رفعت طربيه: جسد شكسبير الحي وصوت الثقافة في قلب بيروت

1 day ago 5
ARTICLE AD BOX

قدّم الفنان والممثل رفعت طربيه عرضًا مسرحيًا مميزًا لمسرحية "هاملت الأمير المجنون" على خشبة السراي الكبير في بيروت، وسط حضور رسمي رفيع المستوى، بدعوة من رئيس الحكومة نواف سلام وعقيلته، وبحضور نائب رئيس الحكومة طارق متري، ووزير الثقافة غسان سلامة، إلى جانب حشد كبير من المثقفين والشخصيات الثقافية والسياسية.

في زمن تزداد فيه التحديات السياسية والاجتماعية، وتبرز الأصوات المنتقدة لفكرة إقامة العروض الثقافية في فضاءات رسمية مثل السراي الكبير، يؤكد هذا العرض أهمية الثقافة، ليس كترف أو تسلية، بل كنبض حياة ورأس مال حقيقي لأي مجتمع ينشد التقدم والنهضة. عبر التاريخ، كانت الفنون والمسرح أدوات فعالة في مقاومة التخلف وتغيير العقلية الجامدة، من مسارح اليونان القديمة التي كانت منصات للنقد الاجتماعي والسياسي، إلى الحركات الثقافية التي أرست دعائم النهضة الأوروبية ونضالات الفنانين في دول الجنوب.

في لبنان، كما في كثير من بلدان العالم، تلعب الثقافة دورًا محوريًا في تعزيز الهوية الوطنية وفتح آفاق للحوار البناء بين مختلف الأطياف. إن الاحتفاء بالعروض المسرحية في فضاءات وطنية مثل السراي الكبير ليس تضييعًا للوقت أو الموارد، بل استثمار في بناء ذهنية جديدة منفتحة على التطور والابتكار، تغرس قيم الحرية والتسامح والإبداع، لتكون نقطة انطلاق لأي نهضة حقيقية.

هاملت: رحلة من الدنمارك إلى بيروت

تتناول المسرحية الأصلية التي كتبها وليم شكسبير في القرن السابع عشر قصة أمير الدنمارك الذي يغرق في شكوك عميقة بعد مقتل والده وزواج والدته من عمه القاتل. في نسخة رفعت طربيه، تحولت القصة إلى تأمل داخلي مكثف يحمل أبعادًا شخصية، فكرية، وسياسية، مستوحاة من الجراح الاجتماعية والسياسية اللبنانية.

أوضح الممثل العريق رفعت طربيه في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "هاملت" لها تاريخ عريق في لبنان، حيث قدمها أمين الريحاني قبل 125 عامًا في منطقة الفريكة باللغة العربية، وتبعتها عروض أخرى في الستينيات من القرن الماضي مع منير أبو دبس في جبيل، إضافة إلى نسخة تلفزيونية في سبعينيات القرن الماضي كانت بمثابة انطلاقته التمثيلية. وأضاف: "أنا أتحدى نفسي اليوم، ألعب شكسبير بنضج عمر 76 عامًا وبعمق أسئلة الموت والحياة والانتقام والخيانة".

ووجه طربيه الشكر لرئيس الجمهورية على منحه وسام الاستحقاق، مؤكداً أن هذا الوسام هو لكل العاملين في المسرح، الأحياء منهم والأموات، مضيفًا: "رأسمال لبنان الحقيقي هو الإنسان المبدع، فقط أعطونا ستة أشهر من السلام ولسنا بحاجة لقروض من أحد. وقصة طائر الفينيق اللبنانية حقيقة وليست أسطورة".

لينا أبيض: إخراج يصنع المعنى من الصمت

تقدمت المخرجة لينا أبيض بالعرض نحو فضاء تلتقي فيه السياسة بالشعر، حيث تصبح "هاملت" أكثر من قصة رجل، بل مرآة لبلد يبحث عن خلاص من العبث والفساد. اعتمدت أبيض على سينوغرافيا تقشفية تركز على الجسد والصوت، مستبعدة الزينة، لتعزيز البعد التأويلي للنص بدل محاكاته الحرفية.

رفعت طربيه: جسد يتحدث بلغة الشقاء والفكر

في أداء منفرد متميز، يحمل طربيه عبء عدة شخصيات من النص، بما في ذلك هاملت وشبح أبيه، بأسلوب سردي متداخل، حيث تتناوب الأدوار وتتشابك الأحلام والكوابيس. لا يسعى إلى التقليد، بل إلى استحضار النص، الذاكرة، والصراع الداخلي من خلال صوته المتكسر، جسده المنحني، وصمته العميق، ليعيد تشكيل النص الشكسبيري في قالب تجريبي حميمي.

بين النص والتأويل: "هاملت" التي نعيشها

المسرحية ليست اقتباسًا حرفيًا، بل إعادة كتابة من داخل النص، حيث يتداخل نص شكسبير مع تأملات طربيه وأصداء الواقع اللبناني. هنا لا يصبح سؤال "أن نكون أو لا نكون" مجرد استفسار فلسفي، بل صرخة شعب محاصر أمام غياب العدالة والحرية.

تكريم واحتفاء وطني

في لحظة مهيبة على خشبة السراي الكبير، كُرّم رفعت طربيه بتقليد وسام الاستحقاق الوطني من رئيس الجمهورية، تقديرًا لمساهماته الفنية في إحياء التراث المسرحي العالمي وتقديمه بلغة فنية معاصرة تعبّر عن نبض المجتمع. وحضر التكريم عدد من الشخصيات الرسمية والدبلوماسية، ما أضفى على الحفل بُعدًا ثقافيًا ودبلوماسيًا مميزًا، إذ كان هذا العرض أول تمثيل يُقام في السراي الكبير، مؤكدًا مكانة المسرح باعتباره فضاء للفن الراقي والرسائل الوطنية.

 

 

Read Entire Article