"داعش" في سورية: خلايا مبعثرة وبيئة اجتماعية طاردة (6)

3 hours ago 3
ARTICLE AD BOX

يُراقب السوريون باهتمام متفاوت أخبار الأنشطة المتصاعدة لتنظيم داعش، وعمليات قوات الأمن ممثلة بوزارتي الدفاع والداخلية السوريتين تجاهها، والتي غلب عليها طابع "الاستباقية"، وأسفرت عن مقتل عناصر في "داعش" واعتقال آخرين، فضلاً عن مصادرة كميات ضخمة من الذخيرة والسلاح التي عثر عليها في "مضافات" أو مخابئ تديرها خلايا التنظيم الإرهابي.

تركّزت العمليات ضد تنظيم داعش في سورية، والتي أدّت أيضاً إلى سقوط قتلى وجرحى من عناصر الأمن السوري، وفقاً لإعلانات رسمية في هذا الشأن، في دمشق وحلب وحمص ودير الزور، كان أعلاها في شهر مايو/أيار الماضي بمناطق الغوطة الغربية، شملت الكسوة، ديرخبية، المقيليبة وزاكية في ريف دمشق. وأسفرت هذه العمليات التي نفذتها وزارة الداخلية السورية عن اعتقال عناصر من التنظيم وضبط كميات كبيرة من الأسلحة، بما في ذلك صواريخ مضادّة للدروع وعبوات وأحزمة ناسفة.

يستفيد "داعش" من مساحات الفراغ الأمني الكبير على الخطوط الفاصلة بين قوات الأمن و"قسد"

كما نفّذت قوات الأمن السورية، عملية مماثلة في 17 مايو الماضي في حيي الهلك والحيدرية في مدينة حلب، وأسفرت عن اعتقال أربعة من عناصر التنظيم وقتل ثلاثة آخرين، بينما قُتل عنصران من الأمن السوري في المواجهات، وتبيّن لاحقاً أن أحد أفراد التنظيم فجّر نفسه بحزام ناسف في مواجهاتٍ مع الأمن. كما سُجّلت عملية ضخمة أخرى في منطقة صبيخان في دير الزور، في الشهر ذاته، أسفرت عن اعتقال نحو 40 عنصراً يشتبه بانتمائهم إلى تنظيم داعش الذي فجّر في الثامن من الشهر الماضي سيارة مفخّخة في الميادين بمحافظة دير الزور، وأسفرت عن مقتل خمسة سوريين وجرح آخرين، كما تبنّى تالياً عملية إرهابية استهدفت أفراداً بالأمن السوري في السويداء، وأخرى في حوران.

جاءت هذه التطورات بالتزامن مع عملية للتحالف الدولي و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، في ريف دير الزور الغربي، أسفرت عن اعتقال عناصر من "داعش" وتفكيك خلايا نائمة، قال بيان لـ"قسد" إنها كانت تخطط لتنفيذ هجمات. غير أن العملية الأكثر حساسية وخطورة كانت ما أعلنته وزارة الداخلية السورية في 11 يناير/كانون الثاني الماضي، عن إحباط هجوم إرهابي لتنظيم داعش، كان سيستهدف تفجيراً داخل مرقد السيدة زينب في ريف دمشق، مؤكّدة القبض على المتورّطين في المخطط وضبط عبوات ناسفة كانت معدّة للتفجير. ولاحقاً، أكدت تقارير سورية أن المتورّطين من جنسيات عراقية ولبنانية ومعهم مواطن سوري، وهم رهن التحقيق.

ومنتصف فبراير/شباط الماضي، اعتقل الأمن السوري أبو الحارث العراقي، وهو أحد قادة "داعش" المحسوب على الخط الثالث الذي برز في الأعوام الأخيرة إثر تصفية غالبية قيادات التنظيم. وأوردت وكالة الأنباء السورية (سانا) عن مسؤول في جهاز الاستخبارات السوري قوله: "تمكّنا من القبض على أبو الحارث العراقي، القيادي في تنظيم داعش، والذي كان يشغل مناصب مهمة في ما يسمى ولاية العراق". وأضاف: "يقف العراقي وراء التخطيط لعمليات عدة، كان أبرزها اغتيال القيادي ميسر الجبوري (القيادي البارز في هيئة تحرير الشام ويُعرف باسم أبو ماريا القحطاني) واغتيالات أخرى". وأوضح أن الخلية التي جرى إحباط مخطّطها في استهداف مقام السيدة زينب بمحيط دمشق، كانت تعمل بتوجيه من القيادي أبو الحارث العراقي. وأكّد أن العملية "تأتي ضمن سلسلة العمليات النوعية لملاحقة خلايا تنظيم داعش".

