ARTICLE AD BOX
خلّفت زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى مصر، يوم الاثنين الماضي، أجواء إيجابية بشأن عودة العلاقات المصرية الإيرانية إلى طبيعتها ورسائل متعددة لعدد من الأطراف الإقليمية والدولية. وترافقت الزيارة مع أجواء احتفالية بمناطق شعبية وسط القاهرة، تشبه بدرجة ما تلك التي تم ترتيبها للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته القاهرة الشهر الماضي. وأجريت جولة للوزير الإيراني في منطقة الحسين ومسجدها، وعشاء بمطعم ومقهى نجيب محفوظ بمنطقة الموسكي الواقع على مسار "آثار آل بيت النبوة" السياحي، وسط ثلاثة من وزراء الخارجية المصريين السابقين الذين اختيروا بعناية، عمرو موسى لتمتعه بعلاقات جيدة مع السعودية، والسفير نبيل فهمي أحد أكثر السفراء المصريين الذين خدموا في واشنطن مطلع القرن الحالي، إضافة إلى محمد العرابي.
مستقبل العلاقات المصرية الإيرانية
كل هذا دفع بالعديد من التكهنات بشأن إمكانية استعادة مستقبل العلاقات المصرية الإيرانية والوصول بها إلى مستوى التطبيع وتبادل السفراء. وقال سياسي مصري رفيع المستوى مطلع على الاتصالات بين مصر وإيران، طلب عدم كشف اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن هناك جدية حقيقية لدى مصر قبل إيران في استعادة العلاقات الكاملة، بعودة السفير المصري إلى طهران، وقبول سفير إيراني في القاهرة، مستدركاً بالإشارة إلى "وجود ضغوط تمارسها الولايات المتحدة على النظام المصري لعرقلة تلك الخطوة الكبيرة للغاية". وأضاف: "أحياناً توضع معوقات غير معلنة، على سبيل المثال يتم التهديد بأنه إذا استمرت مصر في تطبيع العلاقات مع إيران، ستوقف صفقة أسلحة ما، أو ستتم عرقلة إجراءات قرض معين"، منوهاً إلى حاجة مصر إلى تلك المساعدات والقروض في ظل الأزمة التي تعيشها منذ سنوات.
سياسي مصري: هناك جدية حقيقية لدى مصر قبل إيران، في استعادة العلاقات الكاملة
حديث السياسي المصري، يأتي في اتجاه يفسر التصريح الغامض لعراقجي خلال المؤتمر الصحافي مع نظيره المصري بدر عبد العاطي يوم الاثنين الماضي، والذي أكد خلاله أن مسار العلاقات المصرية الإيرانية "بات مفتوحاً وأكثر وضوحاً من أي وقت مضى"، قبل أن يشير إلى "وجود بعض العراقيل" التي قال إنها "ستُزال خلال الأسابيع القليلة المقبلة".
بالعودة للسياسي المصري الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، فإنه رأى أن "القيادة المصرية الحالية تدرك أن عودة العلاقات الكاملة مع إيران في المرحلة الحالية أمر ضروري، ما يدفعها للبحث عن حلول جدية تتجاوز بها العراقيل الموضوعة أمامها". وتابع: "ربما وجدت القاهرة في الرغبة الإيرانية الحقيقية لاستعادة العلاقات مع مصر، واستعداد طهران لمنح القاهرة امتيازات مقابل تلك الخطوة، فرصة لتقديم نفسها للإدارة الأميركية وسيطاً فعّالاً في أزمة الملف النووي الإيراني، في وقت يبحث فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن إنجاز سريع يحققه على الصعيد الدولي الإقليمي، بعدما فشل في إيقاف الحرب في قطاع غزة، وكذلك الحرب الروسية الأوكرانية حتى الآن". وأضاف: "تحاول القاهرة من هذا المنطلق تمرير عودة علاقتها بطهران من دون تجاوز الخط الأحمر الأميركي في هذا الشأن وكذلك ضمان تجنب ردود الأفعال الخليجية الحادة وتحديداً السعودية والإماراتية".
