ARTICLE AD BOX

<p>الرئيس الأميركي دونالد ترمب في قصر الوطن بأبوظبي، 15 مايو 2025 (أ ف ب)</p>
وجه الرئيس الأميركي دونالد ترمب لغة حادة لطهران من أقرب مسافة للأراضي الإيرانية، من العاصمة السعودية الرياض، خلال أول زيارة خارجية رسمية بعد انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، فترمب الذي زار السعودية على رأس وفد سياسي واقتصادي كبير تحدث متناغماً مع مطالب الدول العربية التي تعمل لتنمية وإنعاش اقتصاداتها، فأشاد بالقيادة منقطعة النظير لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وكيف أنه استطاع تحويل الخلافات خلال الأعوام الثمانية الماضية إلى صداقة ويعمل على تقليل حدة التوتر، في إشارة إلى الأزمة الخليجية بين السعودية والإمارات والبحرين عندما قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، فقد شهدت السعودية خلال الأعوام الثمانية الماضية تطورات كثيرة، إذ عمل ولي العهد السعودي على تطبيع العلاقات مع قطر وباقي بلدان المنطقة، كما عمل على إعادة العلاقات مع تركيا وإيران بوساطة الصين.
وصل ترمب إلى السعودية في اليوم الذي وصل فيه أول فوج من الحجاج الإيرانيين لأداء مناسك الحج في السعودية، وأشاد بهذا النوع من القيادة منوهاً بالتنمية والتحديث الذي تشهده الرياض بصورة كبيرة، وكذلك الاستثمارات الأميركية في السعودية، وتطرق في جانب آخر من حديثه إلى إيران، فخاطب الشعب الإيراني وقارن بين الوضع في السعودية وإيران، وذكر أن المباني التي شيدت في إيران قبل الثورة تنهار واحدة بعد الأخرى، في حين نشهد تشييد مبان عملاقة هنا ونشهد التطور بصورة ملموسة.
وقال ترمب إنه "في الوقت الذي تنهار فيه المباني التاريخية في طهران بسبب الإهمال، تشيد ناطحات السحاب في جدة ودبي، في دلالة واضحة على الفرق بين مسارات التدمير والبناء".
وقع هذا الحديث الذي أطلقه ترمب كان علينا نحن الإيرانيين الحاضرين خلال خطابه أكثر مرارة، إذ تحدث عن الجفاف في إيران ومافيا المياه التي حولت أرضاً جميلة إلى أرض محروقة، وتحدث عن قطع تيار الكهرباء والطاقة بسبب الإدارة السيئة والتدهور الاقتصادي، ولا شك في أن العقوبات الأميركية والغربية تؤثر في انخفاض مستوى خدمات الطاقة وانهيار البنى التحتية، لكن السبب الرئيس في هذه الأزمة هو نهب ثروات الشعب الإيراني والإدارة السيئة للحكومة وإنفاق الموارد الوطنية لأهداف طائفية وسياسية خارج حدود البلاد.
توصف هذه العقوبات بأنها تؤدي إلى الشلل في البلاد وتدمر الاقتصاد والصناعة في إيران، لكن السبب الرئيس في تدمير إيران هو وجود حكومة أيديولوجية لم تدخر أي جهد منذ اليوم الأول في اتخاذ سياسات غير وطنية وتدمير إيران وثقافتها وهويتها الوطنية، وكان ترمب تحدث قبل أيام عن إمكان توجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت العسكرية والنووية الإيرانية إذا لم يصل إلى اتفاق مع طهران، لكنه خلال زيارته إلى الرياض التي حضرها الآلاف لم يتحدث عن الحرب وتحدث عن أقسى العقوبات والحظر ضد إيران، ويبدو أنه بعد المحادثات مع ولي العهد ومشاهدة التطورات المذهلة في السعودية، اقتنع بأن الطريقة المثلى لمواجهة تهديدات النظام الإيراني وتصرفاته التي لا تنطبق مع العالم وإرادة الشعب الإيراني هي فرض العقوبات التي تؤدي إلى شلل النظام والتي قد تؤدي إلى إسقاط النظام.
نعلم أن العقوبات تجلب مصاعب لعشرات ملايين الإيرانيين، لكن هناك تحليلاً منطقياً يقول إن الضغوط الداخلية والأزمات الداخلية والقلاقل الاجتماعية التي تتجلى في التظاهرات والتجمعات الاحتجاجية تؤدي إلى إسقاط النظام، وفي حين أن النظام الإيراني يهدد بلدان المنطقة بالمواجهة إذا ما شنت الولايات المتحدة الأميركية هجوماً ضده، فإنه يبدو أن ترمب ألغى خيار المواجهة العسكرية ودعم حلفائه الإقليميين، وقد سلب من النظام الإيراني إمكان إيجاد أزمة إقليمية كبيرة.