6 هجمات إرهابية معدل شهري

وتُظهر منصّات "داعش" على تطبيق تليغرام، الذي بات المنصّة الإعلامية الرئيسية له، بعد التضييق عليه في منصة إكس، وإغلاق الحسابات التي تروّج بياناته، تنفيذ التنظيم أكثر من 30 عملية له في الأراضي السورية، خلال الأشهر الخمسة الماضية، ما يعني أن ست عمليات ينفذها "داعش" في الشهر الواحد داخل سورية، وهو عدد أعلى من العراق بالفترة نفسها التي بلغت أقل من عشر عمليات، غالبيتها عبوات ناسفة أو هجمات مسلحة على الطرق الخارجية.

غير أن الباحث في التنظيمات الإرهابية في العراق وسورية، أحمد الحمداني، قال لـ"العربي الجديد"، إن الأنشطة الإجمالية لـ"داعش" أكثر من العمليات المعلنة التي نفذها فعلاً، إذ يعمل، منذ سقوط النظام السوري (في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024) على إعادة ترتيب صفوفه في المدن الكبيرة، لكنه يواجه صعوبة كبيرة داخل الحاضنة السنّية السورية في تقبل طروحاته. وأضاف: "داعش 2025 يفتقد أهم ماكينة له في التجنيد داخل سورية، حيث لم يعد بالإمكان إقناع الحاضنة العربية السنّية، وتحديداً التيار المتدين فيها، بطروحاته أو دعوته، القائمة حالياً، على أساس أن الحكومة الحالية "مرتدّة"، كونها لم تعد تحتكم إلى الشريعة". واستشهد الحمداني، في هذا السياق، باستعمال صحيفة النبأ الناطقة باسم التنظيم عبارات مثل "المرتدة"، والمرتدين على أفراد الأمن السوريين، و"الخائنة"، و"القوانين الوضعية"، و"الدساتير الكفرية"، في الحديث عن تبنّي الإدارة السورية كتابة دستور جديد ناظم للبلاد.

أحمد الحمداني: الممسكون بالملف الأمني على دراية فكرية وتنظيمية مسبقة بأسماء داعش وقواعده ومنطلقاته

وشخّص الحمداني نقطة مهمة أخرى في حديثه عن مستقبل "داعش" في سورية، في أن الممسكين بالملف الأمني في الدولة السورية، "على دراية فكرية وتنظيمية مسبقة بأسماء "داعش" وقواعده ومنطلقاته، وكيف يفكّر والخطوة المتوقّعة له، كونهم افترقوا سابقاً وتصادموا دموياً في مساحة واحدة، وهي الفكر الجهادي، ما يعني أن التنظيم يواجه أكثر من مشكلة، لا تتوقّف على نفور التيار الإسلامي وقواعده الشعبية منه فقط، بل في انكشاف خطوطه أمام الإدارة الأمنية السورية الجديدة".

تقوم طروحات تنظيم داعش، كما يظهر هذا في قنواته، على "تكفير" الإدارة السورية الجديدة، انطلاقاً من سردية تعاونها مع الولايات المتحدة، ومهادنتها "دول الكفر"، بينما اعتبر التنظيم الإعلان عن لجنة ستتولى كتابة الدستور السوري الدائم، بأنه "التحاكم بغير ما أنزل الله"، وبـ"القوانين الوضعية". ولم تعد هذه الطروحات مقبولة من التيار الإسلامي في سورية، عوضاً عن المجتمع الذي يتوقّع حالياً الانتقال إلى مرحلة الاستقرار الدائم، والتعافي الاقتصادي، بحسب الحمداني الذي رأى أن "الفرد السوري مع الدولة، حتى وإن كان رافضاً لها، ضد أي تنظيم جهادي يحاول الظهور وأخذ مساحة له. لأنهم ببساطة منهكون، وتجربة السوريين في العقد الماضي سيئة مع كل التنظيمات، بما فيها التي شاركت بإسقاط نظام الأسد"، وفقاً لقوله.

وبعد ساعات من لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض، في 14 مايو الماضي، شنّت حسابات تنظيم داعش هجوماً لاذعاً على الرئيس السوري، واستدعت مقاطع خطب صوتية وكلمات له في السنوات الماضية، تضمّنت مواقف له من الولايات المتحدة. وحَمل التنظيم في حملته الإعلامية المتواصلة على "الجولاني"، كما يُصر على استعمال هذا اللقب، طابعاً تحريضياً موجهاً إلى التيارات الإسلامية ضد الرئيس السوري والإدارة الجديدة في المجمل. وفي بيان له أصدره أخيراً، استعمل التنظيم عبارة "ولاية الشام"، حين تبنى مهاجمة دورية للقوات الأمنية السورية في حوران تحت عبارة "النظام السوري المرتد"، وذلك يوم الخميس الماضي، ما يؤكّد أن تحرّك خلايا "داعش" لم يعد عبثياً أو فردياً، إنما بتنسيقٍ، حيث جاءت بالتزامن مع عملية متزامنة في دير الزور، وتحت العنوان أو التبرير نفسه.