لا عراقيل أمام التقارب
من جهته، قال دبلوماسي مصري حالي، طالباً عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد": "عملياً لم تعد هناك عقبات أو عراقيل تخص مصر بالتقارب مع إيران، سواء تلك المتعلقة بالمخاوف العقائدية المرتبطة بالمد الشيعي، أو الأمنية المرتبطة بدعم طهران لأطراف مناوئة للدولة المصرية مثل جماعة الإخوان"، مؤكداً أن "الدولة المصرية تجاوزت تلك المخاوف ولديها قناعة بجدية التعهدات الإيرانية بشأنها على عكس فترات سابقة، وهو ما يعني أنه بمجرد تجاوز الخطوط الحمراء من جانب الأطراف الإقليمية والدولية الأخرى فإن استعادة العلاقات ستكون أمراً حتمياً".
في هذا السياق، يدير شيخ الجامع الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيب، لجنة علمية برئاسة مستشاره السابق حسن الشافعي تدعو إلى التقارب المصري الإيراني، ضمن حملة موسعة بعنوان "الحوار الإسلامي ـ الإسلامي" بهدف إزالة كل الرواسب الدينية التي تطلقها جماعات سلفية أو مستحدثة تستهدف تكفير الشيعة، وإقصاء الوجود الإيراني في العالم العربي. تسعى اللجنة العلمية إلى إعلاء المرجعية الإسلامية فوق المذاهب الفقهية، ووحدة المسلمين، للحد من الاحتراب بين الدول العربية والإسلامية، وتوحيد المواقف في مواجهة الخصوم الذين يعتدون على الأراضي العربية والإسلامية. تلقى أعمال اللجنة دعماً سياسياً من مؤسسة الرئاسة، وعلى غير العادة من المؤسسات الأمنية التي تدير ملف العلاقات السياسية مع إيران، منذ عقود، بما جعل الأزهر يخرج إلى الدعوة للتقارب علناً مع إيران. بدورها بدأت الأجهزة الأمنية التخفيف من حدة المخاوف التي تبديها في مواجهة الوجود الإيراني في مصر، مشترطة أن تعلن طهران عن إزالة اسم خالد الإسلامبولي، قاتل الرئيس الراحل أنور السادات، من ناصية الشارع الرئيسي الموجود في العاصمة الإيرانية.
دبلوماسي: خلال نحو عام ونصف تنامى التعاون المصري الإيراني لمستويات غير مسبوقة
يظل الجزء غير المعلن في العلاقات بين مصر وإيران، "أكبر بكثير من الجزء الظاهر"، وفق الدبلوماسي المصري الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، كاشفاً أنه "خلال نحو عام ونصف العام تنامى التعاون المصري الإيراني لمستويات غير مسبوقة، خصوصاً على صعيد التنسيق الأمني والاستخباري وتعددت اللقاءات ذات الطابع الأمني"، مضيفاً "ما حدث من تقدم كبير لقوات الجيش السوداني أمام قوات الدعم السريع كان نتاج تنسيق بين القاهرة وطهران". كما كشف أن "القاهرة بعثت برسائل واضحة لأطراف في الإقليم بأنها ضد أي عمل عسكري يستهدف إيران خلال الفترة المقبلة"، موضحاً أن "الرسائل المصرية تأتي مدفوعة بمخاوف من تغير موازين القوى في الإقليم لصالح إسرائيل في حال حدوث مثل هذا العمل، وكذلك رفع مستوى التوتر والتصعيد في المنطقة إلى مستويات لن يكون باستطاعة أي طرف السيطرة على تداعياتها"، مشدداً على أنه "ليس من مصلحة مصر بأي شكل من الأشكال توجيه ضربة لإيران في هذا التوقيت".
من جهتها، قالت مصادر باتحاد الغرف السياحية في مصر، لـ"العربي الجديد"، إن هناك ترحيباً واسعاً بعودة العلاقات السياسية الكاملة مع إيران، مؤكدة وجود إشارة من قيادات الاتحاد للأجهزة الأمنية إلى أن عودة العلاقات الطبيعية بين البلدين يمكنها جلب حركة سياحية، في حدود 5 ملايين سائح سنوياً، يرغبون في زيارة مسار "آل البيت" الذي يمتد من منطقة مسجد الجامع الأزهر إلى شوارع ومساجد "الحسين" و"السيدة زينب" و"السيدة نفيسة" وعدة مزارات منتشرة وسط القاهرة الفاطمية.