صباح الخير أيّها الخوف

1 week ago 6
ARTICLE AD BOX

تجول عيناك وجوهاً وأجساداً يتآكلها الحذر والخوف مجدّداً. تسبر نظراتك العيون، تحدّق في الفضاء السوريّ الكالح، يشحنه التربّص، التشبيح، والتجييش، التحريض الطائفي، قتل على الهويّة الطائفيّة، قتل بذرائع واهية سخيفة يطلقها عملاء مأجورون، وطائفيّون موتورون من جميع الأطراف، ذباب إلكتروني محليّ وعربي ودولي، يمارسون لعبة الدم. اتهامات واتهامات مضادّة، سرديّات مظلوميّات حقيقيّة، وأخرى كاذبة. عيون الضحايا من المدنيّين الأبرياء؛ عجائز وشبّاناً؛ نساء وأطفالاً، تحتفظ بصور قاتليها، تحيطها شماتة الانتقام الجسيم، والإمعان بالشكّ الفارغ في تحقّق حدوثها، أو تاريخه، بغية تكذيبها ونكران مرتكبيها الحقيقيّين، ومطالبة الإعلام الرسميّ بإعلان الحقيقة، إعلام يذكّر بالإعلام الأسدي الهزيل وتضليله الفاقع. في الحين لا يزال القتل يسري في مجازر جماعيّة أو فرديّة، هنا وهناك. إضافة إلى نهب الممتلكات والبيوت أو إحراقها، والخطف، وبوجه خاصّ لنساء من طائفة بعينها.  
يستغيث الحاضر، فيتصدّى له عتاة التشبيح والانتهازيّين والمستفيدين الجدد من يساريّين تائبين، ومثقّفين وفنّانين وكتّاب، بينهم من صمت سابقاً صمت الأموات، برفع القوائم الأسديّة المشينة بجرائمها وفسادها. إلى أن باتت تلك القوائم المرفوعة اليوم تبريراً سافراً لكوارثنا السوريّة القائمة.  
ذلك كلّه، يدور وسط ضبابيّة سلطويّة وقانونيّة، وفلتان أمنيّ مرعب، تحت سماء يستبيحها العدوان الإسرائيلي، في كلّ أطرافها، وفي قلبها دمشق.
صباح الخير، أيّها الخوف. مساء الخير، أيّها الرعب.
على مدى عقد ونصف العقد، خسرنا كثيراً من الطاقات الإبداعيّة، قتلاً، واعتقالاً وتهجيراً، فأصيبت البلاد بالفالج. واليوم، تعاني المؤسّسات التعليميّة بمراحلها المختلفة من خطر كارثيّ يتجدّد ويتّسع على الجغرافيا السوريّة، بسبب عدم استقرار الأوضاع الأمنيّة. فرغت المدارس، والمعاهد والجامعات، لمدّة طويلة من الطلّاب والكوادر التعليميّة، وإن اختلفت نسبيّاً بين منطقة وأخرى، تبعاً للترهيب والترعيب، وحدوث معارك ومجازر، قتل فرديّ وخطف، لأساتذة وطلّاب، وطالبات بشكل خاصّ، ليس آخرها خطف الطالبة ميرا جلال ثابت في حمص، التي اختفت في المعهد خلال تقديمها الامتحان، بحسب شهادة والدها الذي رافقها، ومكث عبثاً ينتظر في سيّارته الخاصّة أمام المعهد خروجها لإعادتها بأمان وسلام إلى المنزل. في وسط المعهد، اختفت ميرا الصبيّة الصغيرة، لتظهر بعد أيّام عديدة، بلباس عجيب غريب، كأنّما يخبّئ عورة، وملامح وجه مجبولة بالخوف والقهر والذلّ، رفقة رجل يعلن أنّها زوجته شرعاً. فأيّ شرع يقضي بانتهاك صارخ، وإجرام أخلاقيّ قانوني يطاول المرأة، وينال من كرامتها وعفّتها، ويغتصب جسدها، روحها، مستقبلها وحياتها؟ وأيّ شرع يستبيح عرض الآخر وشرفه ويقتل مستقبله، ويكمّ فمه عن قول الرواية الحقيقيّة تحت التهديد والوعيد، كما حدث لثلاث نساء أو أربع فقط، عُدن إلى عائلاتهنّ بعد خطفهنّ؟
حرمان الطلّاب عامّة من حقّهم الإنسانيّ والقانوني والشرعيّ في التعليم، سواء في حمص أو وحماه أو الساحل، واليوم، يطاول طلّابنا من محافظة السويداء الذين يهربون من جامعات حمص ودمشق وحلب.
متى سيبدأ مسار العدالة الانتقاليّة وتطبيق القانون بشكل حقيقيّ وفعّال وعادل؟ ومتى ستعود الحياة الطبيعيّة اليوميّة التي يكاد الترعيب والتهديد يشلّها حتى الساعة، في أغلب مناطق البلاد؟ فهل تتعافي البلاد كلّها، وعلى رأسها دمشق، وأطرافها مشلولة. فسوريّة لن تكون بخير إطلاقاً، قبل أن يهلّ الفعل المضارع على جهاتنا كلّها أبيض وورديّاً لونيْ أصالة قلوبنا السوريّة المنهكة الضالّة.

Read Entire Article