حادثة طيران شراعي مميتة في لبنان... تعددت المعايير والأخطار

6 days ago 3
ARTICLE AD BOX

<p class="rteright">تعد رياضة الطيران الشراعي من الرياضات الشائعة في لبنان (اندبندنت عربية)</p>

شكل خبر سقوط شاب في عمر الـ17 ووفاته أثناء ممارسة رياضة الطيران الشراعي، صدمة للمجتمع اللبناني. وكان الشاب يمارس هذه الرياضة مع أحد المدربين في منطقة جونيه شمال العاصمة بيروت، حين سقط ولقي حتفه. وبحسب الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية، بعد حصول الحادثة لاذ سائق المظلة الشراعية بالفرار واستمرت الجهات الأمنية في ملاحقته، ليعود ويسلم نفسه أمس الثلاثاء إلى شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، فيما اعتقل صاحب النادي الذي يعمل لديه علماً أنه يتبع أحد نوادي رياضة الطيران الشراعي العديدة داخل لبنان. ولا تزال التحقيقات جارية لكشف ملابسات هذه الحادثة المأسوية وأسبابها، بينما لم تكشف بعد الأسباب الحقيقية التي أدت إليها. وتعددت الأخبار المتداولة حول ما حصل، وكان أبرزها أن الضحية لم يكن مربوطاً بصورة محكمة بالمظلة مما يعد خرقاً خطراً لشروط الأمان التي يجب أن تكون متوافرة في هذا النوع من الرياضات الخطرة. لذلك، أثيرت تساؤلات حول معايير السلامة المطلوبة في رياضات مماثلة، ومدى الالتزام بها داخل لبنان حيث تغيب الرقابة خلال أحيان كثيرة، وتتكرر الحوادث.

رياضة شائعة والخطر موجود

تعد رياضة الطيران الشراعي من الرياضات الخطرة التي لها عشاق كثر في مختلف أنحاء العالم. وهي شائعة داخل دول عدة مؤهلة بطبيعتها ومناخها لنشرها والسماح بممارستها، إلا أن الحادثة المؤسفة التي حصلت في لبنان شكلت ضربة لرياضة باتت تشكل نشاطاً سياحياً مهماً، ووجهة لعشاق هذه الرياضة. فبعدما حصل، توجهت الأنظار نحو الإجراءات التي قد تتخذها السلطات المتخصصة بعدما تكشف التحقيقات حقيقة ما جرى، لضمان سلامة الناس ومنع تكرار حوادث مماثلة.
في الواقع، سرعان ما صدر قرار بمنع الطيران الشراعي من منصتي الإقلاع في حريصا وغوسطا (قضاء كسروان)، وحظر الهبوط في منطقة جونيه حتى إشعار آخر. وخُتم مدرج الطيران الشراعي في المنطقة بالشمع الأحمر. وأتى هذا القرار لينفذ إلى حين استكمال التحقيقات الأولية في الحادثة، بعد تزايد المخاوف من تكرار حوادث من هذا النوع بسبب الاستهتار بشروط السلامة العامة، وغياب الرقابة الجدية على الجهات المعنية بأنشطة الطيران الشراعي في لبنان.

وكانت رياضة الطيران الشراعي التي تعد من أبرز الرياضات الخطرة داخل البلاد انطلقت في لبنان عام 1992، وسرعان ما أصبحت هناك أندية متعددة لها وأضحت رياضة مفضلة للكبار والصغار الذين تجذبهم فكرة القيام برحلات فوق أجمل المناطق اللبنانية. وتعد المواقع التي تمارس داخلها هذه الرياضة من الأهم في المنطقة بين جبال لبنان، حيث يمكن لعشاقها الاستمتاع بالمناظر الخلابة. إلا أن من يمارسها يدرك جيداً أنها رياضة لا تخلو من الأخطار، وأن احتمال حصول حادثة فيها موجود داخل لبنان كما في أي بلد حول العالم. ومن آخر الحوادث التي سجلت عالمياً أثناء ممارسة رياضة الطيران الشراعي، مقتل شخصين في سويسرا العام الماضي. وسُجلت ثلاث حوادث أخرى لسياح لقوا حتفهم في الهند. وإذ تتعدد الإحصاءات والأرقام التي تشير إلى معدلات حصول حوادث ضمن هذه الرياضة، تشير تلك الصادرة عن "المعهد الوطني للصحة" في لبنان إلى أنها تراوح ما بين 120 و360 حادثة من بين كل 100 ألف قفزة بالطيران الشراعي.

