ARTICLE AD BOX
شهدت محافظة السويداء جنوب سورية، ظهر أول من أمس الأربعاء، اقتحام مجموعة مسلحة من الشبان مكتب محافظ السويداء مصطفى بكور، للمطالبة بالإفراج عن موقوفين محتجزين لدى الأمن العام، ووجهوا للمحافظ إهانات لفظية. وعلى الرغم من احتواء الحادثة سريعاً عبر تدخل فصيل "لواء الجبل" المحلي، إلا أن الواقعة أعادت أحاديث طبيعة التوازنات الأمنية والسياسية في المحافظة، والتي تشهد تصاعداً في حدة التوترات بين بعض الفصائل المسلحة المحلية والسلطات الرسمية. وترافقت حادثة اقتحام مكتب محافظ السويداء مع تداول شائعات عن اختطاف المحافظ أو تعرضه لإطلاق نار، ما دفع مصادر مقربة من بكور إلى نفي تلك الادعاءات، مؤكدة أن أهالي السويداء وفصائلها تدخّلوا لطرد المهاجمين.
وجاءت الحادثة في سياق متوتر، سبقه تداول أنباء عن وفاة شاب يُدعى مهران أيمن السلامة، الذي كان معتقلاً في سجن الأمن العام بمنطقة أشرفية صحنايا بريف دمشق، تحت التعذيب. وأدى تناقض المعلومات الرسمية حول ظروف وفاته واختفاء جثمانه، إلى تأجيج الغضب الشعبي. وكان مهران اختفى بعد انتهاء الاشتباكات في صحنايا نهاية إبريل/نيسان الماضي.
نورس عزيز: هناك تنامٍ لنفوذ الفصائل على حساب السلطة
وتضاربت المعلومات بشأن مصيره وسط الفوضى التي عمّت المدينة. وبينما تحدّثت مصادر عن اعتقاله، قالت أخرى إنه يتلقى العلاج في مستشفى المواساة بدمشق، وهو ما ثبت لاحقاً عدم صحّته بعد مراجعة العائلة للمستشفى مرات عدّة من دون العثور على اسمه في قوائم المصابين، وفق موقع "السويداء 24" الذي يغطي أخبار المحافظة. وأوضح الموقع أول من أمس أن شقيقته تعرفت على جثمانه، الذي ظهر في صورة انتشرت على الإنترنت بعد 20 يوماً من فقدانه، نافية الرواية المتداولة على مواقع التواصل حول تلقي العائلة الصورة من الأمن العام مرفقة بعبارة "هذا مصير كل درزي".
وأفادت مصادر مقربة من عائلة مهران أن والدته توجهت صباح الأربعاء إلى مشفى المواساة للتعرف على جثمانه، إلا أن الرد جاء مجدداً بأن الاسم غير موجود لديهم. وطالبت العائلة صفحات التواصل الاجتماعي بالتوقف عن تداول الأكاذيب والشائعات حول قضيتهم، واحترام مشاعرهم، داعية إلى فتح تحقيق رسمي ومستقل لكشف حقيقة ما جرى، ومصير جثمان مهران، وظروف الحادثة.
ما حصل لا يمثل السويداء
وقال الناشط مؤيد حرب، لـ"العربي الجديد"، إن "ما حصل (مع محافظ السويداء مصطفى بكور) لا يمثّل أخلاق أبناء السويداء. نحن مجتمع يعتمد على الحوار والعقل، وليس السلاح". بدوره، أشار رشاد الحسين إلى أن "التصرف الفردي لا يجوز أن يتحول إلى فوضى تُهدد أمن العائلات"، معتبراً الاعتداء على محافظ السويداء انتهاكاً لقيم المحافظة.
في المقابل، وصف بيان لوزارة الإعلام المهاجمين بـ"الخارجين عن القانون". وأكدت الوزارة أن "فرض القانون وحماية الأمن خيار لا رجعة فيه"، مُشيرة إلى تدخل الفصائل الوطنية لتأمين خروج المحافظ. يذكر أن محافظة السويداء، التي حافظت على درجة من الاستقلالية خلال سنوات الحرب في سورية، تشهد اليوم انقسامات بين فصائل مسلحة متنافسة، أبرزها "حركة رجال الكرامة" و"لواء الجبل" و"أحرار جبل العرب"، إضافة إلى مجموعات تتبع للشيخ حكمت الهجري.
تحذير من تنامي نفوذ الفصائل
هذا التشظي، بحسب الصحافي نورس عزيز "يُشكّل تهديداً للتهدئة المنشودة، خاصة مع تنامي نفوذ هذه الفصائل على حساب السلطة المركزية". وفي حديثه لـ"العربي الجديد"، تساءل عزيز عن إمكانية حل هذا التشتت عبر "اتفاق على غرار نموذج (قوات سوريا الديمقراطية) قسد"، مشدداً على ضرورة الوصول إلى تفاهمات سياسية تضمن مشاركة أبناء السويداء في تشكيل الدولة الجديدة، مع ضبط السلاح عبر مجموعات محلية مُتفق عليها، بدلاً من نزعه في ظل غياب الضمانات. ودعا إلى تفعيل "الضابطة العدلية" كجهاز مستقل، مع الإشارة إلى تعقيدات تحقيق ذلك حالياً.
غياث السالم: استمرار التعاطي الأمني الصارم قد يدفع نحو تصعيد يزعزع السيطرة على المنطقة
وفي ظل غياب رؤية واضحة من دمشق لإدارة الملف الأمني في السويداء، طرح الناشط الحقوقي غياث السالم حلولاً، مثل تعزيز الحوار المحلي المركزي عبر مفاوضات مكثفة تضمن مشاركة أهالي السويداء في صنع القرار، مع تقديم ضمانات بعدم استهدافهم، وإصلاح أجهزة الأمن عبر دمج العناصر المحلية في الأجهزة الرسمية، وتطهيرها من الانتهاكات، وتفعيل آليات العدالة الانتقالية للتحقيق في حالات التعذيب واستعادة الثقة. وقال السالم، لـ "العربي الجديد"، إن استمرار التعاطي الأمني الصارم، من دون مراعاة الخصوصية المجتمعية، قد يدفع نحو تصعيد يزعزع السيطرة على المنطقة، خاصة مع تنامي الخطاب المطالب بالحكم الذاتي، وإن كان ذلك يبدو غير مرجح في المدى القريب.
