ARTICLE AD BOX
بالتزامن مع حلول عيد الأضحى، تتوجه عشرات العائلات التونسية إلى أبواب السجون في مختلف المحافظات لزيارة أبنائها من المعتقلين السياسيين. خمس دقائق فقط، هي كل ما يُمنح لهم لمعايدة السجين وتقديم "قفة العيد" التي أُعدّت مسبقاً بعناية، لكنّ هذه اللحظات القصيرة تسبقها ساعات من الانتظار تحت شمس حارقة، وطوابير طويلة تمتد أمام السجون التي بات كثير منها بعيداً عن العاصمة، بعد أن تقرّر نقل عدد من السجناء السياسيين إلى مراكز احتجاز متفرقة في شمال ووسط البلاد. ورغم المشقة، لم تثنِ المسافات ولا ظروف الزيارة القاسية العائلات عن إحياء طقس العيد على طريقتها، بالتنسيق المسبق لتبادل المعلومات حول الإجراءات، وقوائم الطعام المسموح به، وتفاصيل الطريق.
تقول عضو تنسيقية عائلات المعتقلين السياسيين منية براهم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن العيد بالنسبة لهم بلا نكهة، فهذا العام الثالث على التوالي الذي يقضيه زوجها، القيادي السابق في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي، في سجن المرناقية. ورغم أنه كثيراً ما يوصيها بعدم القدوم يومَي العيد تجنّباً للاكتظاظ والزحمة وطول الانتظار، إلّا أنها تفضّل زيارته للاطمئنان عليه، خاصّة في مناسبة مهمة كعيد الأضحى، ورغم أن الزيارة لا تدوم سوى خمس دقائق على حدّ تعبيرها، إلّا أنها تعتبرها مهمة، إذ تعطيه شحنة معنوية لبقية الأيام.
وبحسب براهم، فإنّ نفس الطوابير تتكرّر كل عام، دون اتخاذ إدارة السجن لأي إجراءات استباقية لتوفير ظروف إنسانية لائقة للعائلات عموماً، خاصّة وأن هناك شيوخاً ومسنات وأطفالاً قد يعييهم الانتظار، فتكثر المشاحنات وتتشنج الأعصاب. وبينت أنه كان بالإمكان تخصيص بوابات إضافية أو مقاعد أو حتى واقيات من الشمس، الأمر الذي يجعل الزيارة خلال العيد قاسية جداً ومنهكة للعائلات وحتى للأعوان العاملين، وبيّنت أنها تعتبر تلك الدقائق التي يجري فيها المناداة على اسم زوجها ثمينة ومهمة، فهي لحظات للاطمئنان عليه، ورفع المعنويات، والتذكير ببعض المستلزمات، خاصة للتوصيات والانتباه على الصحة.
وأكدت أن عملية إبعاد السجناء السياسيين لم تفرق عائلات المساجين، لأنّ ما يجمعهم روابط كثيرة توطدت بحكم المأساة والمحنة والمعاناة. ورغم أن كل عائلة توجهت في عيد الأضحى إلى سجن مختلف عن الآخر، فعائلة الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي توجهت إلى سجن برج الرومي ببنزرت، وعائلة الأمين العام السابق غازي الشواشي توجهت إلى سجن الناظور ببنزرت، أما عضو جبهة الخلاص الوطني رضا بالحاج فهو في سجن سليانة، وجوهر بن مبارك في نابل، وكان على العائلات زيارتهما، إلّا أنهم ظلوا في اتصال مستمر سواءً بالهاتف أو من خلال اللقاءات، لأنهم وحدهم يدركون حقيقة ما يمرون به، خاصة الزيارة خلال يوم العيد.
وفي سردها لهذه التفاصيل، قالت براهم إنها هاتفت زوجة القيادي في حركة النهضة، زينب المرايحي، التي أوصتها بإيقاظها باكراً لإعداد طعام قفة العيد لزوجها، وإلّا فإن الوقت سيداهمها، لأن عليها الانتقال إلى محافظة بنزرت شمالاً، وكذلك زوجة الناشط السياسي خيام التركي، لإخبارها أن الطوابير بدأت تتراجع وعليها الإسراع، وهناك من يقترح حتى إيصال من ليس لديه سيارة، وبالتالي تحاول كل عائلة التأقلم مع الظروف والمتغيّرات الجديدة.
أما زوجة القيادي في حركة النهضة، الصحبي عتيق، زينب المرايحي، فتقول في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنهم يعتبرون الزيارة، رغم ضيق الوقت والتحضيرات الماراثونية التي تسبقها، مهمة جداً، مبينة أن السجين السياسي يستمد قوته وصموده من العائلة، وهي النافذة الوحيدة للسجين للاطمئنان على عائلته، وكذلك هي فرصة للعائلة لرؤية السجين. مشيرة إلى أن المحنة التي يمرون بها كعائلات لا تخلو من جانب إيجابي، لأنها عرّفتهم على عائلات سياسيين لم يتخيلوا يوماً ملاقاتهم. ورغم الاختلافات الفكرية والسياسية، إلّا أن ما نجحت فيه العائلات لم تنجح فيه ربما الأحزاب السياسية، بمعنى أن العلاقات تجاوزت السجناء إلى علاقات اجتماعية وإنسانية، موضحة أنها لم تكن تعرف عائلة جوهر بن مبارك ولا غازي الشواشي ولا عصام الشابي، لكنّ هذه المحنة قرّبتهم.
وأضافت المتحدثة أن هناك إطاراً سياسياً جمعها سابقاً بزوجة القيادي السابق في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي، بحكم الانتماء لحركة النهضة، وكذلك سجن عتيق والجلاصي في سجون بن علي، لكنّ التجربة الحالية جعلت العلاقات تتجاوز كل ذلك، ولم تعد مجرد علاقات للعمل على هدف مشترك، وهو إطلاق سراح المساجين السياسيين، بل أصبحت علاقات إنسانية وأخوية وأسرية، فهم يتشاركون أبسط التفاصيل، مبينة أن عملية إبعاد المساجين السياسيين ووضعهم في سجون بعيدة لا يخلو من خروقات قانونية، إذ كان الأجدر أن يجري وضعهم في نفس المحافظة التي تتواجد بها العائلة مع الإعلام مسبقاً، ولكن كل هذا لم يقع.
وترى زوجة الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، فايزة راهم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن عملية الإبعاد تنكيل بالعائلات، فقد كان عصام في سجن المرناقية بالعاصمة، لينقل إلى برج الرومي ببنزرت شمالاً. فالزيارة أمس كانت متعبة، والاكتظاظ على أشده في جسر بنزرت، مبينة أنها اضطرت إلى ذبح الخروف قبل يوم لتجهيز بعض الأكلات لزوجها، مشيرة إلى أن معنوياته مرتفعة وهو صامد، وبيّنت راهم أن العيد مختلف عندها عن بقية الأسر التونسية، ولكن رغم التنكيل، فالأسر ستزور سجناءها، والعائلات ستبقى في تواصل مستمر.
