سوريّون فاشيّون

1 week ago 5
ARTICLE AD BOX

واضحة حالة الاستقطاب السلبية في المجتمع السوري على خلفية تأييد الإدارة الجديدة أو معارضتها، لكن من هُم أطراف هذا الاستقطاب؟ هناك طرفان أساسيان: واحدُ يمثّل التعدّدية السورية ويضمّ أفراداً من مختلف الانتماءات، هو طرف سلميّ يعارض النواحي السلبية في سياسة الإدارة. والآخر يضمّ المؤيدين للإدارة، من أشخاص يزعمون الحديث باسم "السنّة"، يدافعون عن الإدارة بشكل أعمى، انطلاقاً من عواطف انتقامية. والمعتدلون في هذا الطرف، وهُم قلّة، ينظرون إلى خطاب المعارضين على أنّه تضخيم للأحداث، وقد يكون ذلك صحيحاً، لكنه مقبولٌ طالما هي معارضة سلميّة منضبطة بمصلحة الوطن. لكن الحالة الحاضرة تجاوزت مجرد كونها استقطاباً حادّاً لتصل إلى مستوى العداء الصريح والمباشر، وجولة على العالم الافتراضي السوري كفيلة بتأكيد ذلك.
يتنامى هذا العداء في وقت تشهد سورية أحداثاً وظواهر ما كنّا لنتوقعها حتى من نظام وحشي كنظام آل الأسد: الاستهانة السافرة بشعب ذي خبرة تاريخية عريقة، تمثّلت في قوانين وإعلان دستوري وتعيينات تعود بالبلاد إلى الوراء، واستهداف للأقليات تتصاعد وتيرته. هذا بالإضافة إلى حريّة العمل والحركة لعناصر محسوبين رسمياً على الإدارة، المنخرطين في سياسة تأديب الناس وإعادة تربيتهم وتعليمهم الأخلاق والدين والتفريق بين الصالح والطالح، سياسة أسلمة للدولة والمجتمع ليكونا على نموذج بشع وظلامي يهيمن على مخيّلة هؤلاء.
المصيبة في هذا كلّه أنّ تأييد الإدارة وتبرير ارتكاباتها هذه من شريحة كبيرة من مؤيديها يؤشّر على مقتل الروح الإنسانية المشتركة ومعها قيم الحق والأخلاق والحرية والكرامة. هذا ما نجده في ردود الأفعال على التهجير الطوعي الذي حصل مع طلاب الجامعات الدروز مثلاً، فالمشهد الذي صاحب الحدث يمرّ سريعاً دون انفعال عاطفي، شيء من التطبيع السيكولوجي مع المأساة، كما يحدث مع المشاهد القادمة من غزّة المستباحة، على أنّ تأملاً لخمس دقائق في هذا الحدث كفيل بإصدار صرخة تمزج الغضب والألم واللّوعة، لا على شباب الدروز بوصفهم دروزاً، بل على سورية التي نعرفها، بحُلوها ومُرّها. لكن للأسف الحالة أخطر من ذلك بكثير، فمشهد التهجير الجماعي "الطوعي" للطلاب الدروز لم يكن مجرّد مشهد طبيعي لا يستحقّ التفاعل، بل كان مشهداً أخرج من صدور الكثيرين أقذر ما في ذواتهم من حقد وشماتة وانعدام الوطنيّة.
الأمر ذاته حصل أخيراً مع عودة أخبار اختطاف فتيات سوريات علويّات، فعدا عن الإنكار والتبرير والتشفّي، لم يستنكر أحد من هؤلاء رؤية إحدى الفتيات وهي ترتدي زيّاً لا ينتمي لا لتاريخنا ولا إلى ثقافتنا ولا حتى للإسلام الصحيح. من فعل ذلك، أي من أجبَر هذه الفتاة على هذا المظهر وأراد عرضه على الملأ في قريتها وبين جماعتها وأهلها، يعرف جيداً قيمة الصورة والرّمز على إرسال الرسالة، وهي رسالة بأنّ جماعة نافذة من المحسوبين على الإدارة يتمتعون بصلاحية مطلقة لفعل ما يريدون، وأنهم غير معنيين بكل ما يجري في البلاد من نقاشات سياسية أو خطط للمستقبل، فهذا جزء من تقيّة سياسية بالنسبة للفاعلين على الأرض من رجال هيئة تحرير الشام وحلفائها. وعلينا ألا نغشّ أنفسنا بالقول إنّ الشريحة الممسكة بالحكم في الهيئة منشغلة في البحث عن شرعيّتها في الخارج، فهي تعلم علم اليقين ما يحدث، خاصة وأنّ ذريعة فوضى الأيام الأولى من التحرير لم تعد ذات جدوى في هذا المجال.

Read Entire Article