ARTICLE AD BOX
أعلن زعيم "الحزب من أجل الحرية" الهولندي اليميني المتطرف خيرت فيلدرز، صباح أمس الثلاثاء، عن "نزع القفازات" بانسحابه من الائتلاف الحاكم، وذلك بعد نحو عام من الشراكة مع أحزاب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية والعقد الاجتماعي (أن أس سي بأفكار مسيحية ديمقراطية) وحركة المواطنين (المزارعين). وانضم فيلدرز إلى حكومة رئيس الوزراء المستقل، ورئيس الاستخبارات السابق، ديك شوف، بعد تحقيق حزبه فوزا كبيرا في خريف 2023، وإثر مفاوضات استمرت لأشهر. وسيناقش مجلس النواب الهولندي (البرلمان) اليوم الأربعاء الأوضاع المستجدة، وكيفية سد الفراغ الذي يشكله انسحاب حزب فيلدرز من الائتلاف الحاكم.
وكان فوز حزبه بـ37 مقعدا من 150 نائبا (أي حوالي 23%) وتحوله إلى الحزب الأكبر في البرلمان عززا مساعي فيلدرز نحو توسيع نفوذه وتأثيره في منظومة حكم هولندا، بعدما حمله طموحه إلى الانشقاق عن "الشعب من أجل الحرية والديمقراطية" في 2004 وتأسيس حزبه في 2006. ويعرف حزبه اليميني القومي المتشدد بخطاب شعبوي يسلط على الإسلام والمواطنين من أصول مهاجرة. ويمتلك الرجل علاقات وثيقة بدولة الاحتلال الإسرائيلي منذ شبابه (مواليد 1963)، وبصورة خاصة مع يمينها الصهيوني المتطرف، ويعارض تشدد خطاب بلده مع جرائم الاحتلال وحرب الإبادة في غزة، وتعهد دائما بمنع عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، ويُعرف منذ وقت مبكر بمعاداته للأصول المغربية والعربية عموما.
وخلال المفاوضات الشاقة لتأسيس الائتلاف الحاكم في 2023-2024، أصر فيلدرز على تمرير بعض مواقفه المتشدده. وبصورة رئيسية يطالب باستخدام الجيش لحراسة الحدود وإعادة جميع السوريين ووقف لمّ شمل العائلات، من بين أمور أخرى، تحت مسمى "سياسة حصن هولندا"، والتي عاد وقدمها في عشر نقاط قبل نحو أسبوع، كمطالب نهائية للائتلاف الحاكم.
الأغلبية تحمّل فيلدرز مسؤولية تفكك الائتلاف
وعارضت حكومة ديك شوف طلب فيلدرز "إغلاق الحدود بإحكام ووقف اللجوء بشكل كامل" على اعتبار أن ذلك يتعارض تماما مع التزامات هولندا الدولية والقانون الدولي (التي تعتبر هولندا نفسها ضامنة له باحتضان محكمتي العدل والجنائية الدوليتين) وحتى مع عضوية البلد في الاتحاد الأوروبي. وانتقدت زعيمة "الشعب من أجل الحرية والديمقراطية" الليبرالي ديلان يسيلغوز زيغيريوس قرار فيلدرز سحب حزبه من الائتلاف باعتباره يأتي "في وقت يستيقظ الناس في منازلهم على فواتيرهم، ونواجه حروبا في القارة"، ووصفت الانسحاب بأنه "إهانة لجميع الناخبين الذين يريدون حل المشكلات".
واعتبرت زيغيريوس أن إسقاط الحكومة يتعلق بـ"غرور سياسي" عند فيلدرز، واصفة إياه بـ"شخص لا يريد تحمّل المسؤولية". ويتماشى ذلك مع استطلاعات تحميل نحو 60% من الهولنديين حزب فيلدرز مسؤولية انهيار الحكومة بعد نحو سنة ونصف السنة على الانتخابات الأخيرة. ويرى 72% أن الحل يكمن في الذهاب إلى انتخابات وليس إعادة تشكيل ائتلاف حاكم. كذلك، ذهب رئيس الحكومة شوف بتحميل فيلدرز شلّ الحكومة ووصف القرار بأنه "غير ضروري وغير مسؤول". يُذكر أن ديك شوف غير حزبي ولم يُنتخب إلى البرلمان، واعتبر اختياره للمنصب حلا وسطا تكنوقراطيا بعد أزمة نتائج انتخابات 2023. وسيتعين على رجل المخابرات السابق (شوف) إيجاد بدائل لعدد من المناصب الوزارية بعدما أصبحت شاغرة، ولا يزال من غير المعروف كيفية شغلها، وفقًا لصحيفة "دي فولكسكانت" الهولندية.
