ARTICLE AD BOX
في مثل هذه الأيام من كل عام، تستعد المخيمات الفلسطينية لإحياء ذكرى النكبة، ورغم الشوارع المزدحمة والأزقة الضيّقة، فإن صور الجيل الأول من اللاجئين يحملون مفاتيح العودة كانت تشكّلها جدران البيوت المتلاصقة، غير أن هذا العام في ذكرى النكبة سيكون مختلفاً، حيث دمّرت إسرائيل ثلاثة مخيمات في شمال الضفة الغربية المحتلة، وهجّرت أهلها الذين كانوا يعتبرون أنفسهم في محطات مؤقتة للعودة.
المخيمات الثلاثة، جنين ونور شمس وطولكرم، دُمِّرت بشكل شبه كامل، وما بقي من بناء مدمر جزئياً، لن يكون صالحاً للسكن، في حال انتهت العملية العسكرية الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من أربعة أشهر، وتسببت بتهجير أكثر من 40 ألف لاجئ أصبحوا نازحين، فيما يتصاعد القلق من انتظار بقية مخيمات الضفة مصيراً مشابهاً بعد أن اقتحمتها قوات الاحتلال وأخذت مقاسات، ووضعت رموزاً وأرقاماً على المنازل التي تخطط لتدميرها.
دمّروا المخيم ومصير مجهول لسكّانه
تؤكد مديرة مؤسسة نور شمس لتأهيل المعاقين في مخيم نور شمس، قرب مدينة طولكرم، نهاية الجندي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المخيم دُمِّر بالكامل، ولا يوجد أي أمل أن يعود الناس إلى نور شمس، إذ إن أكثر من 16 ألف لاجئ أصبحوا نازحين، وما يقوم به الاحتلال حالياً من توسيع شوارع وبناء أخرى جديدة على أنقاض المنازل المدمرة في المخيم، يجعل أمل الأهالي بالعودة إلى المخيم شبه مستحيل.
تسببت الحرب على المخيمات بتهجير أكثر من 40 ألف لاجئ أصبحوا نازحين
وتضيف الجندي، وهي لاجئة يعود أصلها إلى قرية المنسي قرب حيفا: "المحطة التي أمضينا فيها أكثر من سبعة عقود دُمِّرت بالكامل، والمحطة المقبلة هي المجهول، لا أحد يعلم من اللاجئين ماذا سوف نفعل غداً، لن نقول إننا فقدنا الأمل، لكن الأمل تاه فعلياً".
وتشرح الجندي: "مرّت أربعة شهور على تدمير الاحتلال للمخيمات، ولا جهة تملك خطّة بما فيها الحكومة، حيث لا يعلم أحد متى سينسحب جيش الاحتلال من المخيم، والمشكلة الكبرى بعد انسحاب الاحتلال، هل هناك برنامج واضح لإعمار المخيمات؟".
ذكرى النكبة... ونكبة واقعية
وعن ذكرى النكبة هذا العام، تقول الجندي: "كل سنة نقوم بتنظيم فعاليات لإحيائها حتى نُذكّر الأطفال بما حدث وضرورة الحفاظ على هذه الذكرى على أمل العودة، لكن اليوم المخيمات تعيش في نكبة، وبالتالي هل نحيي ذكرى النكبة الأولى عام 1948 أم نحيي ذكرى النكبة الحالية 2025 التي نعيشها؟".
عقاب جماعي
بحسب تقرير أصدرته وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في الثاني من مايو/أيار الحالي، فإنه "من خلال استهداف منازل المدنيين في غياب الضرورة العسكرية المباشرة، فإن أعمال القوات الإسرائيلية تتسبب في أكثر من مجرد تدمير مادي: فهي تلحق صدمة دائمة وأذى نفسياً، وهي تعمل على إدامة الضائقة الاقتصادية. فالعائلات لا تفقد المأوى فحسب، بل تفقد أيضاً إحساسها بالكرامة والأمان".
وأضاف التقرير: "تسعى عمليات الهدم هذه إلى تغيير طابع المخيمات وتحطيم نسيجها الاجتماعي بشكل دائم، وفي حين أن محو المباني أو حتى المخيمات بأكملها، لن يؤدي إلى إلغاء وضع لاجئي فلسطين، إلا أنه سيطيل أمد الاحتلال ويعرقل الطريق إلى حل عادل".
