"صقور" الطرفين تتوعد: تفاؤل حذر بحل حزب العمال الكردستاني ذاتيًا

1 day ago 2
ARTICLE AD BOX

د. فالح الحمــراني

يستبعد مسؤولو دول وخبراء، دخول الإعلان التاريخي بحل حزب العمال الكردستاني وإنهاء الأعمال القتالية حيز التنفيذ بالسرعة المنشودة، بالنظر إلى البنية التحتية العسكرية الضخمة للحزب وخريطة انتشار وحداته. ورجح مراقبون وسياسيون مطلعون على الوضع في الحزب بان ذلك التطورسيعتمد أيضاً على الخطوات التي ستتخذها أنقرة لاحقا، والتي "يجب أن تشمل العفو العام عن أولئك الذين لم يشاركوا في الهجوم على الجيش التركي".
ووصف بعض الخبراء الحديث عن نهاية سريعة للمواجهة بين حزب العمال الكردستاني وتركيا ب "تفاؤل ساذج". مفسرين ذلك بأن عبد الله أوجلان كان قد دعا حزب العمال الكردستاني إلى إلقاء السلاح مرتين على الأقل: في عامي 2013 و2015، ولكن من دون جدوى. أما "النهج العلني" الثالث، والذي تم اتخاذه مؤخرا تحت ضغط والحاح أنقرة، لم يعد أيضاً بتحقيق نتائج فورية.
علاوة على ذلك، أثرت المناوشات المتصاعدة بين الميليشيات الكردية في سوريا والوحدة التركية أيضًا على ميول حزب العمال الكردستاني. وذكرت الاستخبارات التركية أن بعض قادة تشكيلات الحزب المسلحة مستعدون لفتح "جبهة ثانية" – لاسيما إذا حاولت الحكومة السورية الموالية لتركيا بعملية تطهير عرقي ضد الأكراد. ولذلك توقع الخبراء أن تجري محاولة اتخاذ قرار بوقف الكفاح المسلح في المؤتمر في اجواء مواجهة حادة والجدل ينتهي دون نتائج. لكن اتضح أن الواقع كان صلبا، إذ لم يعارض مؤتمر حزب العمال الكردستاني إرادة الزعيم / المؤسس وصوت لصالح حل نفسه. لقد وضِع حد للقتال مع تركيا.
ولعبت الطموحات السياسية لرجب طيب أردوغان دوراً كبيراً في تجميد النزاع بين الأكراد وأنقرة. إذ يستعد الرئيس التركي لخوض الانتخابات الرئاسية في عام 2028 - والمشكلة الرئيسية بالنسبة له لا تتمثل في خصومه الذين تتسع شعبيتهم، بل في العقبات الدستورية. لقد وصل أردوغان إلى "سقف" عدد الولايات الرئاسية ولا يمكنه ترشيح نفسه لولاية اخرى إلا بتغيير الدستور.
وحتى لو أخذنا في الاعتبار أن حزب الرئيس: العدالة والتنمية والقوى الموالية له يسيطرون على أكثر من نصف المقاعد في البرلمان، فليس هناك ثقة بأن هذا سيكفي للمصادقة على التغيرات المطلوبة. ومن الضروري ضمان دعم جزء من جناح المعارضة، بما في ذلك الحزاب المؤيد للأكراد. وكان "تهدئة" هذا الأخير مهماً أيضاً، ففي سياق المواجهة مع حزب العمال الكردستاني، ستبذل الجهود لاحباط محاولات تكتل أردوغان لتعزيز مواقعه.
ومن المهم أيضاً أن نأخذ في الاعتبار أن قرار حزب العمال الكردستاني بحل نفسه بعد 46 عاماً من الكفاح من اجل حقوق الاكراد في تركيا، تُبين أنه كان بمثابة "جس نبض" لاختبار رد فعل (وفي الوقت نفسه صدق) الطرف الآخر. وينتظر الرأي العام الكردي تقوم أنقرة بخطوات متبادلة، تتضمن بالإضافة إلى إطلاق سراح أوجلان، العفو عن الناشطين، فضلاً عن وقف ملاحقة الخلايا والأحزاب السياسية
