ARTICLE AD BOX
تضاعفت أعداد المصابين بسوء التغذية في قطاع غزة منذ إعادة الاحتلال إغلاق المعابر الحدودية، ومنعه إدخال المساعدات الإغاثية ضمن سياسة تشديد الحصار.
لم يعد سوء التغذية مجرد حالة طبية شائعة في قطاع غزة، بل تحول إلى واقع مؤلم ناتج عن استمرار العدوان الإسرائيلي على القطاع على امتداد أكثر من 19 شهراً، حيث يلتهم أجساد الأطفال والكبار ببطء، ويهدد المستقبل حال استمرار عدم توفر الأغذية الملائمة.
وتزداد مخاوف العائلات الفلسطينية على حياة أطفالها المصابين بسوء التغذية في ظل الانهيار شبه الكامل للمنظومة الصحية في قطاع غزة مع استمرار إغلاق المعابر ومنع إدخال الأدوية والمعدات والمستلزمات الطبية، فيما تحذر مؤسسات حقوقية دولية من تداعيات سوء التغذية الذي يؤدي إلى وقوع وفيات شبه يومية بين الأطفال.
ووفق إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن أكثر من مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد في القطاع نتيجة نقص الغذاء وشح المياه، وتدهور أوضاع المنظومة الصحية.
داخل قسم الأطفال بمستشفى أصدقاء المريض في مدينة غزة، ترقد الطفلة نجوى حجاج (6 سنوات)، وقد بدا جسدها كأنه "هيكل عظمي" نتيجة إصابتها بسوء التغذية الحاد، وتتراجع حالتها الصحية مع مرور الأيام في ظل عدم توفر الأغذية التي تحتوي على البروتينات والفيتامينات اللازمة لعلاجها.
تقول والدتها إسلام حجاج لـ "العربي الجديد": "تعاني نجوى من عدة أمراض منذ ولادتها، أبرزها التقيؤ المستمر عند تناول أي أطعمة، وظلت تلك الحالة مرافقة لها طوال عمرها، وخلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تدهورت حالتها، وأُصيبت بمرض سوء التغذية بفعل عدم توفر الغذاء المناسب لها. وزن نجوى لا يتجاوز 7 كيلوغرامات، ما دفع الأطباء إلى إبقائها في المستشفى من أجل متابعة حالتها الصحية، حيث تُعطى حليباً علاجياً وبعض المكملات الغذائية والبسكويت المدعم بالفيتامينات، لكن تحسن حالتها الصحية لا يزال ضعيفاً".
وتوضح حجاج أنها تعاني كثيراً لتوفير الغذاء اللازم لعائلتها، إذ لا تتوافر أية فواكه أو خضروات تدعمهم بالبروتينات والفيتامينات، ويتناولون يومياً طعاماً مكوناً من معلبات سمك التونة والفاصوليا والأرز.
يحتاج أطفال غزة إلى المكملات الغذائية لتجاوز سوء التغذية الحاد
تتكرر المعاناة ذاتها مع الطفلة مايا الداعور (7 سنوات)، وتقول والدتها آلاء الداعور لـ "العربي الجديد": "طفلتي تعاني من نقص كبير في التغذية، وتحتاج إلى تناول اللحوم والخضروات والفواكه، والأغذية التي تحتوي على الفيتامينات والبروتينات، ما جعلني أتوجه بها إلى المستشفى لإجراء الفحص الخاص بسوء التغذية، خاصة بعدما ظهر عليها العديد من الأعراض المرضية، مثل الصداع الشديد، وانسداد الشهية بسبب النظام الغذائي القائم على المعلبات التي لا تسمن ولا تُغني من جوع، ولا تساعد في نمو الأطفال. بعد إجراء الفحوص الطبية تبين أن مايا تعاني من سوء تغذية حاد".
تحمل الفلسطينية صابرين دغمش بين يديها طفلتها ورود التي لم تتجاوز العشرة أشهر، وتنتظر دورها لمراجعة طبيب التغذية في مستشفى أصدقاء المريض، وتقول إن طفلتها خسرت أكثر من نصف وزنها، وأصبح وزنها لا يتجاوز 3 كيلوغرامات. وتوضح لـ "العربي الجديد": "لا نملك أية أنواع من الأكل المفيد في البيت، ووضع زوجي الاقتصادي صعب، ولا نستطيع توفير أية أصناف من الخضروات، وهي أصلاً نادرة في الأسواق، وحين توفرها تكون أسعارها جنونية، لذا أضطر إلى متابعة أطباء سوء التغذية من أجل الحصول على بعض الحليب والمكملات الغذائية والبسكويت وزبدة الفستق، حتى تتحسن حالة طفلتي الصحية".
وبصوت تملؤه الحسرة والألم تحكي دغمش: "لا يوجد في الأسواق بيض أو لحوم أو فواكه أو خضروات، ولا يوجد ما يناسب إطعام طفلتي المصابة بسوء التغذية، وإن توفر بعضها تكون الأسعار مرتفعة، ولا نقدر على شرائها".