وأصدر المفوض العام لـ"أونروا، فيليب لازاريني، بياناً في الثاني من مايو الحالي، قال فيه: "تشكل هذه الممارسة عقاباً جماعياً محظوراً بشكل قاطع بموجب اتفاقية جنيف الرابعة".
توقفت ساعة الحياة
منذ 21 يناير/كانون الثاني الماضي، توقفت ساعة الحياة في المخيمات الثلاثة، حيث بدأت عملية التدمير الإسرائيلية في مخيم جنين بمحافظة جنين، ثم تدحرجت إلى مخيمي طولكرم ونور شمس قرب مدينة طولكرم، حيث توقفت المدارس عن العمل والعيادات التابعة لـ"أونروا" وأغلقت المحال التجارية، إلى أن تقطعت أوصال العائلات التي وزّعت أفرادها على القرى المجاورة ومراكز الإيواء.
يرى الناشط الحقوقي أحمد الحواشين من مخيم جنين، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الاحتلال "استهدف اللاجئ بالقتل والاعتقال ومكان معيشته، أي المخيم بالتدمير، ما يعني استهدافه أيضاً لهويته التي لا يريدها الاحتلال أن تبقى كما هي، تشير للجوء وتذكر بحق العودة".
أحمد الحواشين: العائلات المدمّرة منازلها تريد أن تعود بأي طريقة، وأن تضع خيمة على الأنقاض، لكن الأمر مستحيل
ويقول حواشين: "مخيم جنين تمّ تدميره وتوزع سكّانه، وهم أكثر من 15 ألف نسمة، في القرى المحيطة والمدينة وقسم في سكنات الجامعة الأميركية، يعيشون أوضاعاً صعبة للغاية، وإرهاقاً نفسياً واجتماعياً، وتكاليف باهظة، في ظلّ غياب أي استراتيجية رسمية لاستيعاب اللاجئين، كما أن غالبية المساعدات التي تمّ تقديمها هي من المجتمع المحلي وأفراد وليست مساعدات حكومية أو رسمية".
ويتابع حواشين: "الأمر الصعب أن العائلات المدمّرة منازلها تريد أن تعود بأي طريقة، وأن تضع خيمة على الأنقاض، لكن الأمر مستحيل لأن الشوارع التي تمّ فتحها في المخيم على أنقاض المنازل المدمرة".
السلطة تتعامل مع نكبة المخيمات على أساس إغاثي
بعد نحو أربعة أشهر على تدمير المخيمات، لم يخرج أي صوت رسمي فلسطيني من القيادة في المقاطعة أو منظمة التحرير الفلسطينية، يعمل على حلّ سياسي لأزمة المخيمات المدمرة أو المنوي تدميرها، حيث تنحصر كل خيارات الحكومة الفلسطينية ومنظمة التحرير بالحلول الإغاثية فقط.
يقول نائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني السابق، حسن خريشة لـ"العربي الجديد": "للأسف السلطة الفلسطينية تتعامل مع تدمير ثلاثة مخيمات حتى الآن على أنه أمر واقع تمّ فرضه ويجب التعامل معه، لا منعه".
ويتابع خريشة: "كل الإجراءات التي تقوم بها الحكومة الفلسطينية ومنظمة التحرير هي إجراءات ترقيعية، وما خرجت به الحكومة في الأسبوعين الماضيين من قرارات لإيواء النازحين من أهالي المخيمات يأتي ضمن هذه الحلول الترقيعية، فالأصل أن تعمل القيادة الفلسطينية على عودة الأهالي إلى مخيماتهم، لا إيجاد بدائل للإيواء".
ويؤكد خريشة "وجوب أن تقوم السلطة بحلّ سياسي، لأن هذا هو دورها الأساسي، لكن للأسف كل ما تقدمه حتى الآن حلول ترقيعية جزئية إغاثية مؤقتة ومجتزأة وغير جادة، حيث تحمل المجتمع المحلي كل المسؤولية في الأشهر الماضية".
