جهاز أمن الثورة... قبضة حوثية مستحدثة لمواجهة التهديدات

1 day ago 3
ARTICLE AD BOX

مع استمرار جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) في ما تسميها معركة إسناد غزة، تتزايد التهديدات والتحديات الأمنية التي تواجهها، وبلغت هذه التهديدات ذروتها بتوعّد وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس، في بيان له منتصف شهر مايو/أيار الحالي، بملاحقة زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي وقتله. تهديدات أخذها الحوثيون على محمل الجد، لترفع الجماعة من مستوى جاهزيتها من خلال تشديد الاحتياطات والتعزيزات الأمنية. كما صعّد الحوثيون من حملة الاختطافات بتهمة التخابر مع العدو والتي طاولت عددا من الناشطين في محافظات عدة، أبرزها محافظة الحديدة غربي البلاد، ومحافظة صعدة شمالي اليمن والتي تعد المعقل الرئيس للجماعة. بالتوازي مع ذلك، ذكر تقرير لمنصة "ديفانس لاين" أن الحوثيين استحدثوا جهازاً أمنياً جديداً على ارتباط مباشر بزعيم الجماعة وتحت إشرافه باسم جهاز أمن الثورة يضاف إلى عدد كبير من الأجهزة الأمنية التي شكّلتها الجماعة، وهو ما يكشف عن حجم التخوفات من أي اختراقات أمنية في صفوف الجماعة.

ومن أجل الحصول على موقف جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، تواصلت "العربي الجديد" مع رئيس لجنة المتحدثين العسكريين في الجماعة، العميد مجيب شمسان، وعضو المكتب السياسي لـ"أنصار الله"، حزام الأسد، غير أنهما أفادا بـ"عدم امتلاكهما معلومات عن موضوع إنشاء جهاز أمن الثورة"، رافضين تأكيد أو نفي تشكيل الجهاز الأمني.

الأهداف وراء جهاز أمن الثورة

وفق المعلومات المتوفرة من "ديفانس لاين"، يتبع جهاز أمن الثورة لزعيم الجماعة بشكل مباشر، ما يعني أنه سيكون الجهاز الأمني الأعلى سلطة والأكثر نفوذاً من الأجهزة التابعة للجماعة. وللجهاز دور إشرافي أكثر منه تنفيذي، فهو يشرف على الأجهزة الأمنية الأخرى، ويوجهها، ويرشد أداءها، ويقوم بالتخطيط، والرقابة على أجهزة الأمن والاستخبارات الأخرى، كما يرسم المهام الاستراتيجية العامة للجانب الأمني. ويتعدى دور الجهاز الجانب الأمني الداخلي إلى الجوانب الأمنية الدولية والإقليمية، أي أنه أشبه بجهاز استخبارات دولي، في مواجهة التحديات الأمنية الخارجية.

 

أهمية جهاز أمن الثورة المستحدث وارتباطه المباشر بزعيم الجماعة جعلا عبد الملك الحوثي يسعى لتعيين إحدى الشخصيات المقربة جداً منه، ومن دائرته الضيقة، وممن يجمع بين الفكر العقائدي وامتلاك الخبرة الأمنية، لإدارة الجهاز، وهي معايير أوقعت الاختيار على جعفر محمد المرهبي، المكنى بـ"أبو جعفر".

لجهاز أمن الثورة دور إشرافي أكثر منه تنفيذي، فهو يشرف على الأجهزة الأمنية الأخرى، ويوجهها، ويرشد أداءها، ويقوم بالتخطيط

ينتمي المرهبي إلى محافظة صعدة، معقل زعيم الجماعة، ويمتاز بشخصية غامضة ومتوارية عن وسائل الإعلام. وعلى الرغم من صغر سنه (42 عاماً)، فإن له باعاً طويلاً من العمل في صفوف الجماعة، إذ انتمى مبكراً لصفوف تنظيم "الشباب المؤمن"، قبل أن ينتقل التنظيم إلى ما بات يعرف بجماعة "أنصار الله"، كما تلقى تعليماً دينياً زيدياً بالتزامن مع دورات عسكرية وأمنية. المرهبي من القلة الذين ساهموا في انتشار فكر الجماعة خارج أسوار مدينة صعدة، والمدارس الدينية الزيدية، حيث يعد من "المكبرين الأوائل" الذين صرخوا بشعار الجماعة المعروف بالصرخة في الجامع الكبير بصنعاء عام 2003 وتعرّض بسببها للاعتقال، ليفرج عنه لاحقاً، ويُعتقل مجدداً في 2004 عقب مشاركته في حرب صعدة الأولى بين الحوثيين والدولة اليمنية.