وأوضح مؤسس أحد نوادي الطيران الشراعي في لبنان المدرب رجا سعاده أنه "طوال العقود الماضية، لم تسجل يوماً حادثة كهذه في لبنان أثناء ممارسة رياضة الطيران الشراعي"، معبراً عن أسفه لما حصل ومفضلاً الانتظار حتى تكشف التحقيقات ملابسات الحادثة. وفي الإشارة إلى معايير السلامة التي يُتقيد بها في رياضة الطيران الشراعي داخل لبنان كما في العالم، أشار إلى وجود ثلاثة معايير أساس تضمن سلامة تجربة الطيران هي الطقس والسلامة الذهنية والجسدية للمدرب بما يلائم شروط الطيران، وسلامة الأدوات والمعدات المستخدمة.

أما النادي الذي يعمل لصالحه المدرب الذي يرافق الأشخاص في التجربة فيكون مرخصاً من وزارة الشباب والرياضة، وهو يشرف على المدربين الذين يعملون معه ويكون مسؤولاً عنهم. وبالنسبة إلى المدربين، قال إنه "حتى اليوم لا تُعطى لهم شهادة في لبنان للطيران الشراعي، بل يمكنهم الحصول عليها من خارج البلاد أو من مدربين أجانب يحضرون إلى لبنان لتقديم دورات تدريبية ومنح الشهادات.

وفي ما يتعلق بالشخص الذي يأتي ليمارس هذه الرياضة مع مدرب، فلا يطلب منه أن يتمتع بأية معرفة فيها أو مهارات معينة، ما دام المدرب يرافقه وهو مسؤول عن هذه التجربة. لكن بحسب رجا سعاده "يطلب دوماً بأن يكون الشخص راغباً فعلاً في خوض التجربة، وألا يكون أحدهم دفعه إلى القيام بها. هذا، ويمكن حتى للأطفال ممارستها، علماً أن قرار السماح لطفل بخوض تلك التجربة يرتبط بالوزن، فيجب أن يتخطى الـ25 كيلوغراماً. وعلى رغم أن الأهل يندفعون ليمارس أطفالهم الصغار هذه الرياضة، لا يحبذ ذلك، ومن الأفضل ألا يكون الطفل دون عمر 13 سنة ليتفاعل بصورة ملائمة مع المدرب ويستمتع فعلاً بالتجربة. وبصورة عامة، لا يطلب من الشخص إلا أن يساعد المدرب عبر الركض قليلاً عند الإقلاع. لكنه لا يعد من الشروط الملزمة".

لا ينكر سعاده أنها رياضة خطرة، "لكن من يراها من الخارج قد يتصور أنها أكثر خطورة بعد. وفي الواقع، هي توازي بخطورتها أية رياضة في الطبيعة، والحوادث يمكن أن تحصل في هذه الرياضات. لكن غالباً ما تكون الحوادث بسيطة. أما الحوادث المأسوية كالتي حصلت فنادرة، وهي المرة الأولى التي تحصل حادثة مماثلة منذ انطلاق رياضة الطيران الشراعي في لبنان عام 1992، وبعد أكثر من 150 ألف عملية إقلاع وهبوط. هذا، فيما يؤكد كفاءة المدربين اللبنانيين العالية".

شروط لقفزة آمنة

"ليكن الإقلاع آمناً، من المفترض أن تكون انطلاقة المدرب والشخص الذي يرافقه في الطائرة الشراعية مواجهة للبحر والهواء. أما في شأن المعدات والأحزمة المعتمدة فهي مستوردة من أوروبا وتحمل توقيعاً، وهي خاصة بالطيران الشراعي ولا يمكن أن تحدث مشكلة فيها"، وفق ما يوضحه سعاده. وأضاف "قد يتخذ النادي قراراً بالتوقف عن استخدام هذه المعدات بعد 2000 قفزة بها تقريباً، حفاظاً على السلامة. ويمكن أن يتخذ النادي قراراً بوقف استخدامها إذا تعرضت لمياه البحر أو تبين أنها بدأت تتلف. وفي المقابل، يستحيل أن يُفك الرباط تلقائياً أثناء الطيران إذا كان مربوطاً بإحكام وبالصورة المناسبة. ولم تحصل حوادث كبيرة ومأسوية سابقاً، وانطلاقاً من ذلك هناك حرص دائماً على سلامة الأدوات والمعدات المستخدمة".

