ARTICLE AD BOX
يتجه كثيرون في قطاع غزة إلى نظام المقايضة بسبب النقص الشديد في المواد الغذائية الأساسية، حيث تُعرض السلع المتوفرة لديهم، وتطلَب أصناف أخرى بدلاً عنها، تلبي الاحتياج في ظل المجاعة والنقص الذي يجتاح القطاع المفروض عليه حصار مشدد وقاس منذ أكثر من شهرين.
وتسبب الحصار الإسرائيلي ومنع دخول مختلف المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية والإمدادات الأساسية في نقص حاد أدى إلى مجاعة حقيقية، جراء نفاد المواد الأساسية، أو ارتفاع أسعار الكميات الشحيحة المتوفرة إلى نسب غير مسبوقة. وفي ظل الحصار المشدد والنقص الحاد في المواد الغذائية الأساسية، لجأ عدد متزايد من الفلسطينيين إلى نظام المقايضة وسيلة للبقاء، بعد أن فقدت النقود قيمتها الفعلية في سوق يعاني من شلل شبه كامل.
ضرورة فرضتها المجاعة
أُعيد إحياء هذا النظام القديم لضرورة قاسية فرضتها المجاعة وتوقف سلاسل الإمداد، سواء في الأسواق الشعبية أو عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث بات من المألوف رؤية منشورات من نوع: "أعرض ثلاجة مقابل كيس طحين"، أو "أعرض كيس طحين أو سكر بسعره الطبيعي مقابل توفير سيولة بدون عمولة"، أو "أحتاج حليب أطفال، أستبدله بملابس جديدة".
وأدى حصار الاحتلال الإسرائيلي وإغلاق المعابر منذ أكثر من شهرين إلى ارتفاع جنوني لأسعار السلع الغذائية والأساسية لأكثر من 500%، حسب رئيس غرفة تجارة وصناعة مدينة غزة، عائد أبو رمضان. وتسبب إغلاق المعابر في نفاد مختلف السلع الأساسية والغذائية وخلوها بشكل تام من الأسواق، فيما ارتفعت أسعار السلع المتبقية، التي أوشكت على النفاد هي الأخرى، إلى نحو 527%.
ووفق تقارير أممية، بلغت مستويات الفقر في القطاع أكثر من 90%، ومعدلات البطالة وصلت إلى أكثر من 85%، وسط غياب كامل لأي مصادر دخل أخرى للفلسطينيين في غزة يضمن توفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة، وهو أمر ينذر بكارثة إنسانية واجتماعية طويلة الأمد.
التحول في بنية الاقتصاد
ويلخص التحول العميق في بنية الاقتصاد المحلي الذي بات يعتمد على التبادل السلعي بدلاً من النقدي مشهد الواقع الاقتصادي المتردي، في ظل النقص الحاد في السلع الأساسية، وغلاء أسعارها، بالتزامن مع النقص الشديد في السيولة جراء منع دخولها وإغلاق البنوك. يقول ياسر زيادة، وهو أب لخمسة أطفال من حي الشجاعية "مع انعدام فرص الشراء، لم أعد أبحث عن المال، بل عمن يملك ما أحتاجه، لدي بقوليات عرضت استبدالها بخبز يكفينا لأيام".
ويوضح زيادة لـ "العربي الجديد" أنه اضطر لمقايضة سلعته بسلعة أخرى أكثر إلحاحاً في ظل النقص الشديد في البضائع والمواد الأساسية، في الوقت الذي لا يمكنه شراء الطحين بسعر مرتفع نتيجة عدم امتلاكه السيولة الكافية. ولم تكن قصة زيادة استثناء، بل جزء من ظاهرة متسعة تؤشر إلى انهيار شبه تام في مفهوم السوق الحديث، حيث لم يعد الناس في قطاع غزة يمتلكون المال بعد استنزاف طول أمد الحرب لمدخراتهم، فيما جاء الارتفاع الجنوني في الأسعار على ما تبقى منها.
وتقول الفلسطينية أم محمد شنينو، وهي أم لثلاثة أطفال ونازحة من حي الزيتون شرقي مدينة غزة، إنها استبدلت كيلو سكر بنصف كيلو عدس وبعض الخضار والبقوليات التي تمكنها من إعداد الطعام لأسرتها. وتوضح شنينو لـ "العربي الجديد" أنها كانت تمتلك كيلوغرامين سكر من كوبون قديم استلمته خلال شهر رمضان، وقد فضلت استبدال كيلو بوجبة طعام في ظل نفاد مختلف أصناف لديها، وعدم تمكنها من الشراء في ظل حالة الغلاء الشديد.
وتقول الأم الفلسطينية: "نشرت على مجموعة نسائية حاجتي لاستبدال السكر بالطعام، وبعد ساعة، تواصلت معي صديقة، وقمنا بمقايضة السلع (..) أنا لا أمتلك النفود إلا أنني لا أستطيع رؤية أولادي ينامون جائعىن، المقايضة لم تكن خياراً، بل ضرورة".
غسالة مقابل الطحين
عرض الفلسطيني خالد السمري، وهو عامل بناء عاطل من العمل، غسالة مقابل طحين بعد نفاد آخر كيلو دقيق من عنده، وقد شجعه على ذلك عدم وجود تيار كهربائي يمكنه من تشغيلها. وعلى الرغم من الخسارة التي ستلحق به نتيجة مقايضة غسالته مرتفعة الثمن بطحين كان يباع بسعر زهيد، إلا أنه يرى أن الواقع الحالي تزيد فيه أهمية الدقيق المفقود عن أي شيء آخر، خاصة بعد وصول الكيس الوحد (25 كيلوغراماً) إلى ما يزيد عن 1500 شيكل إسرائيلي. (الدولار = 3.6 شواكل).
ويكشف هذا الاتجاه عن أكثر من مجرد آلية للتغلب على الفقر، إنه تعبير صريح عن انهيار الدورة الاقتصادية في قطاع بات فيه الحصول على كيس طحين أو علبة حليب أهم من أي سلعة إلكترونية أو قطعة أثاث، إذ تراجعت الأولويات إلى أساسيات البقاء وهي الغذاء، والماء، والدواء. ويرى مختصون أنّ التحول إلى المقايضة يعكس قدرة المجتمع الغزي على التكيف مع المستحيل، بينما يعتبره آخرون دلالة على انهيار إنساني كامل يتطلب تدخلاً دولياً عاجلاً، لا سيما مع التقارير المتزايدة عن حالات سوء تغذية حاد وارتفاع معدل الوفيات بين الأطفال.