امتلك المرهبي قدرات ومهارات أمنية مبكرة أهلته ليكون مسؤولاً عن الحماية الأمنية لمؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي الذي رافقه المرهبي وتتلمذ على يديه، وبعد مقتل حسين الحوثي في 2004، انتقل المرهبي للعمل في حماية زعيم الجماعة الحالي عبد الملك الحوثي. ساهم المرهبي في تأسيس النظام الأمني للجماعة أو ما يعرف بـ"جهاز الأمن الوقائي الجهادي"، المسؤول عن الجوانب الأمنية والاستخباراتية للمركز القيادي للجماعة، وعلى رأسها الحماية الأمنية لزعيمها، وهذه المهام جعلته يخضع لدورات أمنية على يد خبراء إيرانيين وخبراء من حزب الله.

بعد تلقيه دورات أمنية وعسكرية، أوكلت الجماعة إلى المرهبي عدداً من المهام الأمنية، فجرى تكليفه بقيادة مجموعة مسلحة اتُهمت بتنفيذ عمليات اغتيالات وتفجيرات، فقاد ما عرف بـ"خلية صنعاء الإرهابية الثانية" وحكمت المحكمة الجزائية المتخصصة عليه بالإعدام في يونيو/حزيران 2008 عقب إدانته بقتل ضابط وجندي خلال حملة أمنية، ليُفرَج عنه بعفو رئاسي في العام 2011 بالتزامن مع الثورة الشبابية الشعبية ضد نظام علي عبد الله صالح. بعد إطاحة صالح، شارك المرهبي في حروب الجماعة التي سيطرت خلالها على صعدة وعمران وصولاً إلى السيطرة على صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014، حيث لعب دوراً رئيسياً في السيطرة على وزارة الداخلية والمؤسسات الأمنية التابعة لها وإعادة هيكلتها.

الأدوار التي لعبها المرهبي، خصوصاً في الجانب الأمني، ساهمت في حصوله على ترقيات أمنية عقب سيطرة الحوثيين على الدولة، وعُيّن في 2016 برتبة عقيد، ليُرقّى لاحقاً إلى رتبة لواء. وعملت جماعة الحوثي على إبقاء المرهبي بعيداً عن الأضواء بوصفه شخصية أمنية قيادية في الجماعة، وعلى تقديمه شخصيةً مدنيةً من خلال تعيينه عام 2023 وكيلاً لوزارة الإرشاد وشؤون الحج والعمرة.

يقول الخبير في شؤون جماعة الحوثيين الصحافي عدنان الجبرني، لـ"العربي الجديد"، إن تشكيل جهاز أمن الثورة يأتي ضمن هوس الجماعة بالسيطرة على المجتمع، ونتيجة نزعة سيطرة وقبضة طويلة الأمد وفي مختلف المجالات، مضيفاً أن مهمة الجهاز "تتمثل في حماية خط ثورة الحوثيين من أي انحراف، ومراقبة سلوك سلطة الجماعة، ومؤسساتها، والمجتمع، ومن تشكل أي ظواهر قد تشكل تهديداً لتوجه وخطط الجماعة". ويشير إلى أن "ميزة الجهاز الأمني المستحدث أنه جهاز نوعي، وعدد أفراده أقل، أي ضمن حدود دائرة مغلقة، وليس جهة ضبط مباشر، وإنما يوصي الأجهزة الأخرى بما عليها أن تفعله، ويقوده جعفر المرهبي وهو شخصية تزعمت خلايا تفجيرات وإرهاب، وصدر بحقها حكم بالإعدام".

أجهزة أمنية متنوعة للقمع والمراقبة

ويأتي تشكيل جهاز أمن الثورة امتداداً لسلسلة من الأجهزة الأمنية التي شكلها الحوثيون، منها جهاز الأمن والمخابرات الذي يعد جهاز المخابرات الرئيسي، وهو نتاج دمج جهازي الأمن السياسي والأمن القومي في أغسطس/آب 2019، ومهمته التعامل مع التهديدات الرئيسية الداخلية والخارجية، ويديره القيادي الحوثي اللواء عبد الحكيم الخيواني، ويسيطر عليه فعلياً القيادي الحوثي أحمد حامد، مدير مكتب ما يسمى بـ"مجلس الحكم" في الهيكل القيادي الجماعة، والذي يشغل أيضاً منصب مدير مكتب رئاسة الجمهورية.

