تأسّست الجامعة العربية عام 1945م بإعلان ميثاق عمل مشترك اتفقت عليه سبع دول عربية، ليؤشر هذا التأسيس إلى ولادة النظام السياسي العربي بوصفه إطاراً جامعاً مفترضاً للعمل العربي بمجالاته المختلفة، وفي الطليعة المجال السياسي.
المجال أفرز بدوره ما بات يُطلق عليها مؤسّسة القمة العربية، لتضعنا القمة أياً ما تكون ومنها قمة بغداد الحالية، أمام مسارين، الأول هو النظام السياسي العربي بنفسه، والآخر هو القمة العربية بوصفها واحدة من أبرز تجليات هذا النظام وأدواته.
كثيرون قد لا يعرفون بأن العراق هو من بين الدول السبع المؤسّسة للجامعة العربية، بالإضافة إلى لبنان واليمن وسوريا ومصر والسعودية وإمارة شرق الأردن.
وفي غضون المقدّمات التأسيسية للجامعة العربية في أدوارها المتعدّدة، بحثاً عن إطار أو محور أو نظام للعمل العربي المشترك، اقترح الوفد العراقي إلى مفاوضات التأسيس، تسمية الرابطة المؤسّسية المقترحة: “الاتحاد العربي”، فيما اقترحت سوريا عنوان: “التحالف العربي” ليفوز المقترح المصري الذي اختار اسم: “الجامعة العربية” هذه الجامعة التي أُعلن عنها فعلاً بتأريخ 22 آذار 1945م، وهي تضمّ الدول العربية السبع المستقلة وقتها؛ العراق ولبنان وسوريا والسعودية والأردن ومصر واليمن، قبل أن يتطوّر هذا التنظيم المؤسّسي بعد ذلك ليشمل الآن (22) دولة عربية موزّعة بين قارتي آسيا وأفريقيا، ويكوّن إقليماً جغرافياً هو الأكبر بعد روسيا، والرابع سكانياً بعد الصين والهند والاتحاد الأوروبي.
الحقيقة الثانية من حقائق التأسيس، أن جامعة الدول العربية سبقت تأسيس الأمم المتحدة بشهورٍ ثلاثة على الأقلّ (وُقّع ميثاق الأمم المتحدة بتأريخ 26 حزيران 1945م) ومنظمة دول أميركا بسنوات ثلاث (أُسّست 3 أيار 1949م) كما سبقت ظهور منظمة الوحدة الأفريقية بـ(18) عاماً (أُنشئت 25 أيار 1963م) (يُنظر: الجامعة العربية ومؤتمرات القمة، دمشق 1985م).
لقد تناوب على الأمانة العامة للجامعة منذ تأسيسها إلى وقتنا الحاضر ثمانية أمناء عامون، هم عبد الرحمن عزام (مصري: 1945 – 1952م) محمد عبد الخالق حسونة (مصري: 1952 – 1972م) محمود رياض (مصري: 1972 – 1979م) الشاذلي القليبي (تونسي: 1979 – 1990م) عصمت عبد المجيد (مصري: 1990 – 2001م) عمرو موسى (مصري: 2001 – 2011م) نبيل العربي (مصري: 2011 – 2016م) وأخيراً الأمين العام الحالي أحمد أبو الغيط (مصري: منذ عام 2016م حتى الآن) (يُنظر: جامعة الدول العربية: مدخل إلى المستقبل، د. مجدي حماد، الكويت 2004م).
ويبرز دور التقارب الجغرافي، والتماثل الثقافي والاجتماعي، لكن يبقى العامل الحاسم في تكوين النظام وإعطاء مضمون حيوي للجغرافيا والجوار والمكوّنات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية المشتركة، منوط بعنصر “التفاعل” بصفته العامل الحيوي في إيجاد النظام الإقليمي، حتى غدا تعريف الإطار الإقليمي الموحّد في ضوء هذا الفهم، هو تعبير عن: “نظام التفاعلات بين مجموعة من الدول المتجاورة، والتي تجمعها علاقات اقتصادية واجتماعية وثقافية”، (النظام الإقليمي العربي، ص 7، 14، 16 – 17، 28).
إن قراءة التجارب الناجحة في الإقليم من حولنا وفي العالم الإسلامي والثالث وفي العالم برمته، تدع الكفة ترجّح خيار التنموية الوطنية، بأن تكون هوية البلد هي شعار وطنيته، والتنمية هي السبيل لتعزيز هذه الوطنية وترسيخ هويتها.
إذا استقرأنا التجارب الناجحة في النظام العربي دون أسماء، نجد أن سرّ نجاحها يعود إلى تفوّق المحور التنموي، بعد هيمنة طويلة لسلطة المحور الأيديولوجي، الذي اجتاح العالم العربي في وقتها.
وإذا جاز لنا أن نتحدّث عن “نسخة بغداد” للنظام العربي، فإن جوهر المشروع العراقي فيما نفهمه وتدلّ عليه توجّهاته على الأرض، هو العمل التنموي في نطاق هوية وطنية، تستهلك قوّة البلد وطاقاته وإمكاناته لصالح التنمية ورفاه المواطنين.