ARTICLE AD BOX
يعيش قطاع غزة هذه الأيام على وقع تصعيد هو الأكبر منذ استئناف الاحتلال الإسرائيلي حربه في 18 مارس/آذار الماضي، حيث يسجل يومياً عدد شهداء يراوح ما بين 80 إلى 120، فضلاً عن مئات الإصابات. ويعمل جيش الاحتلال، المتوغل في عدة محاور، على تنفيذ عمليات نسف كبيرة تطاول مناطق، مثل حي الشجاعية وجنوب حي الزيتون وشرقي مدينة خانيونس وغربي بيت لاهيا شمالي القطاع. ويتحدث الاحتلال بصورة واضحة عن أن هذه العمليات تندرج في إطار ما يعرف بخطة "عربات جدعون" التي تستهدف وفقاً للإعلان الإسرائيلي حسم الحرب في غزة وتدمير قدرات حركة حماس وإسقاطها واستعادة الأسرى.
ويشهد القطاع استهدافات في مختلف المناطق، جنوباً ووسطاً وشمالاً، بالرغم من المطالبات الإسرائيلية المتكررة بالإخلاء جنوباً، في إطار سعيه لتهجير أهالي قطاع غزة من جديد وتنفيذ ما يعرف بخطة التهجير. ويتزامن التصعيد الميداني في إطار تطبيق خطة "عربات جدعون" مع حديث واضح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن عدم وقف الحرب نهائياً، والرغبة في عقد اتفاق مؤقت يستأنف بعدها الحرب في غزة، وهو ما ترفضه حركة حماس بشكل قاطع. ووضع نتنياهو، في خطابه أول من أمس الأربعاء، مجموعة من الشروط التي وصفت فلسطينياً بالتعجيزية، خصوصاً أنه حدد مطالب نزع السلاح والاحتفاظ بالسيطرة الأمنية على غزة واستبدال حكم حركة حماس ونفي قادتها والمقاتلين، ثم تنفيذ ما يعرف بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتهجير غزة وتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط". وجاء خطاب نتنياهو ليعلن بوضوح تعثر جولة المفاوضات الأخيرة، وعدم إمكانية الوصول إلى صفقة في الوقت الراهن، في ظل هذه الشروط التي لن تحظى بقبول حركة حماس والفصائل الفلسطينية، في ظل تمسكها بضمانات فعلية لوقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي من القطاع.
سليمان بشارات: نتنياهو عبر عن حالة من التناقض بين الأهداف التي يتحدث عنها وبين قدرته على تنفيذها
محمود مرداوي: نتنياهو ماضٍ بخطة التهجير
ويتحدث القيادي في حركة حماس محمود مرداوي، في تصريح عممه على الصحافيين، قائلاً إن "الإرهابي نتنياهو يؤكد أنه ماضٍ في تنفيذ خطة التهجير القسري تحت غطاء الحرب، ويعلن صراحة أن أي تهدئة مؤقتة ستُتبع بمجزرة جديدة". ويقول: "واشنطن مطالبة بتوضيح موقفها من هذه الجريمة، وهي تتوسط باسم "السلام". كفى صمتاً على الإبادة والتهجير، إذ إن نتنياهو لا يسعى لسلام ولا تبادل أسرى، بل يواصل حرب إبادة لتحقيق "خطة ترامب" للتهجير القسري". ويعاني قطاع غزة حالياً من تجويع شديد جراء الحصار الإسرائيلي المشدد المفروض عليه منذ الثاني من مارس/آذار الماضي، وعدم السماح بإدخال المساعدات، باستثناء عدد محدود من الشاحنات سمح له بالوصول خلال اليومين الماضيين بعد مطالبات أميركية.
