خيارات سلام معقدة في بحر الصين الجنوبي

5 hours ago 2
ARTICLE AD BOX

في وقت تتصاعد فيه النزاعات البحرية بين الصين وجيرانها، تجدد بكين تمسكها برؤيتها الخاصة حول حل الخلافات عبر القنوات الدبلوماسية، إذ طرحت مؤسسة بحثية مدعومة من الدولة "المبادئ الأساسية الأربعة" للصين في إطار بناء لمعالجة نزاعات بحر الصين الجنوبي المتزايدة أخيراً، في حين ألقت باللوم في التوترات الإقليمية على الجهات الخارجية التي تغذي تصرفات المطالبين المتنافسين، وتضعف الرغبة في التعاون البحري. وذكر معهد شينخوا، وهو مركز أبحاث تموّله الحكومة، في تقرير صدر أمس الأول الأحد، أن الصين ملتزمة منذ فترة طويلة بإدارة التوترات والاختلافات مع الأطراف المتنازعة، وممارسة قدر كبير من ضبط النفس في النزاعات. وأضاف المعهد أن بكين ستتمسك بمبادئها الأساسية الأربعة التي صمدت أمام اختبار الزمن لتحويل بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه إلى منطقة سلام وتعاون. وبحسب التقرير، فإن هذه المبادئ هي: حل النزاعات من خلال التشاور على قدم المساواة، وإدارة الاختلافات من خلال الإدارة المشتركة القائمة على القواعد، وتحقيق نتائج إيجابية من خلال التعاون المتبادل المنفعة، ومعارضة التدخل من القوى الخارجية مع تشجيعها على لعب دور بناء.


لي يانغ: رؤية بكين لحل النزاعات البحرية في بحر الصين الجنوبي غير واقعية

خطة بكين في بحر الصين الجنوبي

وكانت الصين قد قدمت رسمياً خطتها للتعاون في بحر الصين الجنوبي عام 2002 من خلال اتفاقية مع رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان). وتتنازع عدة دول أعضاء في الرابطة بما فيها فيتنام وماليزيا والفيليبين، حليفة الولايات المتحدة بموجب معاهدة، على مطالبات الصين الواسعة بالسيادة على هذه المياه المزدحمة والغنية بالموارد. ومنذ عام 2023، أصبحت المواجهات بين السفن الصينية والفيليبينية في المياه المتنازع عليها أكثر تواتراً، خصوصاً بالقرب من جزر سكاربورو، وجزر توماس الثانية، وأخيراً الشعاب المرجانية في ساندي كاي. في تعليقه على ما جاء في ورقة البحث الصينية بشأن النزاع في بحر الصين الجنوبي قال المختص في الشأن الآسيوي في معهد فودان للدراسات والأبحاث، جينغ وي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه مع بروز قضية بحر الصين الجنوبي، عززت بعض الدول غير الإقليمية وجودها العسكري في المنطقة، وكثيراً ما استخدمت القضية ورقة ضغط لاحتواء الصين.

وأضاف أنه في الوقت نفسه، سعت بعض الدول المعنية إلى ترسيخ مصالحها المكتسبة بشكل غير قانوني ومطالباتها الأحادية، والتي تُبدي استعدادها للتصرف كبيادق في يد قوى خارجية، واستمرت في انتهاك حقوق الآخرين والاستفزازات البحرية، مما جلب مخاطر وتحديات للسلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي. ولفت جينغ إلى أن الصين وبصفتها دولة لديها مطالب مشروعة في المنطقة المتنازع عليها، تتمسك بحزم بسيادتها الإقليمية وحقوقها ومصالحها البحرية، وفقاً لقانونها الداخلي والقانون الدولي. واستدرك أن الصين مع ذلك تتصرف في هذا الملف الحساس بعقلانية انطلاقاً من مكانتها الدولية، وبصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن، وتعمل دائماً على اتخاذ إجراءات فعلية لتعزيز السلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي، وازدهار المنطقة وتنميتها. وفي هذا المنحى جددت تمسكها بالمبادئ الأساسية الأربعة إطارا بنّاء لمعالجة النزاعات البحرية بما يحقق المصالح المشتركة لبلدان المنطقة وشعوبها.

في المقابل، رأى لي يانغ، الأستاذ في معهد تسيونغ كوان للدراسات والأبحاث ومقره هونغ كونغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن رؤية بكين لحل النزاعات البحرية في بحر الصين الجنوبي غير واقعية، ومن الصعب تطبيقها على أرض الواقع في ظل تمسك الصين بالسيادة على نحو 90% من المنطقة المتنازع عليها، فضلاً عن رفضها لحكم قضائي صدر عن محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي في عام 2016، والذي قضى بعدم أحقية مطالبها القانونية وفق القضية التي رفعتها الفيليبين آنذاك. وقال لي يانغ إنه في الوقت التي تجدد فيه الصين دعوتها للحوار من خلال التشاور وقطع الطريق أمام القوى الغربية، تستمر بكين في استصلاح الشعاب المرجانية وإنشاء مدارج للطائرات العسكرية لتعزيز هيمنتها في المنطقة. وأوضح أن باقي الدول المتنازعة لا تملك ترسانة عسكرية قادرة على مجاراة الصين وردعها عن أفعالها الاستفزازية، وتلجأ بعضها، مثل الفيليبين، إلى تعزيز تحالفاتها مع القوى الغربية خصوصاً الولايات المتحدة، وذلك لتحسين موقفها التفاوضي. ومع ذلك تعتبر بكين هذا التوجه استقواءً بجهات خارجية، وبدلاً من الاستجابة لمطالب هذه الدول، تتهمها بـ"عسكرة المنطقة".


جينغ وي: بكين  تتصرف في بحر الصين الجنوبي بعقلانية انطلاقاً من مكانتها الدولية

صعوبة التوصل لتفاهمات

وتابع لي يانغ: لذلك في ظل هذه الأجواء المشحونة وانعدام الثقة، يصعب الوصول إلى تفاهمات واختراقات عملية قادرة إلى وضع حد للخلافات والنزاعات البحرية، وطالما لم تقدم الصين تنازلات حقيقية في هذا الملف سيظل الخلاف قائماً، مشيراً إلى أن بكين قدمت خطتها للتعاون في بحر الصين الجنوبي عام 2002، ومنذ ذلك الحين، أي ما يزيد عن عقدين، لا تزال المنطقة تشهد اضطرابات وصدامات متكررة، كما أنها باتت مسرحاً للمناورات والتدريبات العسكرية بين القوى المتنافسة. يشار إلى أنه من بين مجموعتي الجزر الرئيسيتين في بحر الصين الجنوبي، تسيطر بكين على جزر باراسيل، في حين أن جزر سبراتلي، إلى الجنوب منها، لا تخضع لسيطرة أي دولة بمفردها، ولكنها تقع ضمن المناطق الاقتصادية الخالصة التي تمتد لمسافة 200 ميل بحري (نحو 370.4 كيلومتراً) لماليزيا وبروناي وفيتنام والفيليبين، ما يجعلها محور الصراع بين هذه الدول. وعلى الرغم من تكرار بكين دعواتها للتفاوض بشأن نزاعاتها البحرية مع جيرانها، يعتقد مراقبون أنّ من غير المرجح أن تقدّم تنازلات في هذا الملف.

Read Entire Article