"سماء بلا أرض" لأريج السحيري: محاولة لم تفارق المعتاد

7 hours ago 2
ARTICLE AD BOX

 

استناداً إلى وقائع حقيقية مسكوت عنها، أو يتمّ تجاهلها عمداً، مع أنّها طرحت نفسها بقوة بأشكال عدّة في المجتمع التونسي المعاصر، نسجت أريج السحيري خيوط "سماء بلا أرض"، المختلف في موضوعه، والجريء في تناوله قضايا الهجرة والمهاجرين والمهمّشين والمقيمين غير الشرعيين من أصحاب البشرة السمراء تحديداً. روائيّها الطويل الثاني هذا، بعد "تحت الشجرة" (2022) وأفلامٍ قصيرة عدّة، أول فيلم تونسي في تظاهرة "نظرة ما"، في الدورة الـ78 (13 ـ 24 مايو/أيار 2025) لمهرجان "كانّ"، وأول فيلمٍ عربي يفتتحها منذ 10 أعوام.

أنتجت حملات التحريض، في الإعلام والشارع، ضد مهاجرين من دول جنوب الصحراء الكبرى، كراهية وعنفاً. وأدّت التوترات الاجتماعية، الناشئة من خطاب الكراهية والخوف من الآخر، إلى اعتقالات تعسفية، وحالات طرد قسري. هذا لا يعني أنّ "سماء بلا أرض" يُسرف في السياسة الداخلية، أو في إدانة السلوك الاجتماعي مباشرة. بالعكس، السياسة بعيدة، وتوجيه الإدانات، إلى الشرطة والسلوك الاجتماعي، ليس حاضراً بافتعال، أو بشكل فجّ، بل في الخلفية فقط لخدمة السرد، ودفع الدراما إلى التحرّك والتطوّر والتعقّد.

تحاول الحبكة إعطاء صورة جديدة ومغايرة عن المهمّشين، خاصة المهاجرين أصحاب البشرة السمراء في المجتمع التونسي، وواقعهم الهشّ. كما تُثير شعوراً بعيش هذا الواقع المؤلم، ومعاينة الحياة في هذه التجمّعات المغلقة والمجهولة لكثيرين، بوصفها جزراً معزولة، أو عوالم موازية، يحمل أفرادها مخاوف تدفعهم إلى العيش في الظلّ، خشية بطش المجتمع والعسف الأمني. تتسنّى لنا معاينة هذه التعقيدات والعقبات، وما تحمله الشخصيات من طبقات إنسانية عميقة وهشّة، وبطريقة إنسانية تلامس المشاهدين بصدقها، مع ثلاث شابات يعشن معاً في منزل واحد.

ماري (لايتيتا كاي) قسيسة من ساحل العاج (كوت ديفوار)، وصحافية سابقة تعيش في تونس. ناشطة في مجال الرعاية بالمهمّشين الأفارقة. تهتمّ بأوضاعهم، وتُقيم قداديس تعينهم على تحمّل الصعاب، وتمنحهم عوناً روحياً ونفسياً وأمنياً. تستقبل ناني، مقيمة غير شرعية وأمّ شابة، تركت ابنتها الوحيدة في بلدها قبل ثلاث سنوات، سعياً إلى بداية جديدة طموحة، ورغبة ملحة في توفير اللازم لجلبها إلى تونس، ثم الهجرة إلى أوروبا. جولي (آسيا مايجا) طالبة جامعية، ومُقيمة شرعية، ذات إرادة قوية، تحلم بمستقبل كبير في الدراسة والهجرة للعمل بعد إكمال دراستها.

 

 

ثلاث شابات، تُلقي كلّ منهن الضوء على مشكلات وصعاب متعلّقة بالحياة اليومية وإيجاد لقمة العيش. يعشن في الخوف من الترحيل والتمييز والبطش وانتهاك الحقوق، والفيلم يُصوّر ما تعانيه أمثالهن في الهجرة والأحلام المحطمة. إليهن، تصل طفلة يتيمة، بعد نجاتها من غرقٍ، أفقدها أسرتها، فيضطررن إلى الاعتناء بها، وتعويضها خسارة عائلتها، رغم ظروفهن العسيرة.

تنطلق موضوعات أريج السحيري، بسبب اشتغالها فترة في الوثائقي، من الواقع، وسرد مشكلات إنسانية مريرة تخصّ المهمّشين، وتضفيرها في سرد خيالي، يضفي على القصص والشخصيات جمالاً وسحراً ومصداقية. لكنْ، يصعب أحياناً، فنياً، ضبط التوازن بين الواقعي والخيالي، حتى في التنفيذ والاشتغال التقني. يتقاطع في أفلامها، خاصة الطويلة، الاشتغال الوثائقي مع الروائي، وأحياناً يصعب الفصل بينهما، وإنْ كان للاشتغال الوثائقي تأثيره الظاهر والملموس، أقلّه في حركة الكاميرا الراصدة للشخصيات وتصرّفاتها وأفعالها.

السيناريو (السحيري وآنا سينيك ومليكة سيسيل لوات) يحاول تطوير حبكة ذات طرح مختلف، بفضل أداء تمثيلي جيد ومؤثّر، ومشاهد قليلة جيدة، تنطوي على تفاصيل إنسانية كاشفة. لكنّ الحبكة تغرق كثيراً في التفاصيل، التي لا تؤدّي إلى تطوّر السرد، والمضي نحو رصد عميق للأزمة. مثلاً، هناك تناول مستفيض لجلسات الصلاة المعقودة في الكنيسة/الشقة المستترة عن الأعين. هناك الخط الخاص بالصحافي الكفيف، والمشكلات مع مالك البيت، وتفاصيل أخرى تكرّرت، وأفضت إلى إطالة سردية غير ضرورية.

المشكلة الأكبر محاولة المضي، في نهاية الفيلم، بخيوط الحبكة إلى ما يوصف بنهايات معلومة سلفاً، بدلاً من ترك مصائر الشخصيات مُعلّقة تحت رحمة الظروف والأقدار. ما جعل الحبكة عادية ومُكرّرة، ذات شخصيات مألوفة، لا تكتسب أهميتها إلاّ لكون بشرتها مختلفة، واجتهاد السحيري في سبر مجتمع مغلق ومجهول وسري.

Read Entire Article