كما أنشأ الحوثيون، في مارس/آذار 2024، جهازاً أمنياً تحت اسم جهاز استخبارات الشرطة ومكافحة الإرهاب، ومُنحت قيادة الجهاز إلى علي حسين بدر الدين الحوثي، نجل مؤسس الجماعة، الذي يحمل رتبة لواء، ويعمل هذا الجهاز الأمني باستقلالية تامة عن الأجهزة القضائية والأجهزة الأمنية الأخرى. وتتمثل المهمة الرئيسية لهذا الجهاز في قضايا النشر والتحريض، وقمع الرافضين الانخراطَ في صفوف الجماعة، وملاحقة الناشطين والصحافيين، ومن تصفهم الجماعة بالطابور الخامس، وهم منتقدو فساد الجماعة من موظفي الدولة والمواطنين القاطنين في مناطق سيطرة الجماعة. وشن هذا الجهاز حملات قمع واختطافات بحق عدد من غير الموالين للجماعة، وأبرز تلك الاختطافات هي تلك التي استهدفت موظفين في موانئ الحديدة وشركة النفط بشكل تعسفي ومن دون أوامر قبض من النيابة.

كما تملك جماعة الحوثيين جهازاً أمنياً خاصاً، تتمثل مهمته في تأمين حركة القيادات، ومراقبة أنشطتهم، ومنع أي اختراق للهياكل التنظيمية المختلفة للجماعة، ويعد من أكثر الأجهزة الأمنية نفوذاً، ويطلق عليه جهاز الأمن الوقائي، ويديره القيادي الحوثي العميد أحسن الحمران، ويُشرَف عليه من قبل اللواء الركن عبد الكريم الحوثي الذي يدير وزارة الداخلية. وهناك تنازع صلاحيات بين جهاز الأمن والمخابرات، وجهاز استخبارات الشرطة ومكافحة الإرهاب. وهذا التداخل والتنازع حول الصلاحيات والنفوذ كان من أبرز الأسباب التي جعلت قيادة الجماعة تنشئ جهاز أمن الثورة الذي انفرد بصلاحيات مطلقة، وظل تحت إشراف مباشر من زعيم الجماعة.


أحمد المليكي: جماعة الحوثيين تدرك أن الجانب الأمني يمثل أولوية لها في المرحلة الحالية نتيجة غرقها في مستنقع الصراع الخارجي


ويرى المحلل العسكري المقدم أحمد المليكي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "جماعة الحوثيين تدرك أن الجانب الأمني يمثل أولوية لها في المرحلة الحالية نتيجة غرقها في مستنقع الصراع الخارجي، وإطلاق الإسرائيليين تهديدات باستهداف قيادة الجماعة، وهذا يعني أن الإسرائيليين بدأوا العمل على جمع معلومات استخبارية عن الجماعة وقياداتها وهيكليتها وأسلحتها وكل ما يتعلق بها، بعد أن كان هذا الجانب مهملاً لدى الإسرائيليين الذين لم ينظروا للحوثي باعتباره عدواً أو عدواً محتملاً خلال الأعوام السابقة لدخول الجماعة في ما تسميه معركة إسناد غزة".

ويضيف المليكي أن "الجماعة تدرك خطورة التهديد الأمني والاستخباري جيداً، ورأت في اختراق إسرائيل حزب الله والضربات التي تلقاها الحزب درساً تجب الاستفادة منه، ولذا رأينا الاحترازات الأمنية التي سارع الحوثيون لاتخاذها بشكل متشدد من خلال عدم ظهور قيادات المجلس الجهادي والعسكري للجماعة، ومنع القيادات الفعلية للجماعة من استخدام الهواتف الذكية، والاعتماد على شبكات اتصالات خاصة، وفرض إجراءات أمنية استباقية مثل حملات القمع والاختطافات، وتشديد القبضة الأمنية في مناطق سيطرة الجماعة".

Read Entire Article