ARTICLE AD BOX
خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، كان جون كيربي (المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي) أسوأ من أنتوني بلينكن، والأخير وزير خارجية لم يجد من يقرّعه في إدارته ولا في الكونغرس بغرفتَيه، عندما أعلن أنه لم يزر إسرائيل غداة "طوفان الأقصى" بصفته وزيراً للخارجية فقط، بل بصفته يهودياً أيضاً، وكان الظنّ أن هذا قعر السوء والانحياز الفجّ من الإدارات الأميركية على الإطلاق، إلى أن جاء ماركو روبيو، وهو يتحدّر من عائلة كوبية مهاجرة بالغة الفقر والعوز، ما يفترض بك أن تتوقّع منه تعاطفاً مع المضطهدين أو من يرزحون تحت الاحتلال، لكن الرجل، الذي ما زال يناصب هافانا العداء، بزّ الاثنين معاً (كيربي وبلينكن)، والخشية أن يتطوّع في الجيش الإسرائيلي لإثبات انتمائه "الأبيض" لإسرائيل، التي لم تتوقّف منذ 7 أكتوبر (2023) عن رشق الغزّيين بالورود، فيقابلونها بالصراخ والشكوى ويدّعون الاضطهاد، بل وصل الأمر بهم إلى ادّعاء التعرّض لمجازر مفتوحة، سقط فيها أكثر من 51 ألف شهيد وما يزيد بكثير عن مائة ألف مصاب، ناهيك عن الدمار غير المسبوق في تاريخ الحروب، الذي فاق وضع المدن الألمانية في الأيّام الأخيرة للحرب العالمية الثانية.
تسأله شبكة "سي بي إس" عمّا إذا كان قصف إسرائيل أحد مستشفيات غزّة وقتل 70 مدنياً يعني عدم اكتراثها بقتل المدنيين، فينفي، ويقفز إلى الخلاصة التي يريدها، وهي تحميل حركة حماس المسؤولية، فإذا استسلمت وتخلّت عن أسلحتها وأفرجت عن الرهائن "يمكن أن تنتهي الحرب في غزّة". لكن ماذا عن توقف إسرائيل نفسها عن القصف، مراعاةً لترامب الذي أمل بشيء من هذا القبيل خلال زيارته الرياض والدوحة وأبو ظبي؟... ليس سؤالاً يمكن أن يُوجّه إلى روبيو، بل إلى رجل مثل ستيف ويتكوف، وهو أقلّ درجةً بروتوكولياً من روبيو، لكن أكثر تورّطاً في المفاوضات، وعلى قليل من الإنصاف مقارنة بروبيو.
الأخير أقلّ من وزير خارجية عملياً، فكثير من صلاحياته يقوم بها ويتكوف وترامب نفسه، وربّما لهذا (ولأسباب أخرى) تبدو دبلوماسيته أقلّ انسجاماً ممّا يفترض مع التيّار العام الذي يقوده الرئيس الأميركي، وهو تيّار ليس متّسق الحركة ومفاجئ وعلى كثير من الانعطافات، ما يعني أن روبيو يعزف في فندق آخر في تلّ أبيب، خصوصاً في شأن قطاع غزّة، في حين يبدو أن نائب ترامب، جي دي فانس، أكثر حساسية إزاء التساوق مع حركة رئيسه، وكذلك الأمر مع ويتكوف، ففانس ألغى زيارةً كان يعتزم القيام بها إلى إسرائيل (الثلاثاء الماضي) كيلا توحي بأن إدارة ترامب تؤيّد بنيامين نتنياهو بشأن عملية كبرى في غزّة، بينما هي (إدارة ترامب) تسعى لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، على ما نقل موقع أكسيوس عن مسؤول أميركي كبير.
هل ثمّة انقسام في صفوف إدارة ترامب إزاء "إجبار" نتنياهو على وقف النار؟... سواء كانت الإجابة بنعم أو لا، فثمة شعور بالإهانة من خذلان رئيس الوزراء الإسرائيلي ترامب في الأيّام القليلة الماضية، فقد كان ثمّة ما يشبه الاتفاق على أن تطلق حركة حماس سراح الأسير الأميركي الإسرائيلي عيدان ألكسندر، خلال زيارة ترامب المنطقة، في بادرةَ حسن نيّة من الحركة، وبما يمنح الرئيس الأميركي نصراً إعلامياً يقول إنه أتى بما لم يأته الأوائل، مقابل السماح بإدخال المساعدات (بعضها) وإبداء تلّ أبيب بعض الليونة في مفاوضات وقف النار وتبادل الأسرى، لكن نتنياهو ضنّ على ترامب حتى بهذه. والظنّ أن روبيو لا يعلم، ولكنّه ربّما لا يشعر بأيّ إهانة. وهذا شأنه، ولكن ليس شأن منصبه الذي يفترض به الانسجام مع حركة إدارة رئيسه، وترك مساحة من الغموض على الأقلّ في هذه المرحلة، لا الظهور بمظهر الشرطي السيئ دائماً، وكأنّ هذا إنجازه الوحيد، فماذا لو كان انقلاب ترامب على نتنياهو وتهميشه حقيقياً؟ وماذا لو فعلها وأصرّ على دفع مقابل من نوع ما لدول الخليج التي استقبلته ووقّعت معه اتفاقيات بمئات المليارات، باتخاذ موقف يتسم بتوازن من أيّ نوع أو درجة إزاء المقتلة المفتوحة في قطاع غزّة؟ هل سيطلب روبيو اللجوء السياسي إلى تلّ أبيب؟ عليه أن يتعظ من مآلات بايدن وإدارته التي لا يترك نتنياهو فرصة إلا ويهجوه فيها.