وأعرب تونجر بكرخان الرئيس المشترك لحزب الشعوب الديمقراطية والمساواة عن موقف القوى المؤيدة للأكراد. وأكد أن "التهديد الكردي" كان حتى اليوم يُفسر بوجود حركة كردية معارضة لسلطات البلاد. ومع تصفيته "لم يعد هناك سبب واحد لعدم بناء تركيا الديمقراطية". وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن حزب بكر خان هو أحد أكبر ثلاث قوى معارضة في البرلمان، فإن هذا التصريح يمكن اعتباره بمثابة استعداد من جانب بعض معارضي أردوغان للتعاون معه
من جانبهم، يحاول الفريق المحيط بالرئيس في كل فرصة التأكيد على أنهم لن يخيبوا آمال الأكراد. وفي هذا السياق، صرّح النائب عن حزب العدالة والتنمية، شامل تيار، بأن السلطات تعمل على صفقة تقضي بإطلاق سراح نحو 300 من قادة ونشطاء حزب العمال الكردستاني من تركيا إلى "دول ثالثة" (على سبيل المثال، النرويج). وسيسمح لنحو 4000 عضو آخرين من أعضاء حزب العمال الكردستاني الذين يقاتلون في شمال العراق العبور تدريجيا من خلال "الممر الأخضر" على الحدود؛ وفي المستقبل، ستضمن حمايتهم من الملاحقة القضائية بسبب النضال المسلح ضد أنقرة. وأكد تيار أن مثل هذه الخطوات من شأنها أن تسهل اندماج ثوار الأمس بشكل أسرع في الحياة المدنية. ولكن، هناك الكثير من كبار المسؤولين في تركيا الذين يبحثون عن فخ في الحل السلمي الذي يقترحه حزب العمال الكردستاني. وترتفع أصوات "الصقور" الأتراك عالياً ــ على الرغم من أن المخاوف الرئيسية يتم التعبير عنها علناً في المقام الأول من قبل المتقاعدين المؤثرين.
ومن بين هؤلاء، على سبيل المثال، مطور مبدأ الدفاع البحري التركي الذي كثر الحديث عنه ("الوطن الأزرق")، الأدميرال جيهات يايجي. ففي تعليقه على قرار أنصار أوجلان، قال يايجي إن حزب العمال الكردستاني ليس سوى جزء صغير (وإن كان معروفًا إلى حد ما) من "المنظمة السرية الخطيرة" وأن حله العلني لا يكفي لإزالة "التهديد الكردي" من أجندة الأمن القومي. علاوة على ذلك، فإن وحدات حماية الشعب الكردية العاملة في سوريا، والتي تعتبر في تركيا "الفرع السوري" لحزب العمال الكردستاني، لم تقدم أي التزامات علنية.
إن الخلافات التي لا تزال قائمة في هياكل الحزب التي لم تحضر المؤتمر، تدفع "الصقور" إلى النظر بعين متشائمة للمستقبل. ولم يكن جميع القادة الميدانيين لحزب العمال الكردستاني راضين عن قرار حل الحزب دون شروط مسبقة. حتى أن البعض اعتبرها محاولة من جانب الرجل العجوز (كما يُطلق على أوجلان داخل المنظمة) للتفاوض على العفو.
ويعرب "الرجل العجوز" نفسه عن مخاوفه أيضًا. وبما أنه لم يشارك فعلياً في عملية تحول حزب العمال الكردستاني منذ عام 1999 (مع بقائه رمزاً حياً للحركة)، فإن تأثيره على المسار الحقيقي للتشكيلات المسلحة قد تراجع مع مرور الوقت. وأي محاولة من جانب أوجلان للعودة إلى مواقفه السابقة محفوفة بـ"انقلابات القصر" وانتقال بعض أتباع حزب العمال الكردستاني إلى مجموعات شبه عسكرية كردية أخرى. وفي الوقت نفسه، تنظر أنقرة إلى المستقبل بتفاؤل حذر، وهي عازمة على "اختيار المقاربات" بعناية لمواجهة خصوم الأمس. لأن المخاطر أصبحت أكبر من أي وقت مضى. وإذا لم تتوافق الخطوات التي اتخذتها السلطات فجأة مع تطلعات أنصار حزب العمال الكردستاني، فسيظل قائما احتمال انهيار التحرك السياسي المتعدد الأطراف الذي قام به الرئيس أردوغان.

The post "صقور" الطرفين تتوعد: تفاؤل حذر بحل حزب العمال الكردستاني ذاتيًا appeared first on جريدة المدى.

Read Entire Article