ARTICLE AD BOX
حققت الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الرومانية، أمس الأحد، مفاجأة سارة للتيار المؤيد للاتحاد الأوروبي، بعد أن هزم الفائز الوسطي نيكوسور دان مرشح اليمين القومي المتشدد جورج سيميون. ويشكل فوز رئيس بلدية بوخارست نيكوسور دان (55 عاما، وعالم رياضيات تخرج من جامعة السوربون في باريس) على جورج سيميون (38 عاما)، الموصوف بأنه ترامبي ويميني قومي متشدد، انقلابا على نتيجة الجولة الأولى في الرابع من مايو/أيار الحالي.
وفي تلك الجولة، حقق سيميون فوزا بنحو 41% على نيكوسور دان، الذي حل ثانيا بنسبة 21%. وفي جولة الإعادة أمس الأحد، انقلبت النتيجة بتحقيق دان نحو 54%، فيما خسر الترامبي سيميون بتحقيقه 46%، وبفارق نحو 900 ألف صوت بين الطرفين. وحاول سيميون بخطاب شعبوي استثارة مؤيديه بعدم اعترافه بالنتيجة، لكنه اضطر فجر اليوم الاثنين للاعتراف بفوز منافسه دان.
وبمثل هذه النتيجة، التي حققها دان، ينتشر شعور الارتياح بين تيار الوسط السياسي الروماني المؤيد للاتحاد الأوروبي. وكذلك عند ساسة عاصمة مقرات المعسكر الأوروبي، بروكسل، فالأخيرة كانت تخشى فوز سيميون وتياره المتشدد. وعبرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين عن سعادتها لاختيار الرومانيين "رومانيا منفتحة ومزدهرة في أوروبا قوية"، كما كتبت في منشور لها على موقع إكس.
إن ما كانت تحتاجه القارة في مواجهة تحديات وحدة مواقفها من توتر العلاقة بالحليف الأميركي هو فوز من يوصف بالترامبي في رومانيا، جورج سيميون، حيث كان يمكن لذلك الفوز أن يساهم في تعزيز مواقف التيار الأوروبي القومي المتشدد، وتحديدا بوجود قادة أوروبيين آخرين يحملون تقريبا مواقفه نفسها، مثل رئيس الحكومة المجري فيكتور أوربان، والسلوفاكي روبرت فيكو، ومترددين آخرين في العلاقة بأوكرانيا وروسيا والولايات المتحدة. ومسارعة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في التعبير عن ارتياحه لفوز نيكوسور دان يعبر عن حالة القلق من توسع رقعة التيار الأوروبي المتردد في بقاء المساعدات إلى كييف.
وأكد الرئيس المنتخب دان أهمية هذا الفوز بالنسبة لأوروبا قبيل انطلاق الجولة الثانية، أمس الأحد، باعتبارها معركة بين "رومانيا موالية للغرب ورومانيا معادية له". ونجح خلال الأسبوعين الأخيرين بحشد عدد كافٍ من الرومانيين الراغبين في الحفاظ على نهج بلادهم السابق المؤيد لأوروبا. وهو ما أعاد التأكيد عليه في جوابه عن تهنئة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
فوز في مواجهة تحديات كثيرة
وعلى الرغم من هذا الفوز، فإن هذا البلد الأوروبي الأفقر في الاتحاد الأوروبي يواجه أصعب الأوضاع منذ سقوط حكم نيكولاي تشاوشيسكو في نهاية 1989، فحالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي تعتبر من التحديات الداخلية الكبيرة، والانتخابات الرئاسية التي انتهت أمس الأحد جاءت بعد إلغاء المحكمة الدستورية الانتخابات الرئاسية الأصلية في ديسمبر/كانون الأول، إثر مزاعم بحملة نفوذ روسية لصالح الفائز اليميني المتطرف، المتهم بأنه موال للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كالين جورجيسكو، الذي مُنع لاحقا من الترشح في جولة الإعادة، ما عزز مواقع الاحتجاج اليميني المتشدد، وهو ما فتح الباب أمام محاولة الأميركيين الدخول على الخط لصالح اليميني المتشدد جورج سيميون. واعتبر نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس أن إلغاء تلك الانتخابات كانت محاولة من القوى الأوروبية التقليدية لإسكات المعسكر اليميني في رومانيا، وأنها مؤشر على "تراجع الديمقراطية في أوروبا".
وتحقيق سيميون نتيجة 46% أمر لا يمكن تجاهله من الطبقة السياسية التقليدية، فتياره اليميني المتشدد في حزب التحالف من أجل وحدة رومانيا تشكّل أساسا بوصفه حالة احتجاجية في 2019، واكتسب شعبية بعد ظهور استياء واسع النطاق بين السكان من الأحزاب الحاكمة التقليدية، والمتهمة بأنها "غارقة في الفساد". الرئيس الجديد نيكوسور دان، الفائز بـ54%، يدرك عمق الاستقطاب في بلده، فدعا على الفور إلى "الحوار لا الكراهية"، بعد تأكيده على استمرار لعب رومانيا دورها الإيجابي في سياق أوروبي و"أطلسي". ويأمل الرئيس الجديد أن يساعده التيار الوسطي الروماني، الذي منحه أصوات المنسحبين من الجولة الأولى، في إيجاد مخارج لبعض مشاكل البلد.
وتعاني رومانيا من أكبر عجز في الميزانية بين دول الاتحاد الأوروبي، وكذلك من انتشار حالة الإحباط بين المواطنين السكان بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، مع تزايد انتشار الفقر وانخفاض القوة الشرائية، وضعف آفاق المستقبل في البلاد. وساهمت تلك التحديات مع غيرها في الأشهر الستة الماضية في اضطراب الأوضاع السياسية والاقتصادية، ما أدّى إلى استقالة رئيس الوزراء مارسيل تشيولاكو في وقت سابق من الشهر الحالي. وإيجاد رئيس وزراء جديد، من خلال التفاوض على أغلبية كافية في البرلمان، والتعامل بالوقت نفسه مع المشاكل الاقتصادية في البلد، يعد من أولويات الرئيس الجديد نيكوسور دان.
ومساء أمس الأحد، خاطب الرجل أنصاره عن تلك المصاعب قائلا: "ستكون هناك أوقات عصيبة قادمة، وسيكون الانتعاش الاقتصادي ضروريا لإرساء أسس مجتمع سليم. نرجو منكم التحلي بالأمل والصبر". فالصبر والأمل ربما يحتاجان قريبا لأيادي بروكسل الأوروبية، حتى لا تفقد هزيمة اليميني المتشدد جورج سيميون معناها.
