تفاوت الخطاب بين جوزاف عون ونوّاف سلام

4 hours ago 4
ARTICLE AD BOX

عند اجابته على سؤال طُرح عليه، ويتعلق بالتباين بينه وبين رئيس الجمهورية جوزاف عون في مقاربة موضوع سلاح حزب الله، أجاب رئيس الوزراء اللبناني نوّاف سلام، وبشيء من الحديّة: "ما تجرّب تخلق لي فرق بيني وبين الرئيس (عون)". ... إلا أن التباين بين الرجلين بات يتضّح ويظهر إلى العلن أخيراً، حيث أخذ الرئيس عون يتراجع ويتمسّك بخطاب هادئ يحاول تدوير الزوايا مع حزب الله، علماً أن الحوار لم يصل في المرّات السابقة إلى أية نتيجة، لا في موضوع السلاح ولا في غيره، إذ كانت مجرّد جولات يعتمدها الحزب للمماطلة وتمرير الوقت، وليس للوصول إلى أية نتيجة. وقد ذهب عون أبعد من ذلك، إذ عاد يتمحور خطابه حول السلم الأهلي بوصفه بوصلة كل ما يقوم به، فعلى الرغم من أهميته سلماً يمنع الانزلاق الى الاقتتال الداخلي الطائفي والإمعان في تكريس البلد على سكّة الانهيار الموجود عليها أساساً، إلا أنه لطالما كان مطيّة القوى المهيمنة لتشريع الفساد والانقلاب على معايير الدولة بأكملها، خصوصاً عندما تتلقّف المافيات والمليشيات التي تحكم الدولة مثل هذا العنوان، فيصبح هو نفسه عنوان فرض أمر واقع على الدولة، لتشريع ما لا يمكن أن تقبل أي دولة بتشريعه بحكم طبيعتها نفسها. إنه المنطق الذي يفتح الباب أمام كل محاولات الابتزاز السياسي، ويلزم الدولة تقديم تنازلات تصبح الدولة بعدها في قلب علامة استفهام كبيرة، كالتي كانت تحكم مسارها، وما زالت، منذ الحرب الأهلية. من دون أن ننسى أن عون نفسه عاد وعيّن الوزير السابق علي حمية مستشاراً له في موضوع إعادة الإعمار كما عينّه ممثلاً له في اللجان الحكوميّة، وهو كان من حصة الثنائي الشيعي في حكومة نجيب ميقاتي السابقة، ضارباً عرض الحائط الضغوط الدولية التي حكمت تشكيل الحكومة لناحية إبعاد الثنائي الشيعي عن هذا الملف، لحساسيته من ناحية، ولمحاولة تقويض أي إمكانية لتمرير ما لا يمكن تمريره من خارج الدولة من ناحية ثانية. وكأن رئيس الجمهورية عون لا يتحدى الإرادة الدولية والشروط المفروضة على لبنان فحسب، بل ينقلب على خطاب القسم الإصلاحي والسيادي الذي أدلى به أيضاً.

