتقد أنه كان هناك نحو ألفي عنصر من القوات الأميركية وبعض دول التحالف في القواعد ونقاط التمركز التي من المتوقع أن تتقلص إلى قاعدة واحدة ربما تكون قاعدة التنف نظرا لتموضعها في المثلث الحدودي لسورية والأردن والعراق.

واعتمد التحالف الدولي طيلة سنوات الحرب ضد "داعش" على "قسد" ذات الصبغة الكردية والتي تلقّت دعماً عسكرياً مهماً وتدريباً عالي المستوى، مكّنها من فرض السيطرة على الجانب المهم في البلاد اقتصادياً، والذي بات يُعرف اليوم بمنطقة شرقي نهر الفرات. ولكن التبدل الكبير في المشهد بعد 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وسقوط نظام الأسد، بعثر كل أوراق هذه القوات التي تقف اليوم أمام خيارين: إما الاندماج في الجيش السوري الجديد وفق شروط واقعية، ما يعني اختفاءها نهائياً من المشهد العسكري السوري بما هي كتلة واحدة، أو الدخول في صدام عسكري مع دمشق. وكان قائد هذه القوات مظلوم عبدي وقّع في مارس/آذار الماضي، اتفاق مبادئ مع الرئيس السوري أحمد الشرع لدمج هذه القوات في المنظومة العسكرية السورية الجديدة، لكن تحقيق ذلك لم يبدأ بعد في ظل عقبات عدة.

واشنطن تبحث عن حلّ مستدام

وتعليقاً على تسارع خطى الولايات المتحدة المنسحبة من سورية، رأى الخبير العسكري ضياء قدور في حديث مع "العربي الجديد"، أن الانسحاب "يؤكد أن الولايات المتحدة تعيد تقييم استراتيجيتها في المنطقة، وتتجه نحو دعم الحلول التي تعزز وحدة سورية وسيادتها". واعتبر أن الانسحاب الأميركي من بعض القواعد في شمال شرقي سورية يشير إلى تحول في الرؤية الأميركية التي باتت ترى أن الحلّ المستدام يمر عبر التفاهم مع الحكومة المركزية في دمشق، بعيداً عن الطروحات الانفصالية أو المشاريع الهامشية. وأشار قدور إلى أن التوجه الأميركي الجديد "تجلى في تشجيع واشنطن لقسد على التوصل إلى اتفاق مع الحكومة السورية، يقضي باندماج هذه القوات في مؤسسات الدولة، بما في ذلك الجيش، مع التأكيد على وحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم". وبرأيه، فإن على هذه القوات "أن تدرك أن المرحلة المقبلة تتطلب منها اتخاذ خطوات جدّية نحو الاندماج الكامل في مؤسسات الدولة السورية، بعيداً عن الأجندات الخارجية، وذلك لضمان استقرار المنطقة والحفاظ على وحدة سورية وسيادتها".

فايز الأسمر: الدائرة تضيق على قسد بعد قرار واشنطن

كما رأى قدور أن الانسحاب الأميركي من سورية "ليس متعجلاً كما حدث في أفغانستان"، لافتاً إلى أن "ما تقوم به الولايات المتحدة اليوم في سورية لا يمكن وصفه بأنه انسحاب مشين، بل هو إعادة تموضع مدروسة داخل الملف السوري". وبرأيه، فإن واشنطن، بعد سنوات من التردد والتجريب، باتت أكثر قناعة بأن استقرار سورية وأمن المنطقة لا يمكن تحقيقه من خلال التعامل مع أطراف هامشية أو سلطات أمر واقع، بل عبر اتفاقات مركزية مع الدولة السورية ومؤسساتها الرسمية، ما يعكس اعترافاً عملياً بأن دمشق، رغم التحولات، لا تزال العنوان الوحيد القادر على فرض السيادة، وتنظيم ملف الأمن، وضمان وحدة البلاد، وهي قناعة أخذت تتكرّس لدى دوائر صنع القرار الأميركي.

وبرأي المحلل العسكري العميد فايز الأسمر، الذي تحدث مع "العربي الجديد"، فإن "الدائرة تضيق على قسد بعد قرار واشنطن تخفيض عدد قواتها وقواعدها في سورية"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن هناك انفتاحاً أميركياً وغربياً وعربياً على دمشق والذي "تجلى في عديد المناسبات حيث التقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الشرع في الرياض، وأعطت الإدارة الأميركية دمشق الضوء الأخضر لدمج المقاتلين الأجانب في الجيش السوري"، وفق ما أكده برّاك أول من أمس.

Read Entire Article