ماذا غيّرت مكالمة الساعتَين بين ترامب وبوتين؟

2 hours ago 3
ARTICLE AD BOX

هل يمكن أن تنهي الحربَ مكالمةٌ هاتفيةٌ استمرّت ساعتَين بين الرئيسَين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، وهي حرب استمرّت أكثر من ثلاث سنوات؟ وهل يمكن أن ينجح ترامب بأسلوب دبلوماسية الهاتف الحميمة، والتواصل الشخصي المباشر، في ما فشل فيه غيره، خصوصاً أن المكالمة ليست الأولى من نوعها؟... كانت هذا الأسئلة محلّ بحث ونقاش بداية هذا الأسبوع، بعد المكالمة التي وصفها الرئيس الروسي بأنها "ذات معنى وصريحة ومفيدة للغاية". جاءت المكالمة في وقت وصلت فيه الأمور إلى درجةَ الفشل الدبلوماسي بعد انتهاء المحادثات الروسية الأوكرانية في إسطنبول من دون تحقيق أيّ اختراق، وبعد أيّام صعبة تعرّضت فيها العاصمة الأوكرانية لقصف كثيف بعشرات الطائرات المسيّرة. جاءت التفاصيل التي تسرّبت على انفتاح الرئيس الروسي على الحوار، وعلى مبدأ الحلّ السلمي للأزمة، بما يحفظ مصالح بلاده.

يرى صنّاع الرأي الأوروبيون أن الوقت ليس في صالحهم، وأن بإمكان الروس، بذريعة الحلّ الدبلوماسي والمفاوضات، أن يجعلوا الأمور تستمرّ في وضعها الحالي مدةً طويلةً