على خلاف ذلك، تمكن ملاحظة أن نوّاف سلام يذهب، وفي خطى ثابتة، نحو خطاب تصاعدي في مواجهة الحزب وفي مقاربة أحجية السلاح، كما في مواجهة حليف حزب الله، رئيس مجلس النواب، نبيه برّي، فالمرونة التي أبداها في موضوع تشكيل الحكومة لم تعد نفسها عند الكلام عن بسط سلطة الدولة على جميع الأراضي اللبنانية، كما حول موضوع حصرية السلاح، على خلاف كل الكلام الذي يصدر عن حزب الله ويحاول تبيان أن الكلام الذي يدلي سلام به يتعارض مع البيان الوزاري الذي أطلقته الحكومة، ووافق عليه وزراء الثنائي الشيعي من داخلها. وقد وصل التباين بينهما إلى تخوم الصدام، بعد أن صرّح سلام: "عصر تصدير الثورة الإيرانية انتهى، ولن نسكت عن بقاء أي سلاح خارج سلطة الدولة، ونحن طلاب سلام"، فما كان من رئيس كتلة الوفاء للمقاومة إلا أن امتنع عن التعليق على كلام سلام "حفظًا لبقية ود موجودة". فردّ سلام عليه بعد خروجه من لقاء "إيجابي" مع برّي: "أترك مكانًا للودّ بيني وبين الحاج محمد رعد، وأقابله بالودّ، وأهلاً وسهلاً بالحاج محمد وبالحزب وقت بيريدوا. أبوابي مفتوحة بالبيت أو بالسرايا أو المحل الي بيختاروه". علماً أن سلام نفسه كان قد رد على كلام برّي قائلًا: "نحن مش مرصد أحوال جوية لنبرّد ونسخّن"، بعد أن صرّح برّي قبل ذلك متوجّهاً إلى سلام بالقول: "إذا بتسخّن منسخّن وإذا بتبرّد منبرّد". فإن دل التباين بين عون وسلام على شيء، فهو على الانقلاب الحاصل اليوم والذي بات سيد الموقف. إذ أصبح اليوم خطاب القسم الذي ألقاه رئيس الجمهورية عند انتخابه وكأنه يتجسّد في سلوك سلام، كما وأن المرونة التي أبداها سلام في موضوع تشكيل الحكومة بات يتجسّد في سلوك عون.

انتقل نوّاف سلام إلى تطبيق خطاب التشكيل وخطاب القسم الذي أدلى به عون بحذافيره، من دون أية مواربة

والكلام أعلاه يدل على أكثر من مجرد انقلاب في كلام عون، بقدر ما هو تأكيد على التباين المنهجي والسلوكي المخالف الذي يتّبعه، كما تأكيده على اختلاف مقاربة الرئيسين المسائل المطروحة والضرورية حول مشروع الإصلاح واستعادة الدولة. فعون، وعلى خلاف سلام، يسلك بما يخالف هذين الشرطين، على الرغم من أن الرجلين يعرفان جيداً الضغوط الخارجية الدولية والداخلية في هذا الشأن، تلك التي لم تظهر أي مرونة ولا تسمح بأي التفاف أو تلكؤ. فما يدركه الجميع، في لبنان وخارجه، هو أنه لا مجال للتملّص من هذه المسائل الشائكة والضرورية بعد اليوم، وكل محاولة من محاولات الالتفاف ستزيد الطين بلّة سواء لناحية المشكلة الأبرز المطروحة وهي تأمين المساعدات وأموال إعادة الإعمار، ناهيك عن أنها تزيد الضغوط الخارجية، وخصوصًا الأميركية، لتحقيق نتائج ملموسة ومباشرة تؤكد على شروط الهدنة وتصبّ في كبح جماح نتانياهو وقيادة الاحتلال بعد سلسلة التهديدات التي يطلقانها حول لبنان انطلاقاً من عدم تطبيق شروط الهدنة والقرارات الدولية ذات الصلة، وفي مقدّمتها مصادرة السلاح.

هكذا انتقل نوّاف سلام إلى تطبيق خطاب التشكيل وخطاب القسم الذي أدلا به عون بحذافيره، من دون أية مواربة، في لهجة جديدة على آذان اللبنانيين، لهجة لم يتجرأ أي رئيس حكومة سابق على اعتمادها (باستثناء فؤاد السنيورة في جلسة 5 أيار 2008، عندما اتخذ قراره بشأن سلاح الإشارة الذي يمتلكه الحزب، وأدّى إلى غزوة 7 أيار بيروت وغيرها من المناطق) بما يعيد الاعتبار إلى موضع رئاسة الحكومة طرفاً مقرّراً، وليس مجرد طرف يغطّي حزب الله وسلاحه ودويلته، كما فعل الرؤساء السابقون، وهو ما يبيّن سبب الهجوم المكثّف الذي يتلقاه نوّاف سلام.

Read Entire Article