وتابع "أما بالنسبة إلى الهواء فهو أيضاً من المعايير الأساس لتجربة آمنة، فإذا تخطت سرعته الـ25 كيلومتراً في الساعة لا تكون هناك مخاطرة بالإقلاع وممارسة رياضة الطيران الشراعي. ومن المفترض أن تراوح سرعة الرياح بين صفر و26 كيلومتراً في الساعة، حتى أنه من الممكن ألا يكون الهواء ملائماً للطيران بحسب اتجاهاته، فإذا كان الهواء يهب من الخلف، لا يكون الإقلاع ممكناً أيضاً".
انطلاقاً من ذلك، يشير سعاده إلى أنه "في حال توافر هذه الشروط والعناصر كافة لا يمكن التعرض لأية حادثة، علماً أنه في كل تجربة طيران تكون هناك مع المدرب مظلة إضافية لمزيد من الحرص. فإذا حصل عطل ما في المظلة الأولى يكون من الممكن اللجوء إلى تلك البديلة لتوفير هبوط آمن، وإن لم تكن هناك حاجة في أية مرة للجوء إليها، ومن الشروط الأساس التي تعني المدرب أن يتمتع بسلامة تامة ذهنية وجسدية، حتى أنه يمنع عليه السهر صيفاً خلال موسم الطيران الشراعي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بين الأدرينالين والهلع

وعما إذا كان من الممكن أن تشكل حالة الهلع التي يتعرض لها من يمارس رياضة الطيران الشراعي سبباً لحادثة قد تحصل، أوضح سعاده أن "الشعور بالخوف يتملك بعض قبل الإقدام على تلك التجربة، فيترددون وأحياناً يقلعون عن فكرة خوض التجربة. أما بعد الإقلاع فلا يكون الشعور بالخوف حاضراً أبداً بل تسيطر متعة التجربة ومشاهدة المناظر الخلابة من الأعلى مع ارتفاع مستويات الأدرينالين". وأضاف "من يأتي لخوض تجربة الطيران الشراعي يبحث عن الإحساس المرافق لارتفاع مستويات الأدرينالين ويجد السعادة في ذلك، ولهذا الإحساس ثمنه وهو يحمل خطراً معيناً لا يمكن التغاضي عنه. وتشير الأرقام والإحصاءات حول العالم إلى أنه من الممكن أن تحصل حادثة وأن الخطر موجود والحوادث حصلت في مختلف أنحاء العالم".

وفي حين لم تتضح تفاصيل الحادثة المؤسفة بعد، اتخذ قرار بوقف الطيران الشراعي لجميع الأندية في لبنان، و"هذه الخطوة أتت عشوائية" بحسب سعاده، "وكأن الكل مخطئ والمدربين كافة غير كفوئين. لذلك يطالب سعاده بانتظار نتائج التحقيقات قبل اتخاذ قرار بوقف رياضة باتت تشكل عنواناً للسياحة في لبنان، إذ تحول الطيران الشراعي إلى نشاط سياحي أساس داخل البلاد، وسياح كثر يحضرون إلى لبنان خصيصاً ليومين أو ثلاثة لممارستها والاستمتاع بها. حتى إن إعلانات وزارة السياحة كافة تعرض الطيران الشراعي، وكأنها أصبحت صورة للبلد بما يرافقها من مشهدية رائعة. أما الحوادث فمن الممكن أن تحصل مهما كانت التدابير والإجراءات التي تتخذ، كما في أي بلد حول العالم". وأكد المتحدث ذاته أن "هناك حرصاً على التقيد بأقصى حدود معايير السلامة تجنباً لأية مشكلة في نوادي الطيران الشراعي، وتعد أرقام حوادث الطيران الشراعي في العالم قليلة إجمالاً. لذلك، عدَّ أن قرار وقف الطيران الشراعي مجحف في حق النوادي التي لم تتهاون أو تستهتر بمعايير السلامة".
وتجدر الإشارة إلى أن رياضة الطيران الشراعي تستمر طوال أيام العام إذا كانت الظروف المناخية تسمح بذلك، إلا أنها تزدهر أكثر بعد بطبيعة الحال خلال موسم الصيف مع قدوم الموسم السياحي وارتفاع أعداد السياح الذي يقصدون البلاد، ويسعون إلى الاستمتاع بمختلف الأنشطة.

قد يكون هناك التزام من قبل نوادي الطيران الشراعي بمعايير السلامة العامة، وقد يكون صحيحاً أن تلك الرياضة تحمل خطراً كأية رياضة أخرى في الطبيعة. إلا أن المحاسبة والتشدد بعدها في الرقابة على الالتزام بمعايير السلامة يعد من الخطوات التي لا مفر منها. وحتى لا تمر هذه الحادثة وتصبح طي النسيان بعد الصدمة التي تسببت فيها داخل البلاد، كما حصل في حوادث أخرى عدة سابقة في مختلف القطاعات، تبدو المحاسبة ضرورية لاستعادة تلك الثقة التي تزعزعت بعدما حصل، خصوصاً أن المواطن اعتاد على التفلت وغياب المحاسبة في لبنان.

subtitle: 
يرى ناشطون في المجال أن قرار وقف كل النوادي التي تمارس تلك الرياضة "مجحف"
publication date: 
الأربعاء, مايو 14, 2025 - 16:30
Read Entire Article