ARTICLE AD BOX
محمد العبيدي - المدى
رغم أنها تُعد من أكثر أدوات التمويل والاستثمار شيوعًا في الاقتصادات المستقرة، ما تزال السندات تواجه عزوفًا ملحوظًا في العراق، سواء من المواطنين أو حتى من بعض المؤسسات المالية.
وتأتي هذه المفارقة في وقتٍ تسعى فيه الدولة إلى توسيع خياراتها للحصول على الأموال بعيدًا عن النفط، مستفيدة من أدوات مالية محلية قد تُقلل من اللجوء إلى الاقتراض الخارجي.
وتشهد الأسواق العراقية منذ مطلع 2025 موجة جديدة من الإصدارات الحكومية للسندات، بعضها مخصص للجمهور وأخرى موجهة للمصارف، لكن نسبة الإقبال ما تزال دون مستوى الطموح، ما أثار تساؤلات حول الأسباب لغياب ثقافة "الاستثمار الآمن" في هذا المجال، مقابل تفضيل المضاربة أو التوجه إلى العقارات والذهب والدولار.
ورغم العوائد الثابتة والضمانات الحكومية، لم تنجح الحكومة العراقية حتى الآن في جذب المستثمرين إلى السندات الوطنية، ففي الإصدار الأول الذي أطلقته وزارة المالية بين 10 شباط و10 آذار 2025 بقيمة إجمالية بلغت تريليوني دينار، لم يتم بيع سوى 25% فقط، ما يعادل نحو 500 مليار دينار، وفق ما كشفه مسؤول في البنك المركزي العراقي.
ضعف النظام المالي
بدوره، أوضح الخبير الاقتصادي علي دعدوش أن "السندات يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في تحريك الاقتصاد، وتقليل التضخم من خلال امتصاص السيولة النقدية الفائضة، والتي عادةً ما تتجه إلى السوق أو إلى المضاربات".
وأضاف لـ(المدى)، أن "شراء السندات يسحب جزءًا من هذه السيولة، مما يخفف الضغط التضخمي ويمنع تدهور العملة"، معتبرًا أن "العائد السنوي الحالي للسندات (8.5%) يُعد مغريًا نسبيًا مقارنة بالفوائد على الودائع المصرفية، لكنه لا يزال أقل جذبًا من عوائد المضاربة بالدولار أو الاستثمار العقاري، التي تمثل ملاذًا تقليديًا وآمنًا للكثير من المواطنين".
وشدد دعدوش على أن "جذب المستثمر العراقي يتطلب تعزيز الثقة بالنظام المالي، وضمان استقرار صرف الدينار، بالإضافة إلى إمكانية رفع العائد عند الحاجة".
وتابع أن "السندات يمكن اعتبارها بديلًا جزئيًا عن الدولار، كونها توفر استثمارًا آمنًا نسبيًا في حال التزام الدولة بالسداد، لكنها لا تمنح حماية كاملة من تقلبات سعر الصرف أو التضخم كما يفعل الذهب أو الدولار"، مؤكدًا أن "نشر ثقافة السندات بين المواطنين العراقيين، من خلال إطلاق حملات توعية وطنية شاملة عبر وسائل الإعلام، والجامعات، ومؤسسات المجتمع المدني".
إصدارات حديثة.. لكن الإقبال محدود
وبين شهري شباط وأيار من العام الجاري، طرحت وزارة المالية العراقية ثلاث وجبات من السندات الوطنية، بعوائد بلغت 8% و10%، ومدد تتراوح بين سنتين وأربع سنوات.
وتهدف هذه الإصدارات إلى توفير سيولة داخلية دون اللجوء لطباعة الدينار أو الاقتراض الخارجي، وهي جزء من خطة أشمل للبنك المركزي لامتصاص الأموال المكتنزة لدى المواطنين، لكنه يصطدم بواقع مجتمعي يفتقر للثقة، والأدوات المعرفية اللازمة لفهم مثل هذه المنتجات.
بدوره، أكد الخبير المالي عبد الرحمن الشيخلي أن "السندات تصدر لأسباب معينة، وفي أوقات محددة، ومن جهات معينة، ومنها سندات دعم الخزينة".
وقال الشيخلي لـ(المدى)، إن "سندات دعم الخزينة تصدرها الدول بهدف تحريك العملة المحلية وإدخالها ضمن القنوات الرسمية، إضافة إلى سحب الإيداعات من حالة الاكتناز، وذلك لتفادي اللجوء إلى إصدار كتلة نقدية جديدة عبر الطباعة".
وبيّن أن "هذه السندات تُمنح لحامليها بفوائد عالية وثابتة، وتُوزع أرباحها حسب رغبة العملاء، إما سنويًا أو في فترات أخرى، كما يمكن إعادة تداولها عند الحاجة من خلال سوق الأوراق المالية".
ثقافة مالية غائبة
ويرتبط الإقبال على السندات عادة بوجود ثقافة استثمارية، ووعي حقيقي بأهمية تنويع مصادر الادخار، لكن في العراق، تتركز خيارات المواطن في الدولار، أو العقار، أو الذهب، وهي أدوات تعتبر أكثر وضوحًا وبساطة في أذهان الناس، فضلاً عن كونها تشكل درعًا في مواجهة تقلبات السياسة وسعر الصرف.
يُضاف إلى ذلك أن ثقة الجمهور بالمؤسسات المالية ما تزال ضعيفة، بسبب انتشار الفساد، وتجارب معقدة في مجال القروض، والبطاقات مسبقة الدفع، كما أن التعامل مع البيروقراطية في شراء السندات، وعدم وضوح آليات استرداد الأرباح أو التداول في السوق الثانوية، يزيد من هذا العزوف.
The post حين تخسر الدولة أمام الذهب والدولار.. قصة السندات التي لا يشتريها أحد! appeared first on جريدة المدى.