ظلال أوكرانية في روسيا

14 hours ago 4
ARTICLE AD BOX

يجدر التوقف ملياً عند ما فعلته أوكرانيا في الأيام الأخيرة، في صدّها الغزو الروسي، خصوصاً الأحد الماضي. أظهر الأوكرانيون قدرة كبيرة في هذه العملية على اختراق الداخل الروسي، سواء لجهة نقل المسيرات وتعبئتها في شاحنات داخل الأراضي الروسية، أو لجهة نجاح الإدارة السياسية والعسكرية في كييف بالمحافظة على سرّية العملية أكثر من عام ونصف العام، من دون خرقها من الاستخبارات الروسية. بالمعنى الاستخباراتي، يعني ذلك إنجازاً أوكرانياً كبيراً، لكنه أيضاً يلقي الضوء على حقيقة تورّطهم في تفجيرات أنابيب الغاز نوردستريم في سبتمبر/ أيلول 2022 في بحر البلطيق. كذلك، فإن نجاحهم في التوغّل في كورسك الروسية، في أغسطس/ آب الماضي، ناجم عن عمل استخباراتي بالأصل.

المخيف، بموجب عملية الأحد الماضي التي دمّرت عشرات الطائرات وقاذفات القنابل الاستراتيجية الروسية، أن فرضية اقتراب أوكرانيا أكثر من أي وقتٍ مضى من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في حال عزمت على اغتياله. وهنا يُمكن التطرّق إلى تمرّد مؤسس "فاغنر" يفغيني بريغوجين في 23 ـ 24 يونيو/ حزيران 2023، وزحفه من باخموت وجوارها في الشرق الأوكراني، إلى روستوف الروسية، ثم بدئه المسير إلى العاصمة موسكو. حينها كانت الطرقات شبه مفتوحة لبريغوجين وأنصاره، الذين تقدّموا من دون مقاومة فعلية من الجيش الروسي، عدا بعض المحاولات العسكرية، التي انتهت بتدخل الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، وإنهائه الأزمة حبياً. بعد شهرين قُتل بريغوجين بحادث تحطّم طائرته، وبصورة غامضة، إذ لم يتم الانتهاء من التحقيق بالقضية.

في المقابل، تبدو روسيا في موقف عاجز فعلياً، رغم احتلالها نحو 20% من الأراضي الأوكرانية. العجز نابع من أمرين. الأول، فشلها في إسقاط كييف خلال ثلاثة أيام في عام 2022، والثاني، خشيتها من الاندفاع إلى استخدام مزيد من الموارد في حرب أوكرانيا، ما يمنح المجال لانكشاف عسكري فادح أمام أي حرب محتملة مع قوات حلف شمال الأطلسي (ناتو). في هذه الحالة، تُصبح روسيا كوريا شمالية أخرى، بامتلاكها أكبر مخزون من الأسلحة النووية في العالم.

الأسوأ بالنسبة للروس أن الهجمات الأوكرانية المتلاحقة تحصل في عهد رئيس أميركي يهادنهم، بل ويهاجم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بعنف. أي أن أميركا دونالد ترامب لا تزال مهتمة بتحقيق سلام بين روسيا وأوكرانيا، مع الموافقة على روسيّة شبه جزيرة القرم الأوكرانية، على الأقل. لم يكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ليحلم بوضع كهذا: موسكو مدعومة من واشنطن، تواجه كييف. مع ذلك، تراوح الأمور مكانها في الميدان بالنسبة لروسيا. وهو أمر بالغ السوء في المقاييس العسكرية، تحديداً لناحية أن التأخّر في الحسم في أوكرانيا لصالح روسيا سيستولد بؤرة قتال على طريقة حرب العصابات، ستُنهك الروس بكثافة أكثر مما فعله الأفغان خلال الغزو السوفييتي بلادهم بين عامي 1979 و1989.

أمام ذلك كله، يبقى السؤال الأهم: "كيف تطوّرت أوكرانيا استخباراتياً؟"، خصوصاً لكونها سابقاً جزءا من اتحاد سوفييتي غابر، بما فيه جهاز "كا جي بي" الاستخباري. ليس من الصعب إيجاد الجواب، إذ لطالما تحدّث زيلينسكي وقائد جيشه السابق، فاليري زالوجني، عن تصوّر أوكراني لحماية البلاد استخباراتياً. وتجلى ذلك في إجراء إصلاحات جذرية في أجهزة الاستخبارات الأوكرانية، ثم أعطى زيلينسكي صلاحياتٍ واسعة للمخابرات العسكرية (أتش يو آر) وجهاز الأمن الداخلي (أس بي يو) للقيام بعمليات خارج الحدود. في غضون ذلك، أُصيب بوتين بخيبة أمل جرّاء المعلومات الخاطئة التي قدمها جهاز الأمن الفيدرالي (أف أس بي)، تحديداً بما يتعلق بـ"استقبال الأوكرانيين بوتين محرّراً"، ما دفع الرئيس الروسي إلى منح جهاز الاستخبارات العسكرية (جاي يو آر) صلاحيات واسعة للقيام بعمليات داخل أوكرانيا. مع ذلك، أظهرت عملية الأحد الماضي ما كان يخشاه بوتين، أن أمن روسيا الداخلي بات مهدّداً للمرة الأولى منذ انتهاء السوفييت.

Read Entire Article