ARTICLE AD BOX
دخل مجلس النواب الليبي، الثلاثاء الماضي، أزمة انقسام عميقة، وإن لم تكن جديدة، إذ إنها هذه المرة حول مليارات الصندوق الذي أنشأه اللواء المتقاعد خليفة حفتر. فبعد قبول رئيس المجلس عقيلة صالح، يوم الاثنين الماضي، طلباً تقدم به نواب موالون لحفتر بتخصيص ميزانية ضخمة لــ"صندوق التنمية وإعادة الإعمار"، لكن بشروط تعجيزية، عقد النواب الموالون لحفتر جلسة خاصة في اليوم التالي دون حضور صالح ومرروا القرار بشكل نهائي. مبلغ 69 مليار دينار المطلوب (نحو عشرة مليارات و600 مليون دولار)، بات في طريق الصندوق، وصار عقيلة محاصراً بين خيارين أحلاهما مر: معارضة تمرير القرار بالكشف عن عدم قانونية جلسة اليوم الثاني وبالتالي إعلان العداء لحفتر، أو الصمت والسماح للأخير بالحصول على ما يريد. ويبدو أن عقيلة حتى الآن اختار الصمت، وانتصر حفتر في جولته الأخيرة لتحصين صندوقه الجديد قبل أي تغيير حكومي مقبل.
هذا الصندوق ليس الأول في رحلة حفتر الطويلة لفرض نفسه في المشهد الليبي، فقد كانت بدايته مع "صندوق الذخيرة" الذي فتحه في بنغازي بمنتصف 2014، ليشن منه حروبه المتتالية، وتوسع فيها حتى بلغ أبواب طرابلس عامي 2019 – 2020، ودمر في الأثناء مدناً كدرنة وبنغازي وغيرهما تحت شعارات لم تثمر سوى الخراب. وبعد هزيمته الساحقة على أبواب طرابلس، ومع بدء هبوب رياح الحل السياسي والانتخابات بضغط دولي، خلع حفتر البزة العسكرية وارتدى البدلة المدنية، مراهناً هذه المرة على "صندوق الاقتراع" للوصول إلى الحكم كزعيم سياسي مدني. لكن جذوره العسكرية العميقة وإشكالية الجنسية المزدوجة جعلت طريقه مسدوداً، ورفض الليبيون مروره عبر "صندوق الاقتراع" الذي أراد تشكيله على مقاسه الخاص.
وبمرور البلاد بمرحلة انسداد سياسي حاد، بحث حفتر عن بديل آخر، فجاء "صندوق التنمية وإعادة الإعمار" كواجهة جديدة، في مفارقة عجيبة، فكيف لرجل أشعل بالأمس فتيل الحرب ودمر المدن أن يظهر اليوم بمظهر الباني لما دمرته ذخيرته! فالهدف، من الواضح، أنه واحد.
وفي خضم التوجه الدولي لتشكيل حكومة موحدة جديدة، يخشى حفتر أن تفقده أي تسوية أدوات نفوذه التقليدية للبقاء، لذا فهو يسارع لتحصين "صندوق التنمية" في كيان شبه تنفيذي مستقل في إدارته وتمويله وبميزانيات فلكية، ليكون حصنه المالي والعائلي الذي يضمن له البقاء في قلب المشهد، حتى لو تغيرت الحكومات واهتز عرش وأركان مجلس النواب. هذه الخطوة الأخيرة لإجبار المجلس على تمرير الـ69 ملياراً قبل أي تشكيل حكومي موحد، لا شك أنها استباق لأي رقابة قد تفرضها حكومة جديدة على إدارة الأموال.
الواقع أن صناديق حفتر، رغم تبدل مسمياتها، إلا أنها تشترك في هدف واحد، وهو خدمة مشروعه في السلطة، والأكثر اتصالاً بالواقع أن "صندوق الذخيرة" لم يغلق، فالشكوك قوية حول وجهة أموال التنمية الضخمة لتمويل الترسانة العسكرية وتقويتها، وإلا كيف يفسر حصول الصندوق على 100 مليار دينار العام الماضي، وسعيه لـ69 ملياراً إضافية الآن، فيما لم يظهر على الأرض سوى بعض الكباري وملعب رياضي في بنغازي، وصيانة فندق في درنة، فقط، وهي مشروعات محدودة جداً لا تتناسب مع هذه المليارات؟ "صندوق التنمية" يبدو أنه آخر حلقات مسلسل صناديق حفتر، لكن الغاية لم تتغير: البقاء بأي ثمن.
