"معرض بيروت للكتاب".. طبعة محلية تحاول استعادة إرثها

9 hours ago 1
ARTICLE AD BOX

افتُتحت الخميس الماضي، فعاليات الدورة السادسة والستين من معرض بيروت العربي الدولي للكتاب في مركز سي سايد أرينا على الواجهة البحرية للعاصمة اللبنانية، بتنظيم من النادي الثقافي العربي الذي يتولى هذا الدور منذ انطلاق المعرض عام 1956. وأكّدت رئيسة النادي، سلوى السنيورة بعاصيري، في كلمتها الافتتاحية، على دور الثقافة في ظل التحولات الأمنية والسياسية والاقتصادية، وهو ما استكمله أيضاً رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام، في كلمته، مذكّراً بالبيان الحكومي الذي أعار أهمية قصوى لتنمية البنى التربوية والثقافية.

تُشارك في المعرض، الذي يتواصل حتى الخامس والعشرين من شهر مايو/ أيار الجاري، 134 دار نشر، غالبيتها لبنانية، في حين تقتصر المشاركة العربية والدولية على دور عدّة، منها دار الشروق المصرية، ومعهد العالم العربي في باريس الذي أحيا مديره، الشاعر العراقي شوقي عبد الأمير، أمسية حاوره فيها محمود وهبة من "دار مرفأ"، عُقدت الجمعة الماضي، ووقّع فيها عبد الأمير كتابه "أحجار تفضح الصمت"، كما خصّص المعرض جناحاً واسعاً لوزارة الثقافة القطرية.

يشهد المعرض تحسينات لوجستية مقارنة بالدورة السابقة، إذ جرت توسعة المساحة المخصصة للأجنحة بعد استكمال أعمال الترميم في صالات "سي سايد أرينا" التي تضرّرت إثر انفجار مرفأ بيروت عام 2020، وقد أُضيفت قاعتان مخصّصتان للندوات والأمسيات؛ إحداهما لبرنامج النادي الثقافي العربي والثانية لدور النشر المشاركة، وكان من المقرّر إقامة هذه الدورة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، غير أن العدوان الإسرائيلي على لبنان حال دون ذلك.

دورة مؤجّلة بفعل الحرب وتُستكمل بثانية أواخر العام الجاري

التقت "العربي الجديد" بأمينة سرّ  النادي الثقافي العربي الروائية نيرمين الخنسا التي أفادت بأن "البرنامج الثقافي يضمّ أكثر من 60 فعالية يُشارك فيها 180 ضيفاً، تشمل ندوات فكرية وأدبية وورشات عمل وتوقيعات كتب وأمسيات شعرية، إلى جانب تخصيص مساحة تفاعلية للأطفال في الفترة الصباحية تتضمن جلسات قراءة وعروض دمى". أمّا عن دور النادي في توفير الكتاب بسعر مخفّض في ظل ما يشهده لبنان من أزمة اقتصادية، فأوضحت: "الأمر يتعلّق بإمكانيات وسياسة كل دار نشر على حدة، أكثر من ذلك، نحن لا نستطيع التدخّل في هذه المسألة". 

كما يتضمّن المعرض، وفقاً للخنسا، مساهمة تشكيلية واسعة تشمل ستّة معارض فنية، بينها معرض للغرافيك تنظمه الجامعة الأميركية في بيروت، وآخر عن تاريخ السينما في لبنان على مدى قرن، ومعرض عن طرابلس عاصمة للثقافة العربية، وآخر عن تاريخ معرض الكتاب منذ تأسيسه عام 1956، إضافة إلى معرض لرسّام الكاريكاتير معتزّ الصواف مخصّص لغزة، ومعرض حروفيات لـ كميل حوا.

وأوضح عضو اللجنة التنظيمية للمعرض الناشر والكاتب سليمان بختي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "عودة المعرض بعد انقطاع بفعل الحرب تطلّب الكثير من الجهد في ظل الظروف التي يعيشها لبنان، لكن بيروت تعرف كيف تنهض من خلال الكتاب، وقد اضطررنا لإقامة المعرض في هذا التوقيت لإفساح المجال للدورة المقبلة في نوفمبر/ تشرين الثاني، وبهذا نكون قد كسبنا دورتين خلال عام واحد، كما حرصت اللجنة على أن يكون البرنامج الثقافي غنياً ومتنوعاً، ومن أبرز ضيوف المعرض: الروائية اللبنانية علوية صبح، والروائية العُمانية جوخة الحارثي، والروائية اللبنانية حنين الصايغ".

من جهة أُخرى، لا يزال مشهد النشر في لبنان يعيش انقساماً تبلور عام 2023 مع تأسيس معرض لبنان الدولي للكتاب بتنظيم من نقابة الناشرين اللبنانيين، الأمر الذي يُمكن أن يُفسِّر غياب عدة دور عن المشاركة في هذه الدورة، مثل دار الرافدين التي علّل مديرُها الناشر محمد الهادي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، الغيابَ بأن الدار مشاركة الآن في معرض الدوحة الدولي للكتاب، كذلك، تغيب دُور هاشيت أنطوان ومكتبة لبنان والمكتبة الشرقية، وسط انتقادات حول ارتفاع كلفة الإيجارات واختلاف الرؤى حول تنظيم المعرض.