فراغات تُنعش جيوب تنظيم داعش

يستفيد "داعش"، من مساحات الفراغ الأمني الكبير على الخطوط الفاصلة بين قوات الأمن السورية التابعة للدولة الجديدة و"قسد"، أبرزها دير الزور الحدودية مع العراق، وريف حلب، والرّقة، وهي المناطق نفسها المعروفة بتضاريسها المعقدة، والمساحات التي يمكن الاختباء فيها، والاندماج بين الأهالي، بسبب ظاهرة النازحين المتوطّنين في تلك المناطق، والذين يسهل الاندماج معهم، على عكس ما إذا كانت المناطق يسكنها أهلها الأصليون ويعرف بعضهم بعضاً، فضلاً عن عدم وجود معلومات وقواعد بيانات للموجودين فيها.

وفي هذا الشأن، أكد ضابط في الداخلية السورية في محافظة حلب، لـ"العربي الجديد"، مطّلع على مجريات عملياتٍ نفذها الأمن أخيراً ضد خلايا التنظيم التي يُطلق عليها محلياً "مضافات" (مقرّات التنظيم أو مخابئه)، أن "الجنسية السورية هي العليا من بين أفراد التنظيم حالياً، وتتجاوز 90% من الخلايا الموجودة، وهناك عراقيون أيضاً". وأوضح أن وجودهم يعتمد على التناقضات الأمنية في منطقة الجزيرة السورية بالدرجة الأولى، شرق الفرات وغربه، لكنهم يحاولون حالياً البحث عن موطئ قدم في مناطق أخرى، خارجها، كما الحال في حلب ودمشق. وبحسب قوله، فإن فرص عودة هؤلاء قوة مؤثرة ضعيفة للغاية، بسبب النفور المجتمعي والتغيير السياسي الذي تحقق، وتاريخهم القريب وما اقترفوه في سورية والعراق، لكن السؤال هل يمكنهم التأثير على الأمن؟ مجيباً: نعم، أعتقد أنهم يشكلون تهديداً أمنياً خطيراً.

محمد عناد سليمان: بعض الأطراف، وفي مقدمها إيران، قد تحاول استقطاب تنظيمات وجماعات إرهابية، لإفشال الاستحقاق السوري

وكان الباحث في معهد واشنطن للدراسات هارون زيلين، خلص إلى أن تنظيم داعش "يستهدف الحكومة السورية الجديدة". وكتب في بحث له نشره المعهد في 22 مايو الماضي، أن عمليات التنظيم أخيراً تُسلّط الضوء على "حقيقة أنها، رغم تراجعها الكبير، ما تزال قادرة على إحداث اضطرابات كبيرة، لا سيما في الفترة الانتقالية الحسّاسة التي تمر بها سورية. وبالتالي، لدى الولايات المتحدة أسباب أكثر من أي وقت مضى لعدم سحب قواتها بالكامل من سورية إلى حين استكمال السلطات الجديدة دمج "قوات سوريا الديمقراطية"، وتأسيس حملة مكافحة داعش على أسس أكثر استدامة". وبرأيه، فإن هذا "يتطلب حثّ الأكراد ودمشق على المضي في الاتفاق القائم الذي ينص على أن تتولى الحكومة المركزية السيطرة على كامل محافظة دير الزور، معقل تنظيم داعش. وبذلك، سيتم إنشاء إدارة واحدة في المحافظة، ما يمنع التنظيم من استغلال الفجوات بين منطقتي السيطرة، وهي نقطة ضعف لعبت على الأرجح دوراً في الهجوم الناجح الذي وقع أخيراً".

عملية استباقية مرتقبة ضد "داعش"

من جهته، رأى الباحث في الشأن السياسي السوري محمد عناد سليمان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الوضع الأمني في مناطق شمال شرق سورية حسّاس، لافتاً إلى أن "خلايا داعش ما زالت موجودة، وقد تُستثمر أو قد تُستقطب في أي وقت من أطراف إقليمية معنية بالملف السوري، لغاية عدم تحقيق الأمن والاستقرار في سورية". وأوضح أن خلايا التنظيم التي توجد على شكل جيوب أو تجمّعات نائمة في الشمال الشرقي السوري، ضمن منطقة الجزيرة المحاذية للعراق، تُشكل تحدّياً أمنياً للدولة السورية الجديدة، مبيناً أن "بعض الأطراف، وفي مقدمها إيران، التي جرى تحجيم نفوذها في الشرق الأوسط عموماً، وسورية على وجه الخصوص، قد تحاول استقطاب تنظيماتٍ وجماعاتٍ إرهابية ومسلحة، لتهديد الأمن وإفشال الاستحقاق السوري، الذي يسعى إلى مغادرة المشهد المسلح ككل، والانتقال إلى العمل السياسي والبناء". وأضاف: "إن حدث ذلك فعلاً، سنكون أمام تحد جديد في الجغرافية السورية ككل، ومناطق شمال شرق سورية خصوصاً". ووصف خلايا التنظيم بأنهم "سوريون ومن جنسيات أخرى، مرتزقة، والحكومة السورية قد تسارع بهذا الملف وتبدأ بمواجهته استباقياً".

Read Entire Article