"نسور الجمهورية" فيلم سطحي يحط في مهرجان كان

2 days ago 3
ARTICLE AD BOX

<p>أثناء تصوير أحد مشاهد "نسور الجمهورية" (ملف الفيلم)</p>

من "حادثة النيل هيلتون" إلى "ولد من الجنة"، رسم المخرج السويدي المصري طارق صالح لنفسه صورة سينمائي معارض، لا يساوم ولا يداري. هذه الصورة راقت للغرب، واستفزت النظام المصري، وفتحت لطارق صالح أبواب المهرجانات الدولية. كل شيء كان يعد بمسيرة تصاعدية، تضعه في مصاف الأصوات السينمائية النادرة التي تملك الشجاعة لقول ما لم نعتده في العالم العربي. لكن صالح، مع فيلمه الأحدث "نسور الجمهورية"، يواصل سينماه السطحية التي تهتم بالقشور لا بالجوهر، في عمل أقلّ ما يُقال عنه إنه تعثّر فني وفكري، يفشل في أن يكون هجاءً سياسياً أو دراما ذات معنى. يختتم ما يعرّفه بـ"ثلاثية القاهرة" مواجهاً أعلى مرجعية سياسية في بلاده، بنتيجة لن تكون لصالحه.  

منذ اللحظة التي أُعلن فيها عن مشاركة الفيلم في مهرجان كانّ الثامن والسبعين (13 - 24 مايو/ أيار)، ارتفعت التوقعات. الفيلم الذي عُرض في اطار المسابقة، بدا وكأنه نسخة مشوشة من مشروع لا يجهل إلا ما يطمح إليه. حتى الفكرة ساذجة: فنان مصري شعبي يدعى جورج فهمي (الممثل السويدي اللبناني الأصل فارس فارس)، يُطلب منه أداء دور الرئيس عبد الفتاح السيسي في فيلم دعائي عن انجازاته. ترغب السلطة في الاستفادة من شعبيته. الممثل معارض للرئيس ولكن في الختام، يرضخ للضغوط والابتزاز. موضوع عمل الفنان تحت الضغط السياسي يحمل وحده بذور عشرات الأسئلة السياسية، النفسية، السينمائية، ولكن بدلاً من زراعة هذه البذور، يختار صالح رشّها بماء الكليشيهات والسهولة والتهافت. 

في لحظة عبثية، يُستدعى فيها لتجسيد الريس، رغم أن الفارق في الطول بينهما عشرون سنتيمتراً على الأقل. لكن الطول ليس المشكلة الوحيدة، بل ربما هو التفصيل الأكثر واقعية في فيلم لا يُقنعك بشيء. الطامة الكبرى، وهذه كانت مشكلة فيلمه السابق، أن صالح لا يقيم وزناً للمصداقية. تخيلوا أن معظم الممثلين قادمون من خارج مصر: لبنان، المغرب، فلسطين، الجزائر، السويد، هم أبناء الانتشار العربي وبناته ، وحتى المصريون الأقحاح الذين في الفيلم، كانوا قد غادروا بلادهم منذ زمن أو فقدوا اتصالهم بالشارع الذي يُفترض أن الفيلم يدّعي قول شيء عنه، فهذا هو الهدف من أي فيلم يحكي عن السلطة وممارساتها.

غربة عن مصر

مصر التي نراها في الفيلم مختصرة بالحد الأدنى، فطارق صالح لا يستطيع الذهاب إلى مصر كي يصور فيها كما يحلو له. الفيلم يحاول أن يلعب على فكرة "الفيلم داخل الفيلم"، فنرى جورج يؤدي مشاهد يفترض أنها جزء من فيلم السيسي، وأمامه ممثل يؤدي دور مرسي. مشاهد مغرقة في الكاريكاتورية. ثم ننتقل إلى الحوارات، لتدخل شخصية زوجة أحد الساسة التي تشرح لنا أن هناك عقدة جنسية لدى الرجل العربي. كل هذا يبدو وكأن الفيلم كُتب خصيصاً ليتوافق مع مزاج جمهور أوروبي وغربي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يعاني الفيلم من خلل بنوي عميق، فيتنقل بين مواضيع كثيرة من دون أن يلتقط واحداً منها فعلاً. لا يرصد، لا يفسّر، لا يحلّل، ولا حتى يصدم. هو فقط يُلقي إشارات، كمن يوزّع بطاقات تعريفية على جمهور ليس لديه وقت للمزيد. 

بيد ان أخطر ما في "نسور الجمهورية" هو أنه، من دون أن يقصد، يُلمّع صورة النظام الذي يدّعي نقده. فما نشاهده طوال أكثر من ساعتين لا يختلف عن ممارسات أي نظام سلطوي منذ فجر البشرية. بل إن تصوير هذا النظام بهذا الشكل المختزل والركيك، لا يصب في مصلحة من عانوا منه. الواقع المصري أقوى بحيث يبدو الفيلم وكأنه نسخة لطيفة من أي كابوس يرزح تحته مواطن أو فنان.

الخاتمة، الغامضة وغير المفهومة، تأتي في استعراض 6 أكتوبر. مشهد كان من المفترض أن يكون قوياً، رمزياً، مفاجئاً… فإذا به امتداد لكل ما سبقه من ارتباك. لا لحظة صدمة، لا نهاية درامية، لا وضوح، فقط إحباط يتراكم إلى آخر الطريق. 

"نسور الجمهورية" مثال حيّ على الفصام: فيلم ينجزه معارض من الخارج مكتفياً بملامسة السطح، ظناً منه أن تناول موضوع كهذا يكفي لتصنيفه في عداد الشجعان. لكن كل مشهد في الفيلم يذكرنا بأن استعراض النوايا شيء وإنجاز عمل سياسي ذي تأثير، شيء آخر. من الواضح ان ملامح التيار السينمائي المعارض الذي بدأ يتكوّن منذ بضع سنوات خارج الدول العربية، لا تزال تصطدم بحاجز جوهري: الغربة عن الأصل. كلما ابتعد السينمائي عن واقعه، خسر شيئاً من دقّته ونظرته إلى الأشياء، وأحياناً من شرعيته. وهذا ما فهمه جيداً السينمائيون الإيرانيون المعارضون الذين ظلوا في بلادهم رغم كل ما تعرضوا له، لمناكفة السلطة وإنجاز أفلام كبيرة عنها. 

subtitle: 
المخرج السويدي المصري طارق صالح يتعثر في معالجة قضيته ويقع في التغريب السياسي
publication date: 
الثلاثاء, مايو 20, 2025 - 15:45
Read Entire Article