برنامج ثقافي يضمّ أكثر من 60 فعالية بمشاركة 180 ضيفاً

والتقت "العربي الجديد" بأستاذ كرسي الشيخ زايد للدراسات العربيّة والإسلاميّة في "الجامعة الأميركيّة" ببيروت، ومدير دار النشر التابعة للجامعة، بلال الأرفه لي، الذي لفت إلى أنّ "الدار تنظّم سلسلة ندوات وجلسات حواريّة تعكس اهتمامنا بالتلاقي بين الدراسة الأكاديمية والإنتاج الأدبي. هذه الندوات تندرج ضمن مجالات الرواية التاريخيّة، واللغة، والتصوّف، وتأويل الأحلام، والتاريخ، وغيرها. وحرصنا في هذه الفعاليات على دعوة ومشاركة نخبة من الكتّاب اللبنانيين والعرب إلى جانب أساتذة الجامعة، إذ يشارك معنا أساتذة بارزون من الجامعة الأميركية في بيروت، مثل الباحثة في التاريخ نادية الشيخ، والباحث في علوم اللغة العربية رمزي بعلبكي، إلى جانب روائيّين من العالم العربي، منهم العُمانية الحائزة على جائزة مان بوكر الدولية جوخة الحارثي، والمصرية الحائزة على جائزة الشيخ زايد في الكتاب، فئة الأدب، ريم بسيوني، وأضاف الأرفه لي: "أتولّى إدارة هذه الندوات بنفسي، كما أُشرك معي فيها مجموعة من طلّاب الدراسات العُليا. وهذه الخطوة تأتي لتدريب الطلبة على إدارة الحوارات الثقافية والفكرية، وتعزيز صلتهم المباشرة بالكُتّاب والمفكّرين، وانخراطهم العملي في قراءة الأعمال الأدبية ومناقشتها". 

وتحدّث مدير عام دار الشروق المصرية، أحمد بدير، إلى "العربي الجديد" عن أهمية المشاركة في المعرض، كون أصول الدار الشروق بيروتية وتعود إلى عام 1968، وأوضح: "أي ناشر تتاح له المشاركة في فعالية تنظّمها مؤسسة عريقة مثل 'النادي الثقافي العربي' سيكون حريصاً على الحضور، وهذا أعتبره واجباً وشرفاً لنا في بلد مثل لبنان تعتبر الثقافة فيه حجر زاوية، خاصة أنه يأتي هذا العام تحت رعاية شخصية مثقفة مثل رئيس الحكومة نواف سلام"، وتابع: "تتوزّع عناويننا على مجموعة حقول متنوعة معرفية وأدبية، وأبرزها مؤلفات عبد الوهاب المسيري ورضوى عاشور وإبراهيم عبد المجيد وعباس بيضون وحسن داود بالإضافة إلى كتب الأطفال".

ولدُور النشر الجديدة حصّةٌ في المعرض أيضاً، منها دار مرفأ التي يوضح لـ"العربي الجديد"، أحد مسؤولي النشر فيها محمود وهبة، أنّها "دار نشر جديدة وليست ناشئة، إذ تأسست في العام الماضي، لكن تجربتها مع المعارض واعدة رغم أنها تسير بجهود فردية، فالحضور في بيروت اليوم يستكمل مشاركات الدار في معارض الرباط ومسقط والدوحة، عبر وكيلنا دار النهضة العربية، وقد بدأت عناويننا تحجز مكاناً لها لدى القرّاء". وفي المقابل، يتساءل وهبة: "لماذا لا تتكفّل إدارات المعارض العربية أو الجهات الداعية بشراء نُسخ من الناشرين بالحدّ الأدنى، وبهذا تأخذ المشاركة طابعاً مدعوماً، إن صحّ التعبير، ما يوفّر على الناشر الكثير من أعباء السفر والحجوزات العالية"، ويُضيف: "مساهمتنا في المعرض لا تقتصر على البيع، بل تمتدّ إلى تنظيم أمسيات عدّة منها أمسية للمطربة جاهدة وهبة والشاعرة ماجدة داغر وأُخرى مع الشاعر العراقي شوقي عبد الأمير. على المستوى الشخصي، أنظر للنشر بصفته حرفةً ومهنةً تقوم على الاهتمام بجهود الآخرين، ونتمنى أن تسمح لنا الظروف في العالم العربي بالاستمرارية، وتصبح هذه المهنة مصدراً لتلبية العيش الكريم بقدر ما نُرضي شغفنا من خلالها". 

وختمت "العربي الجديد" جولتها في المعرض بلقاء مديرة النشر في دار الآداب، رنا إدريس، التي لفتت إلى أنّ "المعرض جزء من مقاومة بيروت الثقافية بوصفها عاصمة للكتاب. بعد عام تُكمل 'الآداب' عامها السبعين، لم نتخلّف طوال العقود الماضية عن تعزيز قيم الحرية والتنوير والتحرّر، ومن هنا يأتي ارتباطنا الوثيق بالقضية الفلسطينية. وفي الوقت عينه حرصنا خلال هذه الدورة على أن تراعي أسعارنا ظروف القرّاء، علينا ألّا ننسى أن هناك الكثير منهم لم يعد إلى بيته بعد جرّاء العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان".

Read Entire Article