ARTICLE AD BOX
بقلم: فؤاد عثمان – صحفي وناشط في مجال الإبادة الجماعية
يستذكر العراقيون في السادس عشر من أيار/مايو من كل عام “اليوم الوطني للمقابر الجماعية”، في مناسبة مؤلمة تجسد واحدة من أكثر المحطات سوداوية في تاريخ العراق الحديث والمعاصر. هذا اليوم يسلط الضوء على حجم الفاجعة التي تعرض لها العراقيون على يد النظام الديكتاتوري السابق، وخاصة ضحايا عمليات الأنفال من الكورد الذين دفن العديد منهم أحياء في صحارى الجنوب، بعيدًا عن ذويهم وموطنهم.
جرائم لا تزال آثارها مدفونة
رغم مرور سنوات طويلة على سقوط النظام البائد، لا تزال عملية الكشف عن المقابر الجماعية تمضي بوتيرة بطيئة لا تعكس حجم المأساة. فحتى اليوم، ما تم العثور عليه من مقابر يعتبر قليلًا جدًا مقارنة بالعدد الهائل المتوقع، والذي تشير التقديرات إلى أنه يصل إلى آلاف المقابر. وتشير الجهات المختصة إلى أن النظام السابق تعمّد إخفاء الأدلة، حتى وصل الأمر إلى تصفية منفذي عمليات الدفن وسائقي الجرافات، في محاولة منه لطمس معالم الجريمة.
ومن أبرز المناطق التي ضمت هذه المقابر: صحراء السماوة، البادية، عرعر، ومناطق في الديوانية، حيث تم دفن الضحايا في أماكن نائية يصعب الوصول إليها أو كشفها بسهولة.
إحصائيات تكشف هول الفاجعة
وفقًا لوزارة شؤون الشهداء والمؤنفلين في إقليم كردستان، تم حتى الآن تحديد أكثر من 300 موقع لمقابر جماعية في عموم العراق، نحو 80% منها تعود لضحايا عمليات الأنفال. ومن هذه المقابر، تم فتح 57 موقعًا في 17 منطقة مختلفة، وتم استخراج 3659 رفاتًا وإعادتها إلى ذويهم. ومع استمرار أعمال التنقيب، يتوقع العثور على المزيد.
لكن بالمقارنة مع العدد التقديري لضحايا الأنفال الذي يبلغ حوالي 182 ألف شخص، فإن هذا الرقم ما زال ضئيلًا جدًا، ما يضع علامات استفهام كبيرة حول الجهود المبذولة.
مطالب بالإسراع وتدويل الملف
لا تزال عائلات آلاف المفقودين تجهل مصير أحبائها. ويدعو الناشطون والمنظمات المعنية إلى تسريع عمليات البحث والتنقيب عن المقابر الجماعية، مشددين على أهمية مشاركة منظمات دولية وممثلي المجتمع الدولي من أجل تدويل هذا الملف وضمان الاعتراف به كجريمة إبادة جماعية في المحافل العالمية.
في الوقت ذاته، يشير متابعون لهذا الملف إلى تقصير واضح من قبل الجهات المعنية، سواء على مستوى الحكومة الاتحادية أو إقليم كردستان، مؤكدين ضرورة مراجعة قانون حماية المقابر الجماعية رقم 5 لسنة 2006 المعدّل، والذي لا يمنح الإقليم الدور الكافي في هذه القضية. ومن الضروري أن يتم إشراك الجهات الكردية بفعالية في كل مراحل العمل، من البحث والتنقيب، مرورًا بالفحوصات المختبرية، وصولًا إلى إعادة دفن الضحايا في مراسيم تليق بكرامتهم ومكانتهم.
الدعوة ليوم خاص بمقابر الكورد الجماعية
اقترح عدد من النشطاء في مجال الإبادة الجماعية تحديد يوم خاص بمقابر الكورد الجماعية في إقليم كردستان، على غرار اليوم الوطني في العراق. ويرى البعض أن تاريخ فتح أول مقبرة جماعية للكورد في معمل قير قرب أربيل في أيلول/سبتمبر 1991، والتي تعود لضحايا منطقة باليسان، هو أنسب يوم لاعتماده في الإقليم، خاصة وأن هذه الخطوة ستسهم في ترسيخ الوعي الجماعي بهذه الجريمة وتخليد ذكرى الضحايا.
دعوة لحملة وطنية لجمع عينات DNA
من المؤسف أن غالبية رفات الضحايا لم تخضع حتى اليوم لفحوصات الحمض النووي (DNA)، وهو ما يعرقل عملية التعرف على الهويات ومطابقة الرفات مع ذويهم. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الماسة لإطلاق حملة وطنية شاملة لجمع عينات دم من عائلات الشهداء، لتمكين المختبرات من إجراء عمليات المطابقة والتعرف على الضحايا، وهو مطلب إنساني وأخلاقي لا يحتمل التأجيل.
المجازر لا تسقط بالتقادم
في هذا اليوم، نُحيي أرواح شهداء المقابر الجماعية وعمليات الأنفال بكل إجلال وإكرام، ونجدد العهد على أن نواصل العمل لكشف الحقيقة وتحقيق العدالة لهم. ستظل المقابر الجماعية وصمة عار في جبين من ارتكب هذه الجرائم البشعة، ومن لا يزال يحنّ إلى زمن القمع والقتل الجماعي.
رحم الله شهداء العراق من كل أطيافه وأعراقه، والرحمة والخلود لضحايا المجازر الذين دُفنوا غرباء في صحارى الموت.