من ناحية أخرى، يعتقد فيلدرز أن انسحابه من الحكومة، مع سيطرته على نحو ثلث المقاعد البرلمانية، من الممكن أن يفتح طريقا نحو سدة الحكم، إذا ما حقق المزيد من التقدم في الانتخابات القادمة، رغم أن استطلاعات الرأي تشير إلى تراجع شعبية حزبه من 37 مقعدا إلى نحو 28 مقعدا في البرلمان.
المزيد من الشعبوية للضغط على الأحزاب
وكانت سياسات الهجرة واللجوء سببا أيضا في انهيار حكومة الليبرالي مارك روته (الذي يحتل اليوم منصب أمين عام حلف شمال الأطلسي (ناتو)، بعدما فشلت أحزاب الائتلاف، (الشعب للحرية والديمقراطية والديمقراطيين 66 والمسيحي الديمقراطي والاتحاد الديمقراطي)، في التوصل إلى اتفاق بشأنها. وتعود قضية الهجرة اليوم لتساهم بخلخلة استقرار السياسة الهولندية، وسط محاولات شعبوية من فيلدرز لإقناع الناخبين بأنه بذل كل ما في وسعه لتحقيق ما وعدهم به بعد انتخابات 2023، وبأنه مضطر للقيام بخطوة إسقاط الحكومة لأنها "تخرج عن القيم الهولندية"، كما يردد دائما أنه مدافع شرس عنها بوجه "أسلمة هولندا".
ويبدو أن مراهنة فيلدرز على المزيد من الأصوات في الانتخابات القادمة ستضغط على الطبقة السياسية التقليدية نحو قراءة مختلفة لسياساتها. ولعل فيلدرز يلعب لعبة معسكر اليمين المتشدد في دول أخرى، مثل السويد والدنمارك. وفي الأخير، على سبيل المثال، ظل حزب الشعب الدنماركي (يمين متشدد) يصر منذ العام 2000 على تشدد بلده في سياسات الهجرة (بكل ما يتعلق بها ومن ضمنها قوانين الجنسية) إلى أن أصبحت الأحزاب الأخرى تتبنى بعض أطروحاته، بحجة سحب البساط من تحت قدميه. وأصبح الحزب الدنماركي اليوم متراجعا في الاستطلاعات إلى حد ملامسة عتبة الحسم (4%)، بعدما بدأ ناخبوه يصوتون لأحزاب في يمين الوسط تتبنى ما كان يبشر به خلال العقدين الأخيرين.
الأمر ذاته يمكن ملاحظته في ألمانيا التي يحقق فيها حزب البديل لأجل ألمانيا تقدما برلمانيا يضعه في المرتبة الثانية، ومتقدما على يسار الوسط الاجتماعي الديمقراطي، ليشكل ضغطا على الساحة السياسية حتى بات يمين الوسط، الاتحاد المسيحي الديمقراطي، يتبنى بعض تشدده في قضايا الهجرة واللجوء، وهو ما يشيعه المستشار المحافظ فريدريش ميرز بعد انتخابات فبراير/شباط الماضي. في كل الأحوال، مع أنه لا يمكن إنكار شعبية خيرت فيلدرز بين بعض الهولنديين، الذين يتفقون مع مواقفه المتشددة من سياسات الهجرة، إلا أن دفع بلده نحو تبني المزيد منها، وإن كان يعود بفائدة على شعبية حزبه في الداخل، قد يواجه مطبات كثيرة في العلاقة الهولندية بالاتحاد الأوروبي، كما يحدث على سبيل المثال في علاقات المعسكر مع حكومة رئيس وزراء المجر القومي المتشدد فيكتور أوربان، وغيره.
فخلال سنوات حكم الليبرالي مارك روته، رسخت هولندا موقعها على مستوى الاتحاد الأوروبي، وخصوصا في مفاوضات الشؤون الاقتصادية والميزانية للسنوات السبع القادمة. والاندفاع نحو مجاراة أحزاب لتطرف فيلدرز والانشغال باستعصاءات وطنية أكثر قد يفقد هولندا نفوذها الأوروبي الذي تأسس في السنوات الأخيرة.
