شيخ الأزهر يطلب مشاركته بجلسة برلمانية لصد مخطط حكومي

1 week ago 4
ARTICLE AD BOX

تشهد العلاقة بين الحكومة المصرية ومؤسسة الأزهر توتراً متصاعداً مع اقتراب مجلس النواب من مناقشة مشروع القانون المقدم من الحكومة لتنظيم إصدار الفتوى الشرعية، والمقرر طرحه خلال الجلسة العامة بالبرلمان اليوم الأحد. وكشفت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" أن مشيخة الأزهر، برئاسة أحمد الطيب، رفضت المشروع بشكل قاطع، وطلبت حضور الجلسة النيابية لتوضيح أسباب الرفض، معتبرةً أن القانون المقترح يعتدي على الاختصاصات الدينية الحصرية للأزهر التي يكفلها الدستور. يمنح المشروع المثير للجدل وزارة الأوقاف، وهي جهة تنفيذية حكومية، حق إصدار الفتوى الخاصة، إلى جانب دار الإفتاء المصرية، بالمخالفة لما كان معمولاً به من قصر حق الفتوى الرسمية على جهتين: لجان الفتوى التابعة للمشيخة وهيئة كبار العلماء، فضلاً عن دار الإفتاء باعتبارها جهة دينية ذات طابع علمي مستقل.


يرى الأزهر أن منح وزارة الأوقاف سلطة إصدار الفتاوى يفتح الباب أمام "تسييس الدين"

الطيب يتحرك

بحسب معلومات حصلت عليها "العربي الجديد"، فقد بعث الطيب بخطاب رسمي إلى رئيس مجلس النواب، حنفي الجبالي، يطلب فيه مشاركته بحضور الجلسة أو تفويض من ينوب عن هيئة كبار العلماء في مشيخة الأزهر، لعرض أسباب رفض المؤسسة لمشروع القانون، الذي ترى فيه خرقاً صريحاً للمادة السابعة من الدستور، التي تنصّ على أن "الأزهر الشريف هو المرجع الأساسي في الشؤون الدينية الإسلامية". وفي محاولة لتقليص فجوة الخلاف، عرض الأزهر بديلاً وسطاً، يتمثل بالسماح لأئمة وزارة الأوقاف بالإفتاء، بشرط منحهم التصاريح اللازمة من خلاله حصراً، على أن يُشرف على تأهيلهم وتقييمهم العلمي قبل ممارسة مهام الإفتاء العام، بما يحفظ التوازن المؤسسي ويضمن المرجعية الدينية للمشيخة، إلا أن هذا الطرح لم يحظَ بقبول حكومي.

وترى المشيخة أن منح وزارة الأوقاف التابعة للحكومة سلطة إصدار الفتاوى يفتح الباب أمام "تسييس الدين"، ويجرد الأزهر من دوره مؤسسةً علميةً مستقلةً، معتبرة أن المشروع يمثل محاولة لتكريس سلطة تنفيذية على حساب المرجعية الدينية الراسخة. كذلك حذرت مصادر داخل المشيخة من أن تمرير القانون بصيغته الحالية سيدفع الأزهر إلى اللجوء للمحكمة الدستورية العليا للطعن عليه، تأسيساً على مخالفة أحكام الدستور ومبدأ الفصل بين السلطات. وتستند المشيخة في موقفها الرافض إلى سابقة مشابهة وقعت قبل عامين، حين طرحت الحكومة مشروع قانون لتنظيم دار الإفتاء، يمنح الاستقلال الكامل للمؤسسة بعيداً عن إشراف الأزهر، وهو ما رفضته المشيخة حينها بشدة، معتبرة أن المشروع يفصل دار الإفتاء عن البنية العلمية للأزهر، أعدّت المشيخة حينها مذكرة مفصلة، بيّنت فيها مخالفة المشروع للدستور، ووجهتها إلى مجلس النواب، ما أدى إلى سحب القانون من جدول المناقشات البرلمانية.