ويشرح خريشة: "تملك السلطة الكثير من وسائل الضغط من أجل إعادة اللاجئين إلى مخيماتهم، لأن قضية اللاجئين هي قضية العودة وهي جوهر القضية الفلسطينية، واليوم إسرائيل ماضية في التهجير حتى تصل إلى ضمّ الضفة الغربية".
وهناك من يرى أن السلطة الفلسطينية تملك أكثر من سلاح على صعيد دعوة مجلس الأمن للاجتماع لمنع تدمير المخيمات لأن هذه الممارسات، حسب وكالة أونروا، "تشكل عقاباً جماعياً محظوراً بشكل قاطع بموجب اتفاقية جنيف الرابعة".
وهناك رأي آخر بأن السلطة ما زالت تملك التنسيق الأمني لكونها ورقة رابحة لم تهدّد بقطعها ولا مرة منذ بدء تدمير المخيمات، بل إن الأجهزة الأمنية الفلسطينية تقوم بعمليات ملاحقة واعتقال واغتيال للمقاومين في ظلّ العملية العسكرية الإسرائيلية في المخيمات.
ويقول خريشة: "إن المواطن لم ير القائمين على حملة 'حماية وطن' يقومون بحماية النساء والأطفال العزل في المخيمات من القتل والتدمير الإسرائيلي".
ما زالت السلطة تملك التنسيق الأمني ورقة رابحة لم تهدّد بقطعها ولا مرة منذ بدء تدمير المخيمات
وأطلقت السلطة الفلسطينية اسم "حماية وطن" على عمليتها العسكرية التي بدأتها في مخيم جنين في ديسمبر/كانون الأول 2024، بشكل أساسي وتدحرجت لمخيمات طولكرم وغيرها مثل مخيم الفارعة شمال الضفة الغربية.
ويقول خريشة: "لا نرى المسؤولين الفلسطينيين السياسيين والأمنيين الذين حضروا إلى جنين خلال عملية السلطة في ديسمبر الماضي، لا نراهم اليوم في مدن جنين وطولكرم، وتمّ ترك اللاجئ وحده يواجه مصيره أمام الدبابات الإسرائيلية، وإضافة إلى أن الاحتلال اعتقل كل المؤثرين في المخيمات، لدينا اليوم أوضاع غير صحيحة في السلطة يجب تصويبها بقرار وإرادة فلسطينية".
أعباء كبيرة
يشير مدير عام الإدارة العامة للمخيمات ومنسق اللجنة الوطنية لإحياء ذكرى النكبة في منظمة التحرير، محمد عليان، لـ"العربي الجديد"، إلى أن الهدم كبير، وعدد اللاجئين كبير جداً، وهم لم يتركوا وحدهم. ويضيف: "نحاول بكل ما أوتينا من قوة أن نساعد، لكن المتطلبات كثيرة جداً، والحكومة أقدمت على العديد من الخطوات للمساعدة، لكن الاحتياجات كبيرة".
ويقول عليان: "اللجنة الطارئة المنبثقة عن مجلس الوزراء الفلسطيني التي تحاول أن تقف على الاحتياجات للمخيمات المنكوبة وتقديم المساعدات المطلوبة مثل توفير إيجار بقيمة نحو 500 دولار لمدة ثلاثة شهور للعائلات المنكوبة".
وحول الدور السياسي المتوقع من منظمة التحرير أمام تدمير الاحتلال للمخيمات، يلفت عليان: "الأمور متداخلة، فمنظمة التحرير لديها ملف اللاجئين، والدائرة تتواصل مع اللجان الشعبية وتقدم لها الموازنات الشهرية لتساعدها للخروج من هذه الأزمة، وتقدم من خلال الحكومة العديد من المساعدات".
ويتابع عليان: "منظمة التحرير تتحرك على الصعيد الدبلوماسي، مطالبة المجتمع الدولي بوقف العدوان الإسرائيلي على المخيمات، والحكومة تحاول أن تقدم ما يمكن تقديمه من مساعدات".
ويشدّد عليان على أن "ما يجري الآن هو إعادة فصول النكبة السابعة والسبعين بشكل أشرس، وعلى مرأى من العالم، لذلك في ذكرى النكبة السابعة والسبعين، رفعنا شعار (لن نرحل... فلسطين للفلسطينيين، هذا شعارنا وهذه سياستنا)".