لقد تحدث مسؤولو النظام الإيراني مراراً أنه إذا ما وقع هجوم أميركي ضدهم فإنهم سيستهدفون القواعد الأميركية في المنطقة، فالهجوم العسكري الإيراني على القواعد الأميركية في قطر والبحرين والإمارات من شأنه أن يؤثر في الاقتصاد والاستثمار في منطقة الخليج وإسرائيل، ويعطل دورة التنمية والتطور في هذه البلدان، فإيران التي كانت خلال فترة ليست ببعيدة تؤدي أدواراً مهمة في التطور والتنمية والاستقرار في المنطقة، توصف الآن بأنها السبب الرئيس لعدم الاستقرار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نعلم أن الشعب الإيراني لا يرحب بالاتفاق المحتمل بين أميركا والنظام الإيراني، ويعتبر ذلك سبباً في إطالة عمر النظام الذي يعمل منذ 46 عاماً، لا لتدمير البلاد وبث الخلافات في الداخل وحسب، بل ببعثرة الاستقرار والثبات في المنطقة، وربما يؤدي الاتفاق إلى احتواء البرنامج النووي لكن لا يمكن تصور احتواء سلوك هذا النظام وإيجاد تغييرات جذرية في البلاد، وعلينا ألا نخشى من قول الحقيقة والواقع، فربما يصل الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى منع إيران من إنتاج أسلحة نووية، لكن هذا الاتفاق لا يؤدي إلى تغيير سلوك النظام في الداخل.
يجب أن ندرس مدى تأثير هذا الاتفاق في المواطنين في الداخل ومدى قبوله من جانب المواطنين وتحملهم استمرار النظام، فاليقظة والتوعية التي يتمتع بها الشعب الإيراني ونهضتهم الوطنية من أجل الاحتفاء بميراثهم الوطني وتراثهم وحضارتهم الممتدة من آلاف السنين لها أثر أقوى من العقوبات الأميركية على النظام الإيراني.
الإيرانيون الذين هاجروا خلال العقود الأربعة الماضية إلى الولايات المتحدة الأميركية ويصل عددهم إلى مليونين يعدون ضمن الجاليات الأكثر نجاحاً ورفاهاً في العالم، لكن هذه الجالية الموفقة لم تدخل المجال السياسي ولم تتدخل في التأثير في أفكار السياسيين الغربيين، وليست لدينا شخصية من أصول إيرانية مؤثرة في الحزبين الجمهوري والديمقراطي داخل الولايات المتحدة الأميركية، مثلما لأفغانستان زلماي خليل زاد الذي التحق بالإدارة الأميركية وأدى أدواراً مهمة، إن كانت صائبة أو خاطئة، في إقرار السياسات الأميركية الشاملة، وهذا الخطأ في فهم ومعرفة أصحاب القرار في الإدارة الأميركية يقدم صورة خاطئة عن الشعب الإيراني والإيرانيين، ولذلك فعلى الشعب الإيراني أن يتحرك بنفسه من أجل الحفاظ على التراث الوطني.
في خطابه الثلاثاء الماضي رسم ترمب المسار الذي يفضله مع حلفائه خلال الأعوام الأربعة المقبلة وما بعدها، وقال إن هذه الأرض تمثل مركزاً للعالم، وكان كلامه مهماً وصائباً.
الشرق الأوسط يعد قلب العالم ويضم تراثاً وحضارة عريقتين، ويتمتع بموقع منقطع النظير من ناحية الجيوسياسية والجغرافية، ويجب على إيران أن تؤدي دوراً تاريخياً ومؤثراً في هذه المنطقة، وفي حال عدم حدوث ذلك فإنها ستكون خارج المسار الذي رسم في المنطقة وتعد تهديداً يجب احتواؤه والقضاء عليه.
وخلال اليوم الثاني من زيارة ترمب عقد الاجتماع المشترك الخامس بين الولايات المتحدة الأميركية ومجلس التعاون الخليجي في الرياض، وكانت قضايا الأمن والاقتصاد وإيران وغزة من أهم المواضيع خلال هذا الاجتماع، ونظراً إلى سياسات إيران التدميرية فإنها كانت حاضرة خلال الاجتماع، لا كشريك في التنمية والرفاه بل كتهديد أمني، إذ طُرحت أسئلة مثل كيف يمكن التعامل مع النظام الإيراني في المنطقة؟ وإلى أين وصلت المفاوضات النووية بين إيران وأميركا؟ وماذا يجب أن نفعل من أجل خفض نفوذ الميليشيات المتحالفة مع إيران؟
ترمب ينوي أن يخطو خطوة مهمة من أجل حل قضية الفلسطينيين وإسرائيل وإنهاء هذه الأزمة في المنطقة، إذ تسبب هذا التحدي في تصاعد نشاط مجموعات إرهابية وميليشيات وحكومات على حساب هذه القضية، ومن خلال الاستقرار والهدوء فإن الاستثمارات الأميركية في المنطقة والاستثمارات العربية في أميركا تصل إلى النجاح، و600 مليار دولار استثمار مشترك خلال الأعوام الأربعة المقبلة، و142 مليار دولار من العقود التسليحية بين أميركا والسعودية ليست أرقاماً قليلة، ولا يمكن غض الطرف عنها بسهولة.
الاقتصاد والرفاه له أولوية قصوى في العالم، ومن يتأخر عن هذه القافلة سيواجه الزوال والفناء، ويجب أن نعلم أننا نعيش في عصر جديد ونشهد التنمية والانعاش الاقتصادي في لبنان وسوريا والعراق وحتى اليمن، فترمب ينوي إيجاد السلام والهدوء في المنطقة، و النظام الإيراني يعتبر من وجهة نظرنا نحن الإيرانيين أكبر تهديد في المنطقة.
نقلاً عن اندبندنت فارسية