ARTICLE AD BOX
في 28 مايو/أيار الماضي، أصدرت محكمة شرم الشيخ في مصر، حكماً في النزاع بين محافظة جنوب سيناء ودير سانت كاترين الواقع على سفح جبل سيناء، أكدت فيه "أحقية تابعي دير سانت كاترين في الانتفاع بالدير والمواقع الدينية الأثرية في منطقة سانت كاترين، مع ملكية الدولة لهذه المواقع بوصفها من الأملاك العامة". أثار ذلك استياءً في أثينا، عملت الرئاسة المصرية على احتوائه. وتأتي القضية في وقت شديد الحساسية للعلاقات الثنائية بين مصر واليونان، وخصوصاً في ملفات الغاز الطبيعي وترسيم الحدود البحرية، والربط الكهربائي بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي، والتنسيق الأمني في شرق المتوسط. وهي علاقات تعززت خلال السنوات الأخيرة لمواجهة النفوذ التركي في المنطقة.
احتواء أزمة دير سانت كاترين
طالب رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، في اتصال هاتفي مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، يوم 30 مايو الماضي، بتأكيد الالتزام المصري بما اتُّفق عليه خلال زيارة السيسي الأخيرة لأثينا، في السابع من مايو الماضي، بشأن "الحفاظ على الطابع الكنسي الأرثوذكسي اليوناني لدير سيناء". وكانت الرئاسة المصرية قد شددت على "الالتزام الكامل بالحفاظ على المكانة الدينية الفريدة والمقدسة لدير سانت كاترين، وعدم المساس بهذه المكانة"، مشيرة في بيان يوم 29 مايو الماضي، إلى أن الحكم القضائي "يعزز هذه المكانة" ولا يمس بجوهر وضع الدير، الذي يعود إلى القرن السادس الميلادي.
تقر مصر بحق الرهبان في الانتفاع بمقرات دير سانت كاترين، بينما تظل الملكية خالصة لها
وتقر مصر بحق الرهبان في الانتفاع بمقرات دير سانت كاترين التي يوجدون عليها منذ عقود، بينما تظل الملكية خالصة للدولة المصرية. كذلك حرصت القاهرة على تأكيد أن استقلال القضاء لا يعني التراجع عن الشراكة التاريخية ولا عن احترامهم للمقدسات الأرثوذكسية. وبحسب وزارة الخارجية المصرية، فإن الحكم لم يصادر أياً من ممتلكات الدير، بل أقرّ للمرة الأولى بشرعية وضعه، ورفض طعوناً ضده في عدد من القطع العقارية. فقد أكد وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي، أن الحكم القضائي الصادر في 28 مايو 2025 بشأن دير سانت كاترين لا يمس مطلقاً بحرمة الدير أو مكانته الدينية والتاريخية، بل يمثل تأكيداً لاحترام وضعه القانوني والروحي. وخلال لقائه بسفراء الدول الأوروبية المعتمدين في القاهرة، الجمعة الماضي، شدد عبد العاطي على أن الحكم القضائي يُعد الأول من نوعه الذي يرسّخ وضعية الدير ويحمي قيمته المقدسة، موضحاً أن الحكم أقر بحق رهبان الدير في الانتفاع به وبالمناطق الأثرية والدينية المرتبطة به. وأشار إلى أن العمل جارٍ على التوصل إلى تسوية مرضية بين السلطات المحلية والدير بشأن أي خلافات قائمة.
وتطرق عبد العاطي إلى المكالمة الهاتفية بين السيسي وميتسوتاكيس، التي أكد فيها الجانب المصري التزامه الكامل بالحفاظ على القدسية الفريدة لدير سانت كاترين، في سياق العلاقات التاريخية والأخوية التي تجمع بين مصر واليونان. ودعا الوزير إلى ضرورة تحري الدقة وعدم التسرع في إطلاق الأحكام، مؤكداً أن ما أُشيع عن "مصادرة" الدير أو ممتلكاته لا يستند إلى أساس قانوني، وينبغي الرجوع إلى نص الحكم القضائي الكامل قبل إصدار أي تقييمات. وكان موقع Orthodoxia.info قد زعم أن القاهرة أوقفت عمل الدير الأرثوذكسي الشهير في جنوب سيناء، تمهيداً لتحويله إلى متحف.
توتر ديني - سياسي
إلا أن هناك من رأى في الحكم القضائي "تهديداً وجودياً" للدير، ومن اعتبره تثبيتاً قانونياً لوضع قائم. وتوقعت مصادر يونانية توقيع اتفاقية ثنائية جديدة، في الأيام المقبلة، للتشديد رسمياً على طابع دير سانت كاترين الكنسي الأرثوذكسي اليوناني، في خطوة من شأنها إنهاء التوتر وترسيخ التحالف الديني – السياسي بين البلدين، ولا سيما أن للأوقاف المصرية أملاكاً في اليونان. وبرزت محاولات لاستغلال الحكم القضائي داخل اليونان، وسط ما واجهه حزب "الديمقراطية الجديدة" الحاكم، وفق وسائل إعلام يونانية، من انتقادات من المعارضة. كذلك استغل رئيس الوزراء الأسبق أنطونيس ساماراس (طرد العام الماضي من الحزب بعد انتقادات لسياسات الحكومة حينها) القضية، ليعود إلى الواجهة بتصريحات غاضبة تحدّث فيها عن أن "عدم الاحترام والتهميش الدولي لليونان أمر غير مسبوق ومؤلم".
بحسب وسائل إعلام يونانية هناك حاجة لآليات فورية لحل الأزمات بين القاهرة وأثينا
واستمرت التحليلات داخل اليونان حول بطء استجابة القاهرة بشأن قضية دير سانت كاترين. وبحسب وسائل إعلام يونانية، كشفت التطورات الأخيرة هشاشة في قنوات الاتصال الرسمية بين دولتين حليفتين، خصوصاً حين يتقاطع القانوني والديني مع السياسي. كذلك أبرزت الحاجة إلى آليات فورية لحل الأزمات قبل أن تتحول إلى اختبارات للثقة، في منطقة تشهد تحولات جيوسياسية معقدة.
وعبّر رجال دين أرثوذكس في اليونان، وفي مقدمتهم الأرشمندريت بورفيريوس فرانغاكوس، ممثل دير سانت كاترين في أثينا، عن غضب شديد وقلق بالغ إزاء الحكم القضائي، الذي اعتُبر تناقضاً صارخاً مع تسوية ودية جرى التوصل إليها مع الجانب المصري في ديسمبر/ كانون الأول 2024. وأكد أن الحكومة المصرية كانت قد وافقت مبدئياً على اتفاق يعترف بملكية الدير لـ71 عقاراً، وجرى التفاوض بشأنه بين لجنتين رسميتين من الجانبين، قبل أن يُلغى بشكل مفاجئ ودون إخطار، ما اعتبره "ابتعاداً سافراً" عن الاتفاق. وأثار مخاوف من تراجع في الضمانات الممنوحة للرهبان، الذين يعيشون حالياً بتصاريح إقامة مؤقتة قابلة لعدم التجديد.
