جولة "خفيّة" في سجون تونسية

4 hours ago 4
ARTICLE AD BOX

قرّرتُ بيني وبين نفسي أن أقوم بجولة افتراضية داخل زنزانات السجون التونسية. أخذت الكاميرا، وانطلقت نحو هدفي متسلّحاً بالصبر بحثاً عن الحقيقة.

بحكم احترامي المرأة ودورها في بناء المجتمعات، بدأت بزيارة سجن النساء في مدينة منوبة، لإلقاء نظرة على المحامية سنية الدهماني. استقبلتني بابتسامة التحدّي، رغم صعوبة الظروف التي تعيشها. لا تزال محرومةً من العلاج الذي هو من حقوقها المكفولة بالدستور والقوانين الدولية. ودواؤها ليس مكلفاً لدولة تعاني من شحٍّ مالي يتفاقم يوماً بعد يوم. يتمثل علاجها في القيام بحركات رياضية بالساحة الصغيرة المخصصة لكل السجينات، ما عدا سنية التي يُراد كسر إرادتها، وتحويلها إلى امرأة ذليلة وخاضعة لإدارة السجن. أخيراً، خبر سعيد، حيث سُمح لها بتقبيل ابنتها ولمسها من دون حاجز حديدي. شكراً على هذه الالتفاتة الرمزية التي أسعدت الأم، لكنها لم تغيّر من وضعها التعيس.

بعد ذلك، انتقلتُ افتراضياً إلى سجن "المسعدين"، حيث الصحافية شذى الحاج مبارك التي يكاد يسحقها الإحساس بالظلم والإهمال. قالت لمحاميها المتطوّع سمير ديلو "راني باش نموت.. حطّموني بدنيّاً ونفسيّاً... أنتظر منذ شهور باش نداوي.. ما يحبّ يقابلني حدّ من المسؤولين". أمر هذه الزميلة عجيب، وجدت نفسها مدرجة في قضية "ستالينغو"، وهو موقع إلكتروني اتُّهم أصحابه بالإرهاب وبالتآمر على أمن الدولة، وذهب ضحيّته أشخاصٌ كثيرون من مختلف المواقع والمهن والرتب. وتعقدت وضعية هذه الصحافية، عندما رفضت الإدارة تصديقها بأنها تعاني من ضعف في السمع، ولم تحضر جلسة مباشرة أمام المحكمة، و"لا تعرف لماذا هي مسجونة"، وكل ما تريده وتطالب به نقلها إلى سجن آخر يكون قريباً من سكن أهلها، كما ينصّ على ذلك الدستور والقوانين الدولية. وكم توسّلت أمها المريضة، ووجّهت النداء تلو الآخر لإطلاق سراح ابنتها. ولكن لا حياة لمن تُنادي.

انتقلتُ من هناك إلى سجن المرناقية، حيث حطاب سلامة قبل نقله إلى سجن بلاريجيا. وضع هذا الشخص سيارته مصادفةً أمام منزل أحد المتهمين، من دون أن يعلم بانعقاد اجتماع ذي طابع سياسي معارض للسلطة. وكانت النتيجة أن حكم عليه بأربع سنوات. وعندما سأله القاضي عن علاقته بخيام التركي، صاحب المنزل الذي أوقف سيارته أمام بابه، أجاب الرجل البسيط بكل عفوية "لم يسبق لي السفر إلى تركيا، ولم يحصل لي أن خالطت أتراكاً". لم يأخذ قلم التحقيق إجابته الساذجة بالاعتبار، وهو حاليا في السجن يدعو ربه ليخرجه من هذه الحفرة التي وجد نفسه فيها.

بعد هذه الرحلة المرهقة صحيّاً ونفسياً، عزمت على معرفة شبّانٍ أحيلوا على القضاء بسبب تدويناتٍ أدّت بهم إلى السجن، وفق المرسوم عدد 54، والذي يصفه كثيرون بـ"سيئ الذكر"، واعتبروه سيفاً مسلّطاً على الرقاب. وهو ما دفع البرلمان إلى السعي لمراجعته قريباً، نظراً إلى كثرة ضحاياه وتعارض عديد من فصوله مع حرّية التعبير والصحافة.

ولم أنس أحمد صواب، الشخصية القانونية المحترمة الذي وجد نفسه مع مجرمي الحقّ العام، ينتظر الكلمة الفصل في القضية المرفوعة ضده، والتي وصفته بـ"الإرهابي"، رغم نضاله المعروف ضد الإرهاب.

عند هذه القضية الغريبة، تعطّلت الكاميرا، وانتهى وقت الزيارة الافتراضية، قبل سماع ذلك الشيخ الثمانيني السجين راشد الغنوشي الذي لم يكترث بالأحكام التي توالت عليه، رافضاً شرعية المحاكم التي نظرت في القضايا المتعلقة به، وممتنعاً عن الحضور في الجلسات السابقة واللاحقة التي بتّت في شأنه. كما لم أتمكن أيضاً من زيارة مساجين "المؤامرة" الذين جرى نقل بعضهم عنوة إلى سجون متعدّدة، حسب روايات عائلاتهم، رغم مكانتهم الاجتماعية والسياسية، وقبل صدور أحكام نهائية في القضايا المحالين من أجلها. ولله في خلقه شجون.

Read Entire Article