ARTICLE AD BOX
شهدت الأسواق المحلية في قطاع غزة موجة جديدة من الارتفاعات الجنونية في الأسعار، وذلك عقب التعثر الواضح لمشروع توزيع المساعدات التابع لـ"مؤسسة غزة الإنسانية" في يومه الأول، بمدينة رفح جنوب القطاع، حيث عجز المشروع عن تلبية حاجات السكان الذين يعانون الجوع الشديد.
وأُغلق المركز في اليوم الأول للتوزيع بعد تكدّس آلاف المواطنين الجائعين أمامه، ما أدى إلى حالات تدافع وفوضى، انتهت بإطلاق جيش الاحتلال، المتمركز قرب الموقع، النار على المواطنين، مما أسفر عن استشهاد وفقدان عدد منهم، وفق شهود عيان.
وبحسب مصادر ميدانية، اقتصر التوزيع، الذي جرى ظهر الثلاثاء، على 8000 طرد غذائي صغير فقط، ما ترك آلاف العائلات من دون أي مساعدة تذكر، في وقت تعاني فيه غزة أزمة غذاء غير مسبوقة بسبب الحصار المستمر ونفاد الإمدادات الأساسية من الأسواق.
ومنعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إدخال أي شاحنات مساعدات إلى قطاع غزة منذ الثاني من مارس/آذار الماضي، ما تسبب بارتفاع كبير في الأسعار بعد نفاد معظم السلع. وفي 19 مايو/أيار الجاري، استُؤنف إدخال المساعدات بشكل محدود جداً، بكميات لا تزيد عن 5% من الحاجة اليومية للمواطنين، بحسب تقديرات منظمات الإغاثة.
وفي هذا السياق، وصف المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، الوضع الإنساني في قطاع غزة بـ"المفجع"، وقال في بيان، مساء الثلاثاء، إن صور الحشود الفلسطينية التي تتدافع للحصول على المساعدات الغذائية في قطاع غزة "تدمي القلب". وأضاف أنه لا يوجد وقود متوفر حالياً في جنوب غزة، ولم يتم تسلّم سوى ثلث الإمدادات المطلوبة الأسبوع الماضي.
تكريس التجويع
المواطن عبد القادر قشطة، أحد سكان محافظة خان يونس، عبّر عن إحباطه الشديد من آلية توزيع المساعدات في رفح، قائلاً: "وصلت يوم الثلاثاء في الصباح الباكر إلى مقربة من مركز توزيع المساعدات غرب مدينة غزة، أملًا في تسلّم المساعدة، لكن التكدس كان لا يطاق... الناس يائسة وجائعة والتدافع كان كبيراً، وفي النهاية ما قدرت أوصل ولا حتى أشوف المساعدات، ورجعت بخفي حنين".
وأضاف قشطة في حديث لـ "العربي الجديد": "المشروع فشل تماماً قبل أن يبدأ، لم يلبِّ احتياجات المواطنين ولو بالحد الأدنى، ما حدث هو انعكاس واضح لسياسة التجويع المستمرة التي تطاول السكان في كل شبر من غزة، والطرد الصغير الذي جرى توزيعه يدل على أن إسرائيل تكرّس التجويع ولا تنهيه".
أما المواطن عائد صالح، من سكان مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، فقد اشتكى من بُعد موقع مركز التوزيع، قائلاً: "المركز موجود في رفح، وإحنا في غزة، كيف ممكن نوصل له؟ المواصلات غالية جداً، وإحنا حرفياً فقدنا كل شيء، الأسعار بتتضاعف كل يوم، وكميات المساعدات قليلة جداً مقارنة بحاجة الناس".
نفاد مخزون الطعام
وأوضح صالح في حديث لـ"العربي الجديد" أن عائلته تعاني نفاداً تاماً في مخزون الطعام منذ عدة أيام، مؤكداً أن أملهم الوحيد كان في تلك المساعدات التي لم تصل. ودعا إلى الضغط على الاحتلال الإسرائيلي لاستئناف إدخال المساعدات الإنسانية من دون قيود، محذراً من تفاقم الأزمة إذا استمر الحصار.
وأضاف: "كنا ننتظر المساعدات كأمل أخير، لكن عندما عرفنا أن الطرود لم يصل منها إلا عدد محدود، توجه الجميع للأسواق، والنتيجة كانت طبعاً ارتفاع فوري بالأسعار".
في حين، أكد تاجر المواد الغذائية في سوق الزاوية خالد حجازي، أن أسعار السلع شهدت قفزات مفاجئة عقب فشل مشروع توزيع المساعدات في رفح، موضحاً أن سعر كيس الطحين 25 كغم ارتفع من 60 شيكلاً إلى 80 شيكلاً، فيما قفز سعر كيلو السكر من 180 شيكلاً إلى 220 شيكلاً (الدولار = نحو 3.55 شواكل).
وقال حجازي في حديث لـ"العربي الجديد": "هذا الارتفاع يعود إلى الإحباط العام لدى المواطنين بعد فشل المشروع في تلبية حاجاتهم، بالإضافة إلى الطلب المتزايد بشكل هستيري على المواد الغذائية، من السكان الذين فقدوا الأمل في الحصول على مساعدات مجانية، وزادت حاجتهم للطعام في ظل تفشي المجاعة".
وتعكس هذه التطورات حجم الأزمة الإنسانية المتصاعدة في قطاع غزة في ظل الحصار المستمر وغياب الإمدادات الغذائية والتعثر المتكرر في جهود الإغاثة، وسط مطالب متزايدة من المواطنين والمنظمات المحلية بضرورة استئناف دخول المساعدات بشكل عاجل ومن دون قيود.
أثر سلبي للمشروع
بدوره، حذّر المختص في الشأن الاقتصادي عماد لبد، من تداعيات فشل مشروع توزيع المساعدات الغذائية في مدينة رفح، مؤكدا أن هذا الفشل لم يمر مرور الكرام، بل أدى إلى أزمة تسعير حادة في الأسواق، وزاد من الضغط على العائلات التي تعيش أصلاً على حافة الجوع.
وقال لبد في حديث لـ"العربي الجديد" إن المشروع الذي أقيم في مركز توزيع بمدينة رفح، جاء في وقت تشهد فيه غزة أزمة غذائية خانقة، إلا أنه اصطدم بواقع مرير تمثل في محدودية الكميات وسوء التخطيط وغياب العدالة في التوزيع.
وأوضح أن المشروع اقتصر على بضعة آلاف من الطرود الصغيرة، لم يكن نصيب كل عائلة فيها سوى طرد لا يكاد يكفي لثلاثة أيام، فيما عادت آلاف العائلات الأخرى من دون أن تتسلم شيئاً، وهو ما فاقم حالة الإحباط العام وزاد الطلب بشكل كبير على السلع النادرة في الأسواق.
وأشار لبد إلى أن هذا العدد الضئيل من الطرود "لا يلبي حتى جزءاً بسيطاً من الطلب المتزايد، خصوصاً في ظل وصول مناطق عديدة في غزة إلى حالة انعدام الأمن الغذائي الكامل، في وقت يعتمد 95% من سكان القطاع على المساعدات الإنسانية، مع تجاوز معدلات الفقر 90%، وتراجع القدرة الشرائية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، في تناقض صارخ مع الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية الشحيحة.
