"كوابيس الإبادة" بتحرير عبدالوهاب الأفندي... فهم دوافع العنف الجماعي

8 hours ago 1
ARTICLE AD BOX

ضمن سلسلة ترجمان، صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتابٌ بعنوان "كوابيس الإبادة: سرديات التوجس ومنطق الفظائع الجماعية" لمجموعة من الباحثين، بتحرير رئيس معهد الدوحة للدراسات العليا عبد الوهاب الأفندي وترجمته بالاشتراك مع بدر الدين حامد الهاشمي، ويقع في 448 صفحة.

يناقش الكتاب ظواهر العنف المكثّف والمتعاظم، ويقدّم مقاربة جديدة لفهم دوافع الأفراد "العاديين" للمشاركة في أعمال العنف المتطرف، محاجّاً بأن سرديات انعدام الأمن تؤدّي دوراً محوريّاً في جعل هذه الأفعال مبرّرة أو بطولية. ويجمع بين التفسير النظري ودراسات حالة من أربع قارات، ما يشكّل اختراقاً نوعيّاً في مجال دراسة العنف الجماعي.

وفي تقديمه للترجمة العربية للكتاب، يرى المحرر في ما يحدث في غزة اليوم تأكيداً لهذا الإطار التفسيري، فقد اكتسبت كوابيس الإبادة وسرديات الفزع بُعداً جديداً، عندما طرحت حكومة الاحتلال هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 من جانب حركة حماس باعتباره أكبر تهديد لوجود إسرائيل، وسوّغت بذلك الإبادة الجماعية الفعلية التي ترتكبها في غزة اليوم.

يجمع بين التفسير النظري ودراسات حالة من أربع قارات

ينطلق الكتاب من التجربة البحثية الطويلة للمحرر عبد الوهاب الأفندي، التي بدأت قبل أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، والتي تتناول ظواهر العنف الجامح، مع ربطها بمفاهيم الديمقراطية والإسلام السياسي. وقد تطوّر الأمر ليشمل بحوثاً أكاديمية في "جامعة ويستمنستر"، وسط تصاعد ربط الإسلام بالإرهاب، وانتهى إلى فرضية مركزية مفادها أن "سرديات التوجس والخوف" هي المحرك الأساسي لأعمال العنف المكثّف، سواء من الدول أو من الجماعات أو من الأفراد، حيث تقوم هذه السرديات على خلق خطر متخيّل أو تضخيم خطر حقيقي، غالباً بناء على الهوية، الأمر الذي يؤدّي إلى دائرة عنف ذاتية التعزيز.

وتتناول مساهمات المؤلفين المشاركين في هذا الكتاب تطبيقاً للنموذج التفسيري على حالات كثيرة، مثل: الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، والحروب في يوغوسلافيا، والنزاعات في السودان ونيجيريا والهند، وصعود الإسلاموفوبيا في الغرب. ويُظهِر الكتاب أنّ النخب الفكرية والسياسية والإعلامية تؤدي دوراً أساسيّاً في إنتاج هذه السرديات.

استند المؤلف إلى "نظرية الأمننة" من مدرسة كوبنهاغن، وأضاف مفهوم "الأمننة المفرطة" محركاً رئيساً للعنف المنفلت، مثل جرائم الحرب والإبادة، وأكّد أن هذه السرديات تُستخدم لتعطيل الانتقال الديمقراطي أيضاً، ليس في الدول العربية فحسب، بل في الديمقراطيات الغربية أيضاً، واختتم بفتح المجال لنقد الفرضية، داعياً الباحثين إلى اختبارها بمحاولة العثور على حالات عنف لا تفسرها سرديات التوجّس.

أخيراً، يمثّل الكتاب إضافة فكرية نوعية إلى المكتبة العربية؛ إذ إنه يقدّم منظوراً جديداً لفهم دوافع العنف الجماعي بعيداً من التفسيرات النمطية، مستنداً إلى سرديات الخوف والهويات المهددة باعتبارها أدواتٍ لتبرير الفظائع. تكمن أهميته للقارئ العربي في تفكيك الآليات التي تُستخدم لتبرير القمع وتعطيل التحول الديمقراطي، سواء من الأنظمة أو من الفاعلين غير الدولتيين. وهو يساهم في تعميق النقاش حول موقع الإسلام السياسي في السرديات العالمية المعاصرة، ويمنح الباحثين العرب أدوات تحليلية لفهم واقعهم وربطه بالسياق العالمي. إنّه عمل نقدي مهمّ في زمنٍ تتعاظم الحاجة فيه إلى فهم جذور العنف، لا الاكتفاء بتتبّع نتائجه فحسب.

عبد الوهاب الأفندي رئيس معهد الدوحة للدراسات العليا منذ عام 2020، وأستاذ في السياسة والعلاقات الدولية. شغل مناصب أكاديمية متعددة، منها عميد كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية، وأستاذ في جامعة ويستمنستر. زار عدداً من الجامعات العالمية باحثاً ومحاضراً، وله مؤلفات بارزة، منها: "ما بعد الثورات العربية: إعادة التفكير في نظرية الانتقال الديمقراطي" (2021)، بالاشتراك مع خليل العناني؛ و"المثقف الإسلامي والأمراض العربية: تأملات في المحنة المعاصرة" (2022).

Read Entire Article