بحسب مسودة أعدتها دوائر قانونية في الأزهر، فإن المشروع الحالي يهدد بزيادة ظاهرة "فوضى الفتاوى" من خلال فتح الباب أمام جهات غير متخصصة في العلوم الشرعية، بما يقوّض الأسس العلمية التي يقوم عليها الإفتاء، ويحوّل الفتوى إلى أداة دعائية مرتبطة بالسلطة التنفيذية. ويأتي هذا الخلاف في سياق سلسلة من التوترات السابقة بين الأزهر والحكومة، أبرزها حول قانون الأزهر، وتجديد الخطاب الديني، ومشروعات قوانين الأحوال الشخصية. وهو ما يعكس صراعاً خفياً على المجال الديني بين مؤسسة دينية تاريخية تسعى للحفاظ على استقلالها، وسلطة تنفيذية تسعى للسيطرة على أدوات الخطاب الديني وتوجيهها. يقود التيار الداعم لوزارة الأوقاف مفتي الجمهورية الأسبق، رئيس لجنة الشؤون الدينية الاسبق بالبرلمان علي جمعة، الذي كان يأمل الحصول على منصب شيخ الأزهر عقب وفاة شيخه الراحل سيد طنطاوي، وانحسرت المنافسة بينه وبين شيخ الأزهر الحالي أحمد الطيب الذي عينه الرئيس الراحل حسني مبارك في منصبه، وحصل على حصانة في دستور 2012 المعدل عام 2014، تحول دون عزله أو المساس بدور الأزهر في حماية الشريعة.

وأعرب جمعة عن استيائه من موقف الأزهر، مشيراً إلى أن البرلمان "سيد قراره"، ومنتقداً نشر الأزهر موقفه الرافض لمشروع قانون تنظيم إصدار الفتوى الشرعية، على وسائل التواصل الاجتماعي قبل انتهاء مناقشات اللجنة. يؤكد برلمانيون أن سعي جمعة للانقضاض على دور الأزهر يواكبه دوره في البرلمان والدعم المالي الذي يقدمه إلى صندوق "تحيا مصر" من عوائد التبرعات المالية الهائلة التي يحصل عليها من المواطنين، للإنفاق على المشروعات الاجتماعية التي يمولها الصندوق، الذي يعد بديلاً للدعم المالي للفقراء المستفيدين من برنامج " تكافل وكرامة". ويحمل شيخ الأزهر مرتبة وظيفية تعادل رئيس الوزراء، ولكن سلطته الإدارية تظل عالقة في قطاعي التعليم والتصرفات المالية تحت وصاية مباشرة من رئيس الوزراء، بينما يعامل دبلوماسياً في الدول الإسلامية معاملة رؤساء الدول والحكومات الدستورية.

مراقبون: الجلسة المقبلة للبرلمان ستكون اختباراً حقيقياً لمكانة الأزهر في النظام السياسي والدستوري

اختبار لمكانة الأزهر

في سياق متصل، يرى مراقبون أن الجلسة المقبلة للبرلمان ستكون اختباراً حقيقياً لمكانة الأزهر في النظام السياسي والدستوري، ولحدود تدخل الدولة في الشأن الديني. وفيما تتجه الحكومة إلى تمرير القانون بدعوى مواجهة الفوضى في الساحة الدينية، يتمسك الأزهر بدوره حارساً للتراث الشرعي، ويستعد إذا لزم الأمر للجوء إلى ساحة القضاء الدستوري. ووافقت لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب، الثلاثاء الماضي على المشروع المقدم من الحكومة، الذي يمنح وزارة الأوقاف صلاحية إصدار الفتاوى الخاصة. وينص المشروع على أن الفتوى العامة، المتعلقة بالشؤون العامة للمجتمع، تكون من اختصاص هيئة كبار العلماء بالأزهر ودار الإفتاء المصرية، بينما تُمنح وزارة الأوقاف الحق في تشكيل لجان للفتوى الخاصة، التي تتعلق بالأفراد. وقد عبّر ممثلو الأزهر عن رفضهم القاطع للمشروع، معتبرين أنه يتعارض مع المادة السابعة من الدستور المصري، في أن الأزهر هو المرجع الأساسي في الشؤون الدينية. وأكد وكيل الأزهر، محمد الضويني، أن الأزهر مسؤول أمام الله عن كل فتوى تصدر في البلاد، وأن منح وزارة الأوقاف حق الإفتاء يُعد تجاوزاً لصلاحيات المشيخة.

Read Entire Article