من خلال تصريحات تقبل معاني مختلفة، كان بوتين يرسل رسالةً مزدوجةً، فهو مع التفاوض من ناحية، وهو مع الحرب لتحقيق "السلام الدائم" من ناحية أخرى، أو كما صرّح لوسيلة إعلامية: "لدى روسيا الموارد الكافية من أجل الاستمرار حتى تحقيق أهداف العملية التي بدأت في 2022". يلعب الرئيس الأوكراني زيلينسكي أيضاً لعبةً مزدوجةً، فهو يطالب بالحوار البنّاء، لكنّه يدعو جميع القادة الذين يلتقي بهم للضغط على بوتين، مطالباً بتفعيل مزيد من العقوبات، وهو ما تعتبره روسيا ممارسةً للحرب بطريقة أخرى. وقد فعل زيلينسكي ذلك أخيراً، حين التقى عدة زعماء غربيين، في مقدمتهم نائب الرئيس الأميركي جي دي قانس، في روما، إبّان حضوره مناصب تنصيب بابا الفاتيكان الجديد. وهنا ملاحظة جديرة بالتوقّف عندها، ضعف دور الشخصية الدينية الأبرز في العالم الغربي في ما يتعلّق بهذا الصراع، إذ لا تنجح السطوة الروحية في نزع فتيل الأزمة، أو في فرض تفاوض أو إعلان وقف لإطلاق النار. وقد دعا البابا الجديد إلى السلام في كلمته من دون أن يميل بشكل واضح إلى أحد الأطراف، وإن لمس الأوروبيون في كلماته تعاطفاً مع أوكرانيا.
بالعودة إلى المكالمة، يمكن القول إنها كانت متابعةً من عدّة أطراف، فإلى جانب الروس والأوكرانيين، كان هناك الأميركيون من إدارة ترامب الذين يودّون أن يحقّق الرئيس (لم ينجح في مساعيه إلى إنهاء الحرب في غزّة كما وعد) اختراقاً في ما يتعلّق بالحرب الأوكرانية. وفي هذا، يقول ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس ترامب، إن الرئيس عازم على تحقيق نتائج، وإذا لم ينجح في هذا، فلا أحد سينجح.
في جانب آخر، اهتم الأوروبيون بهذه المكالمة، وإن تعاملوا معها بتشاؤم وتقليل. نضع في الاعتبار هنا أن أوروبيين كثيرين باتوا يشكّكون في نيات ترامب، ويعتبرون أنه يتشارك مع بوتين رؤيته للعالم، ويخشون، بشكل جادّ، أن يكون بصدد الانقلاب الكامل عليهم. هذا الانقلاب ليس مُستبعَداً بالنظر إلى تصريحات ترامب السابقة، التي اعتبر فيها أنه ليس من واجب الولايات المتحدة ضمان أمن القارة الأوروبية أو خوض الحرب بدلاً منها. الطريقة فائقة الاحترام، التي يتحدّث فيها ترامب عن الرئيس الروسي فيصفه بأنه "لطيف" وعن الدولة الروسية التي يبدو مؤمناً بأنه لن يستطيع الحصول على عالم أكثر أمناً من دون مساعدتها، تبدو أيضاً مقلقةً للأوروبيين.
لا يتوقف الأمر هنا، إذ بدأ ترامب إجراءاتٍ منها بدء تفكيك الفريق الذي كان يعمل على مكافحة التجسّس والهجمات السيبرانية الروسية. للرئيس ترامب ثأر مع هذا الفريق، الذي كان قد كشف، إبّان فوزه بالولاية الرئاسية الأولى، وجود أدلّة على تورّط روسي وتلاعب بنتائج التصويت. يجب التذكير مع ذلك بأن عامل النظر إلى روسيا دولةً محوريةً لا يجب الدخول معها في معارك وعداء بلا طائل ليس رأياً ينفرد به ترامب فقط، بل إنه رؤية يتشاركها معه سياسيون كثيرون، فيعتبر هؤلاء مثلاً أن الاتفاق النووي مع إيران في 2015 ما كان له أن يتم من دون التعاون والانخراط الإيجابي الروسي، في ذلك الوقت، جنباً إلى جنب مع المجموعة الغربية. في المقابل، وحينما دخل "العالم الحرّ" في عداء وحرب غير مباشرة مع روسيا، فإن الأخيرة لعبت دوراً مغايراً من خلال مساعدة إيران في الحصول على صواريخ باليستية وتقنيات دفاعية أخرى. تُقلِق الأوروبيين أيضاً الطريقة التي ينظر بها ترامب إلى الساحة الدولية، التي لا يرى فيها إلا مكاناً لعقد الصفقات وزيادة الأرباح. بوتين، الذي استوعب ذلك كلّه، عرض صفقات طاقة واستثمارات بمليارات الدولار على الجانب الأميركي. كان هذا يهدّد بجعل كفّة المصلحة الأميركية تميل لصالح الروس.

إن جلس الروس للتفاوض بسقوفٍ عالية من دون استعداد للتنازل، فقد تستمرّ المفاوضات عقوداً بلا جدوى

لهذه الاعتبارات المعقّدة كلّها، لا يبدو أن مسؤولي القارّة العجوز يعولون كثيراً على ما كان يمكن أن يخرج من هذه المكالمة، بما في ذلك ما رشح عن الموقف الروسي، الذي عُبِّر عنه رسمياً في عبارات من قبيل "الإيمان بأن الأمور يمكن أن تحلّ بالتفاوض". يعتبر السياسيون وصنّاع الرأي الأوروبيون الوقت ليس في صالح القارّة، وأن بإمكان الروس، بذريعة الحلّ الدبلوماسي والمفاوضات، أن يجعلوا الأمور تستمرّ في وضعها الحالي مدةً طويلةً.
المفاوضات اللانهائية مصطلح مفتاحي لفهم مخاوف الأوروبيين، فإذا كان هناك طرف يقبل بالجلوس للتفاوض لكن بسقوفٍ عالية ومن دون الاستعداد لتقديم تنازل، وهي حالة الطرف الروسي الذي تصل مطالبه إلى حدّ الرغبة في تنحية زيلينسكي وتفكيك الجيش الأوكراني ومنع أوكرانيا من الانضمام بشكل نهائي إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، فإن هذا يعني أن المفاوضات يمكن أن تستمرّ عقوداً من دون جدوى، ما لم يحقّق أحد الطرفين تغييراً في موازين القوى على الأرض.

Read Entire Article