فن المقاومة.. الغرافيك والشعر في معركة الحقيقة

8 hours ago 3
ARTICLE AD BOX

"فن المقاومة: رسومات احتجاجية وشعرٌ لفلسطين" كتاب ثنائيّ اللغة حرّرتْه الفنانة والناشطة الأميركية. س. أ. باكمان، وصدر بالإنكليزية والعربية في أميركا عن دار نشر Politicizing Pictures Press، وضمّ بين دفتيه قصائد لشعراء غزيين، ومن مناطق فلسطينية مختلفة، بعضهم استشهد في القصف الإسرائيلي مثل رفعت العرعير، فيما يعيش آخرون خارج فلسطين مثل سوزان أبو الهوى.

يحتوي الكتاب أيضاً قصائد لشعراء عرب وغربيين وعلى لوحات غرافيكية وملصقات من تصميم الفنانة باكمان تضع مقاومة الغزيين للاحتلال في سياق أكثر شمولاً، وهو سياق حركات التحرّر والمقاومة ضد الاحتلال الاستيطاني التي اعتمدت فن الملصقات وفن الغرافيك أسلوباً يميزها.

باكمان، محررة الكتاب، هي فنانة ملتزمة بالقضايا الاجتماعية، وناشطة توظّف الفن لخدمة الخطاب العام، وتدرّس كيف تتآمر الرأسمالية لتعريض النساء والمهمّشين للخطر. يستهدف نقدها الاجتماعي والسياسي مكر التمييز على أساس الجنس، وامتياز البيض القائم على إذكاء نزعة التفوق العرقي. وتركّز في عملها على تقاطع الفن مع العدالة الاجتماعية، وعلى العلاقة بين السلطة السياسية والسياسات العامة وقمع المجتمع. 

قصائد لشعراء غزيين وعرب وغربيين مع لوحات غرافيكية

ترجم نصوص الكتاب من الإنكليزية إلى العربية وبالعكس الشاعر الليبي خالد مطاوع وصالح أحمد وسلمى هارلاند وآخرون. تقول الفنانة باكمان في مقدمتها إن كتاب "فن المقاومة" يستكشفُ دورَ الفن الغرافيكي والشعر بوصفهما أداتين للمقاومة والنضال من أجل تحرير فلسطين، ويستلهم رؤيته من مديرَي مسرح الحرية، جوليانو مير خميس وأحمد طوباسي، اللذين تنبّآ بأن الانتفاضة الثالثة ستكون انتفاضة ثقافية وفنية تخوض صراعها من خلال المسرح والفن والموسيقى والرقص والشعر.

تستخدم الفنانة الملصقات والرسومات الغرافيكية منتبهة إلى السياق الذي يمكن توظيفها فيه، ذلك أن الملصقات تُستخدم عادة للتحشيد، ولنشر خبر مظاهرة قادمة، أو إضراب. تعيد هذه الأعمال، من خلال حضورها في الفضاء العام، السيطرة رمزياً على أماكن طالما هيمنت عليها الخطابات الرسمية، أو الإعلانات التجارية. وفي هذا السياق أشار عالم السياسة جيمس سي. سكوت إلى أن الجماعات المهمّشة تطوّر ما سمّاه "النصوص الخفية"؛ وهي أشكال من المقاومة ليست بالضرورة صدامية بشكل مباشر. وتُعدّ الجداريات والملصقات مثالاً جوهرياً على ذلك، إذ تمنح مساحة للنقد والارتباط خارج الأطر الرسمية. وتشكّل التعبيرات البصرية جزءاً أساسياً من كيفية إيصال الصوت والحضور. ورغم بساطتها الشكلية، فإن الغاية من هذه التدخلات الفنية عميقة. فهي مصمّمة، بحسب الفنانة، لتُقلق وتُلهم، لتُعلن الحضور وتطالب بالعدالة.

تشكل الملصقات عنصراً تكوينياً في ثقافة الاحتجاج، ويتجاوز دورها، بحسب الرؤية الفنية والسياسية لمحررة الكتاب، الجانب التزييني. ففي الشوارع، وعلى الجدران، وعبر منصات التواصل الاجتماعي، تؤدي دوراً عاجلاً كنداءات إلى الفعل، وأدوات للمقاومة، ولمسات عاطفية تعبّر عن مجتمعات تمرّ في صراع، أو ترزح تحت نير احتلال وحشي.

