ARTICLE AD BOX
تصاعدت وتيرة تهريب المخدرات عبر الحدود السورية أخيراً، في مشهد يعكس تحولاً خطيراً في آليات عمل شبكات تهريب المخدرات. فقبل أيام، اشتبكت قوات الأمن العام السورية مع مهربين في قرية أمبيا بريف دمشق الغربي، ما أسفر عن مقتل الضابط المسؤول عن أمن منطقة قطنا جميل مومنة (أبو الوليد)، ودفع الأجهزة الأمنية إلى محاصرة بلدات المشتبه بهم واعتقال العشرات.
وكانت السلطات الأردنية أعلنت، في 24 مايو/أيار الماضي، إحباط محاولتي تهريب عبر معبري نصيب وجابر على الحدود السورية ضبطت خلالهما 200 ألف حبة كبتاغون، إلى جانب إسقاط بالونات موجهة محملة بالمخدرات في البادية الشرقية. وأكد مصدر عسكري أردني لوسائل الإعلام وقتها أن هذه الحوادث تأتي ضمن "تصاعد غير مسبوق" لأنشطة التهريب. وقد دفع هذا الأمر بالأردن إلى شن ضربات جوية استهدفت مواقع مشتبها بها داخل الأراضي السورية، كان آخرها قصف منزل في قرية الشعاب في السويداء.
تحول جذري بطرق التهريب
وكشف عضو بارز في فصيل مسلح في السويداء عن تحوّل جذري في طرق التهريب، قائلاً، لـ"العربي الجديد"، إن المواد المخدرة "لا تزال تأتي بشكل أساسي من لبنان والعراق وإيران، لكن المسارات انتقلت من درعا والسويداء إلى البادية الشرقية الوعرة". وأشار إلى أن جماعات بعضها متحالف مع بقايا تنظيم داعش سيطرت على عمليات النقل عبر نقاط كانت تُدار سابقاً من خلال بعض وحدات الجيش السوري المنحل، ما يعقّد المكافحة الأمنية لها.
عاطف المفلح: استبدلت شبكات المخدرات حزب الله بتحالفات مع "داعش"
وفي قرية الشعاب الواقعة في البادية الشرقية للسويداء، والتي كانت مركز انطلاق المهربين في فترة النظام المخلوع، أكد أهالي المنطقة أن العصابات "تخلّت عن القرية" لتحوّلها إلى هدف عسكري للضربات الأردنية. وقال أحد سكان بلدة ملح المجاورة إن "مسارات التهريب الآن في عمق البادية تبدأ من سد الزلف ووادي الحماد اللذين أصبحا معبراً رئيسياً". في المقابل، شهدت البادية الشرقية لمحافظة السويداء وريف دمشق عمليات تمشيط قامت بها دوريات للأمن العام، على الرغم من خطورة المنطقة والكمائن والألغام، حيث وصلت الدوريات إلى قرية الشعاب، وقامت بعمليات تفتيش ومداهمات لم تسفر عن شيء، وهو ما يعزز روايات أهالي القرية بأنهم تخلصوا منذ زمن من العصابات التي كانت متحالفة مع النظام السابق بتهريب المخدرات.
تكثيف الحملات على الحدود السورية مع العراق
وكانت القوات الأمنية كثفت حملاتها منذ فبراير/شباط الماضي الماضي، والتي شملت مناطق في ريف دمشق، كجرمانا، والمعضمية، والقصير في ريف حمص، ومناطق عفرين وإعزاز في الشمال السوري، ودير الزور والبوكمال على الحدود السورية الشرقية مع العراق. وكان آخر هذه الحملات في 29 مايو الماضي في بلدات جاسم وابطح والشيخ مسكين بمحافظة درعا وبالقرب من الحدود الأردنية.
محمد البكار: الحملات الأمنية لن تقضي على شبكات تغذّيها عائلات اعتادت التهريب بما هو مصدر رزق
ورأى الناشط عاطف المفلح أن نتائج الحملات الأمنية محدودة، موضحاً، لـ"العربي الجديد"، أن "نفس الشبكات التي عملت تحت حماية النظام السابق ما زالت نشطة، لكنها استبدلت حزب الله بتحالفات مع داعش"، مشيراً إلى أن هجوم تل أصفر في مايو الماضي، ضد وحدة من الجيش في البادية السورية دليل على تعاون المهربين مع التنظيم. وتُعقّد التحالفات الهجينة المعادلة، كما شرح أيسر (اسم مستعار لموظف سابق في الأمن الجنائي)، موضحاً أن "شبكات التهريب تجمع مليشيات كانت تابعة لإيران وعشائر بدوية وعناصر داعش"، مشيراً إلى أنه "لا انتماءات هنا إلا للمال". وحذر من أن المواجهة تتطلب ضرب مصادر التمويل على الحدود السورية مع لبنان والعراق أولاً، ثم نزع سلاح الجماعات في البوادي.
جذور عميقة للأزمة
وتعود جذور الظاهرة إلى تحول سورية لأكبر مصنع عالمي للكبتاغون خلال الحرب على مدى 14 عاماً، حيث استغلت شبكات مدعومة من إيران ونظام بشار الأسد المخلوع، الحدود السورية مع الأردن والتي تمتد على مسافة 375 كيلومتراً لتهريب المخدرات. وأكد محمد البكار، من منطقة اللجاة في درعا التي كانت معقلاً لحزب الله، في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الحملات الأمنية وحدها لن تقضي على شبكات تغذّيها عائلات كاملة اعتادت التهريب بما هو مصدر رزق وحيد". ولم يعد تهريب المخدرات مجرد جريمة عابرة للحدود، بل تحوّل إلى نظام معقّد يعيد تشكيل تحالفات المنطقة. فقرية مثل الشعاب، التي دمّرتها الضربات الجوية، تختزل التناقض بين الروايات الرسمية والواقع الميداني. وفي الوقت الذي تسعى فيه الأجهزة الأمنية السورية لقطع الطرق الوعرة في بادية السويداء، كشفت الأزمة وجود عوامل جيوسياسية واقتصادية، تتطلب حلولاً أمنية صارمة وبرامج تنموية شاملة لمواجهة شبكات تتجاوز حدود الانتماءات، حيث تبقى التحديات، وعلى رأسها الفقر وتردي الوضع الأمني في سورية، من أبرز الدوافع للتعاون مع المهربين.