في الأثناء، يقول الباحث والمختص في الشأن الإسرائيلي، سليمان بشارات، إن خطاب نتنياهو بمثابة رسالة للعالم بأنه صاحب الرؤية والطرح، وأنه من يفرضها، سواء كان الأمر واقعياً أو غير واقعي وحمل الخطاب نمطاً استعراضياً. ويضيف بشارات، لـ"العربي الجديد"، أن النقطة الأبرز التي قدمها نتنياهو أنه لا سقف زمنياً لها، وأنها مستمرة دون أي رؤية لنهايتها، فضلاً عن تتويجها برؤية ترامب بتهجير أهالي القطاع.وبحسب بشارات، فإن نتنياهو حدد سقف تنفيذ هذه الرؤية بإعادة احتلال القطاع، ونقل السكان إلى الخارج مع السماح لبعض من يريد للبقاء تحت الحكم الإسرائيلي. ويشير إلى أن نتنياهو عبّر عن حالة من التناقض بين الأهداف التي يتحدث عنها، وقدرته على تنفيذها، فبدرجة أساسية هناك ملف الأسرى الإسرائيليين الذين لم يتمكن من استعادتهم، وهو أمر يتعارض بين العملية العسكرية الحالية وهدف استعادتهم.
ما يجري جزء من عمليات "عربات جدعون"
ويعتبر بشارات أن ما يجري جزء من عمليات "عربات جدعون"، حيث إن ما يحصل حلقة في سلسلة من الخطة التي تقوم على تنفيذها بدرجة وأسلوب متدحرج، أملاً في تحقيق الأهداف التي تريدها الحكومة برئاسة نتنياهو. وتحتفظ المقاومة الفلسطينية في غزة بـ 58 أسيراً إسرائيلياً بعد تسليم الجندي الإسرائيلي من أصول أميركية عيدان ألكسندر، في إطار تفاهمات جرت بين حركة حماس والولايات المتحدة خلال الفترة الماضية.
إياد القرا: الاحتلال يركز على إخلاء المناطق القريبة من مناطق تواجده
إلى ذلك، يقول الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا إن التصعيد مستمر على المستوى ذاته، وهو ما تريده إسرائيل خلال الفترة الحالية، عبر استهدافات مركزة ومتتالية وعمليات نزوح، خصوصاً في المناطق الحدودية للقطاع. ويؤكد القرا، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن عمليات النزوح التي تجري يركز فيها الاحتلال على إخلاء المناطق القريبة من مناطق وجوده مثل شرق خانيونس والشجاعية والتفاح، وهي أداة يستخدمها للضغط على المقاومة، وهي إحدى المراحل من خطة "عربات جدعون" التي أعلن الاحتلال انطلاقها الأحد الماضي. ويعرب عن اعتقاده أن ما يقرأ في خطاب نتنياهو هو عدم التحرك ميدانياً بشكل واسع لعدم خسارة جنود في الميدان وممارسة سياسة الأرض المحروقة، بحيث لا يبقي شيئاً بالرغم من أن هذه المناطق مدمرة.
ويشير القرا إلى أن نتنياهو يريد من وراء هذا الأسلوب إطالة أمد الحرب لفترة طويلة، بحيث لا يذهب نحو خطوة كبيرة قد تجرّ ردود فعل داخلية أو خارجية، خصوصاً أنه ليس لديه دعم دولي كبير خلال الفترة الحالية. ويلفت إلى أن نتنياهو رفع السقف كثيراً عبر شروطه، المتمثلة بتسليم الأسرى وتسليم السلاح ونفي قيادات حماس والمقاتلين ثم التهجير، وهو ما يطرح تساؤلاً عن توجهات نتنياهو، إذ إنه لو أراد التهجير، فهذا يعني أن حركة حماس لن تستجيب للشروط الأخرى. ويبين القرا أن "حماس" سبق أن أعلنت موافقتها على تسليم حكم غزة وحتى السلاح، وهي طرحت هدنة طويلة الأمد لا تقل عن 3 سنوات، وبالتالي فإن الشروط التي وضعها تصعّب المشهد التفاوضي، وتجعل المقاومة تتمسك بشرط إنهاء الحرب.
