من يوقف الوحش ومتى؟

2 weeks ago 5
ARTICLE AD BOX

أما لجحيم غزّة من آخِر؟ أما آن لليلها الطويل الدامي أن ينجلي، ويطلع عليها فجر الرحمة والخلاص؟ من يوقف الوحش الصهيوني عن التمادي الإجرامي الهستيري في "الانتقام" غير المنتهي، أو في "الردّ" غير المتناسب على فعل تحرّري وقع قبل سنة وثمانية أشهر، وكان فعلاً مشروعاً تجيزه القوانين والأعراف كلّها، التي تمنح الشعوب حقّ التحرّر وتقرير المصير ومقاومة المحتلّ، بكلّ الوسائل الممكنة. فلم يفعل إنسان غزّة المُحاصَر والمُجوَّع والمقهور سوى هدم جدران الحصار والعزل والاحتلال، منتفضاً بحقٍّ ضدّ محاصره وقاهره وقاتله وعازله، ومانعه من أدنى مقوّمات الحياة الكريمة في أرضه، إلى درجة منعه من الصيد في بحره لتحصيل لقمة عيشه. هل كانت غزّة محاصرةً أم لا؟ هل كانت مسلوبةَ الحرية في أرضها وبحرها وسمائها أم لا؟ هل كان المليونان ونيّف من سكّانها مسلوبي حرية الخروج والدخول إلّا بإذن من المحتلّ أم لا؟ وهل بلغت البطالة فيها أعلى معدّلاتها عالمياً، والفقر أرفع نسبه، ومثلهما الكثافة السكّانية، التي تعدّ الأعلى عالمياً أيضاً، أم لا؟ هل كانت غزّة كياناً وطنيّاً حرّاً أم كانت تحت الحصار والاحتلال؟ هل يحقّ لها (بالتالي) مقاومة مُحتلِّها ومُحاصِرها ومانع الحياة عنها أم لا؟ هل تُجيز لها كلّ قوانين العالم وشرائعه ومواثيقه القيام بفعل مقاوم وتحرّري أم لا؟

لا يستطيع أحد الإجابة بالسلب والنفي عن أسئلة كهذه، وإذا كان الفعل الأساسي مبرّراً قانوناً، أي فعل 7 أكتوبر (2023)، فإنّ " الردّ " الإسرائيلي عليه ليس مبرّراً قانوناً، وهو فاقد شرعيته وقانونيته، ولا يُعدّ في أيّ معيار قانوني أممي وأخلاقي عام وإنساني شامل ردّاً، بل هو فعل عدوانيّ يضاف إلى الواقع العدواني السابق، أي محاصرة أرض فلسطينية مأهولة ومكتظّة بساكنيها، المُخضَعين بالقوة لحصار خلف جدران العزل والرقابة الإلكترونية المتطوّرة، إلى حدّ أن مفكّرين يهوداً كباراً أمثال نعوم تشومسكي ونورمان فنكلشتين وجوديث بتلر يطلقون فرادى على غزّة صفة "أكبر سجن في العالم"، فهل ما يرونه هو سجن بالفعل أم خُيّل إليهم ذلك؟

يخوض الوحش نتنياهو بمساعدة وحوشه الصغار من أتباعه (سياسيين وعسكريين وطيّارين سايكوبائيين) حربه الإباديّة غير المنتهية تحت عناوين شتى يضيع هو بينها، مطلقاً كلّ يوم واحداً منها، فتارّةً هي "حرب" (ولا سمات حرب فيها، بل مجرّد إبادة من الجوّ بطائرات مُدمِّرة أو بمسيّرات قاتلة) للتخلّص من "حماس"، الطالعة بلا جدال من رحم معاناة الغزّيين، وليست دخيلةً عليهم أو مستوردةً. وتارّةً أخرى هي "حرب" لتحرير أسراه المحتجزين، وقد احتجزوا في الأصل يوم السابع من أكتوبر بهدف واضح ومُعلَن، هو مقايضتهم بآلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وهذا أيضاً فعل مقاوم مشروع وقانوني مائة في المائة، طالما أن عدالة الأرض كلّها لم تستطع إخراج المقاومين الفلسطينيين من السجون ومعتقلات التعذيب والقتل. فأين الخطأ القانوني والإنساني في احتجاز أشخاص أو عسكريين من مجتمع العدو لمقايضتهم بأسرى الشعب الفلسطيني ومعتقليه؟

تحوّل الكيان الصهيوني بوحشيته وجنونه الإجرامي عاراً على البشرية جمعاء

نحن أمام صفر مسؤولية من الجانب الفلسطيني، نظراً إلى واقع الاحتلال المزمن والمجازر المتتالية في حقّ الشعب الفلسطيني، إن في غزّة أو في الضفة الغربية، أو حتى داخل الأراضي المحتلة في 1948، في مقابل مسؤولية كاملة على الجانب الإسرائيلي، لا تصمد ثانيةً واحدة أمام حكم القانون والعدالة الدوليَّين، فها محكمة الجنايات الدولية تدين بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت وآخرين، وتصدر في حقّهم مذكّرات توقيف وجلب، وها محكمة العدل الدولية تطلق شكلاً من حكم الإدانة ويكاد يصدر بتهمة الإبادة الجماعية (كان عليها أن تفعل منذ زمن)، وها الأمم المتحدة وأمينها العام أنطونيو غوتيريس تدين "إسرائيل" ليل نهار، فيما الدولة المجرمة المارقة و"الاستثنائية" والخارجة عن قوانين الأرض ومواثيقها كلّها، وعن عدالة محاكمها، تُصرّ على التمادي في جرائمها التي تخض الرأي العام الدولي في جهات العالم الأربع، وتُرفَع في وجهها شعارات العار الإنساني، فالكيان الصهيوني تحوّل بوحشيته وجنونه الإجرامي عاراً على البشرية جمعاء، يفوق العار الذي جلبته فاشيّات القرن الماضي (العشرين) في أوروبا، بل الفاشيّات كلّها عبر التاريخ، فمن يوقف الوحش معروف الوجه (الوجوه) عن جرائمه المستمرّة يومياً والمفرطة في همجيتها؟ ومن عساه يملك القدرة على إيقافها؟ كيف ومتى؟

الجواب حتماً عند "السيّد الأميركي"، القادر وحده، بوصفه الراعي والحامي والمُدافِع والمُسلِّح والمُموِّل والمُبارِك، وبإشارة واحدة منه يتوقّف نهر الدم المتدفّق من أجساد أطفال غزّة. متى تصدر هذه الإشارة؟

Read Entire Article