بدورها، تقول حنين عايش والدة الطفل وسيم (6 سنوات)، إنها لاحظت على طفلها حالة من الضعف العام والهزال، وبات وجهه شاحباً يميل للون الأصفر، عدا عن عدم وجود أي قابلية لديه لتناول الطعام كبقية إخوته. تضيف لـ "العربي الجديد": "توجهت إلى إحدى المؤسسات الطبية الخاصة لإجراء فحص طبي لطفلي، فتبين أنه يعاني من سوء تغذية، وقد فقد من وزنه أكثر من 3 كيلوغرامات بسبب قلة تناوله للأطعمة التي تحتوي على الفيتامينات والبروتينات، مثل الخضروات واللحوم والفواكه، لذا أضطر إلى إطعامه القليل من حبات التمر المتوفرة في البيت".
تتابع: "لا نستطيع شراء الخضروات القليلة المتوفرة في الأسواق، حيث يفوق سعر الكيلو الواحد منها 25 شيكلاً، وقد زودتني العيادة التي توجهت إليها بالبسكويت المدعم بالطاقة، وبعض الفول السوداني وزبدة الفستق، وجميعها تُعتبر ضمن المكملات الغذائية، في محاولة للحفاظ على عدم تردي حالته الصحية".
ترقد الطفلة سلام أبو وادي (4 أشهر) في قسم مبيت الأطفال بمستشفى أصدقاء المريض منذ ستة أيام، وتقول والدتها نسمة لـ "العربي الجديد": "وزن ابنتي انخفض إلى أقل من 3 كيلوغرامات، ما دفعني لفحصها في قسم سوء التغذية، وتبين بالفعل أنها تعاني من سوء تغذية حاد. كل يوم ينزل وزن سلام أكثر، حتى أصبحت تظهر بعض عظام الصدر من جسدها. هي ترضع الحليب الطبيعي، لكنها لا تستفيد منه كثيراً كوني لا أتناول أغذية مفيدة تصلح لتغذية ابنتي بشكل سليم".
ويذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، أن عدد الأطفال الذين يتلقون العلاج بسبب سوء التغذية في قطاع غزة ارتفع إلى 3600 طفل، مقارنة بـ 2000 طفل خلال شهر إبريل الماضي.
ومنذ بداية العدوان في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، جرى توثيق استشهاد 52 فلسطينياً بسبب سوء التغذية وسياسة التجويع، غالبيتهم من الأطفال، وفق المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة.
وتؤكد اختصاصية التغذية وطب الأسرة في مستشفى أصدقاء المريض، الطبيبة ياسمين الحلو، أن "هناك زيادة ملحوظة في أعداد الأطفال المصابين بسوء التغذية من جراء استمرار إغلاق المعابر ومنع إدخال الأغذية والمساعدات الإغاثية". وتوضح لـ "العربي الجديد": "نواجه زيادة أعداد الحالات يومياً، والأطفال أقل من خمس سنوات هم الفئة الأضعف، إذ لا تتوفر لهم أبسط أساسيات الغذاء، مثل الحليب والطحين والخضار والفواكه، إضافة إلى عدم قدرة الأسر على شراء المتوفر من هذه الأصناف، كما أن الصدمات النفسية تزيد الطين بلّة".
وتضيف الحلو: "بعض الأطفال يأتون بأعراض متقدمة، مثل التورمات الناتجة عن نقص البروتين الشديد، ما يشير إلى دخولهم مرحلة خطرة تهدد حياتهم، وقد تفشت أمراض سوء التغذية في القطاع منذ اندلاع الحرب، وزادت عقب استئناف الحرب من الثامن عشر من مارس الماضي. أبرز أعراض سوء التغذية تشمل شحوب الوجه، والهزال الشديد، والضعف العام، وفقدان التركيز، وكثرة النوم، وقلة الحركة، وفي بعض الأحيان يأتي الطفل بمضاعفات مرضية مثل الإصابة بالنزلات المعوية، أو ارتفاع درجة حرارة الجسم".
وتشدد على أن "الأطفال يحتاجون لتناول أطعمة تحتوي على البروتينات والفيتامينات، مثل الخضروات والفواكه واللحوم، وأن هناك أطفالاً ولدوا خلال الحرب، ولم يتناولوا أياً من تلك الأصناف اللازمة لنمو أجسادهم. نحاول توفير أطعمة بديلة للأطفال المصابين بسوء التغذية، مثل المكملات الغذائية، وزبدة الفستق، والبسكويت عالي الطاقة، وجميعها مُفيدة لأنها تحتوي على عناصر غذائية قد تعوض الأطفال بعض ما فقدوه، لكنها تظل غير كافية، والأطفال بحاجة إلى توفير الوجبات الأساسية. استمرار إغلاق المعابر ينذر بتفشي أمراض سوء التغذية بشكل أكبر، خصوصاً في ظل شح كميات الحليب والأطعمة في الأسواق، ما يهدد حياة الكثير من الأطفال".
وكشف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في تقرير صحافي حديث، أن أكثر من مليون طفل في قطاع غزة يعانون من سوء تغذية حاد نتيجة الحصار الإسرائيلي المشدد، ما يزيد من هشاشة وضعهم الصحي في ظل انهيار شبه تام للخدمات الطبية، مما ينذر بوقوع وفيات بشكل يومي. وأشار المرصد إلى أن الاحتلال الإسرائيلي عمد خلال الأسابيع الأخيرة إلى تدمير ما تبقى من البنية التحتية الزراعية والغذائية في القطاع، الأمر الذي فاقم أزمة الإمدادات، وقطع سبل الإنتاج المحلي بشكل شبه كلي.