وفي أوقات الحروب والاضطرابات السياسية أو الغليان الاجتماعي، تظهر الملصقات بوصفها إشارات وسط الضجيج، مختصرة ولافتة، لا يمكن تجاهلها، تعلن عن المظاهرات، وتضخّم أصواتاً مهمّشة، وتحوّل المطالب، التي لا يصل صوت أصحابها إلى إعلام الدول، إلى صور وشعارات قوية، تدين جرائم الاحتلال وتفضح الصمت والتواطؤ.

تهدف إلى استعادة الحيّز العام لصالح أصوات الضحايا

لا تقتصر وظيفة الملصقات على تحريك الجماهير، بل تعمل أيضاً بوصفها نوعاً من يوميات عامة تؤرخ لما يجري بعين ترى الحقيقة المُغفلة. وفي الأماكن التي يكون فيها التعبير عن الرأي محفوفاً بالمخاطر، يصبح الملصق أكثر من مجرد ورقة، يتحول إلى فعل تحدٍّ، ومشهد سياسي معلّق على الحائط أمام أعين الجميع. وتلعب الملصقات دوراً محورياً في التأكيد البصري لوجود حركة الاحتجاج.

وكانت الفنانة باكمان تشارك في هذه التجمعات وتعلّق الملصقات في الأمكنة التي يتجمع فيها الناس إعلاناً عن الهوية التمردية. أما الرسومات الغرافيكية فتُعد أكثر أشكال التعبير السياسي عفوية وجرأة. فالرسومات والكلمات والرموز المرسومة، أو المدوّنة على الجدران العامة، تشكل احتجاجاً بصرياً مباشراً صريحاً ومولوداً من الإلحاح. تتحدث هذه الرسومات حين تُقمع الأصوات الأخرى، وتظهر حين تعجز وسائل التواصل التقليدية عن إيصال الرسالة. إن هدف الرسومات الغرافيكية، في سياق النشاط السياسي، متعدد الأبعاد، كما تراه محررة الكتاب. فهي يمكن أن تدين الاحتلال ووحشيته، وتعبّر عن الغضب، وتخلّد الضحايا، وتسخر من السلطة، أو تدعو إلى التحرك. وغالباً ما تشكّل صوتاً غير رسمي للناس خاصة الخاضعين للاحتلال وضحايا الإبادة الجماعية. وتحوّل الرسومات الغرافيكية المشهد المديني إلى مساحة مقاومة، مخترقةً رتابة الخطاب الرسمي، مستعيدة الحيّز العام لصالح أصوات الضحايا.

يشترك فن الملصقات والرسومات الغرافيكية في هدف واحد: استعادة الفضاء العام، وتحدي الروايات السائدة، ومنح الصوت للمستبعدين من المنصات الرسمية. يعملان أدوات مقاومة تنطق باسم من لا يُسمَع صوتهم، وتطالب بالعدالة. إلا أن الرسومات الغرافيكية غالباً ما تكون أكثر عفوية ومجازفة، تُنفّذ بطريقة غير قانونية وغالباً دون توقيع. إنها فنّ خام، عاجل، وشخصي. أما الملصقات فعادةً ما تكون مطبوعة ومنظّمة، توزّعها مجموعات ناشطة أو فنانون، بتصميم ورسائل مدروسة، وهذا يجعلها وسيلة فعالة للحشد والتوعية وتوحيد الناس حول قضية مشتركة.

بتوظيفه للملصقات والرسوم الغرافيكية، يهدف كتاب "فن المقاومة" إلى توسيع دائرة التضامن مع غزّة والقضية الفلسطينية خارج الحدود المحلية وتحويلها إلى قضية عامة. وتشير محررة الكتاب إلى أن هذا المجلد، الذي يجمع بين الفن البصري والشعر، لا يقتصر على توثيق النضال السياسي الدؤوب فحسب، بل يشكّل أيضاً دعوة ملحّة إلى العمل وتحدّي سلطة الدولة، وفضح التواطؤ الفردي والجماعي.


* شاعر ومترجم سوري مقيم في الولايات المتحدة

Read Entire Article