ترامب يمنح بوتين فرصة لتغيير الوقائع في أوكرانيا

5 hours ago 1
ARTICLE AD BOX

بعد مكالمة هاتفية هي الثالثة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، مساء أول من أمس الاثنين، ووسط تباين كبير بشأن تقييم نتائجها، بدا أن بوتين استطاع إقناع نظيره الأميركي بالتخلي عن فكرة وقف إطلاق النار لمدة ثلاثين يوماً، وربطها بالتوصل إلى "مذكرة تفاهم" على طاولة المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا. وكشفت تصريحات الرئيسين اللاحقة ومساعدي بوتين عن عدم وجود جدول زمني واضح ومحدد للمفاوضات، وعدم وجود نيّة لدى ترامب لفرض عقوبات على روسيا في المرحلة الحالية. وأثارت تصريحات الرئيسين مخاوف أوروبا من أن ترامب ربما يمهد للانسحاب من الوساطة لوضع حد للحرب الروسية على أوكرانيا.

أوكرانيا في مكاملة ثالثة

وعرض ترامب وبوتين بإيجاز نتائج محادثتهما الهاتفية الثالثة. وأعرب كل منهما عن ارتياحه للمحادثة التي استمرت ساعتين، وتبادلا المديح. وأشاد ترامب بـ"لهجة وروح" المحادثة، وقال بعد الاتصال خلال حفل عشاء لمجلس أمناء مركز "جون كينيدي للفنون المسرحية"، إنه أجرى "محادثة قصيرة مع رجل لطيف يُدعى بوتين، وقد أجرينا في الواقع محادثة جيدة، وأحرزنا تقدماً"، بينما شكر بوتين نظيره على مساعدته في استئناف المفاوضات المباشرة مع كييف. وأبدى بوتين استعداده للمضي قدماً نحو اتفاق سلام مع أوكرانيا، وأكد ترامب صدق نوايا نظيره الروسي، ووعد موسكو بـ"فرص تجارية هائلة" عند انتهاء الحرب.

وعد ترامب موسكو بـ"فرص تجارية هائلة" عند انتهاء الحرب

وفي حين أبدى بوتين ليونة لفظية في مواقفه وامتنع عن رفض فكرة الهدنة وعرض شروط بلاده للتسوية، فإنه أبدى تمسكاً برفض أي هدنة من دون حلّ الأسباب الجذرية للصراع. وقال بوتين عقب المحادثة مع ترامب إن "روسيا ستقترح، وهي مستعدة للعمل مع الجانب الأوكراني، على مذكرة تفاهم حول معاهدة سلام مستقبلية محتملة تُحدد عدداً من المواقف، مثل مبادئ التسوية، وتوقيت اتفاق السلام، وما إلى ذلك، ومن ضمن ذلك وقف إطلاق نار محتمل لفترة محددة في حال التوصل إلى اتفاقات مناسبة". وأضاف أن "المسألة، بالطبع، هي أن يُظهر الطرفان الروسي والأوكراني أقصى درجات الرغبة في السلام، وأن يتوصلا إلى تسويات تُرضي جميع الأطراف". ولكنه كرّر الإشارة إلى أن "موقف روسيا واضح بشكل عام. أهم ما يهمنا هو القضاء على الأسباب الجذرية لهذه الأزمة".

وبحسب تصريحات المسؤولين الروس، فإن معالجة الأسباب الجذرية للأزمة تتضمن سيطرة روسية كاملة على شبه جزيرة القرم، ومقاطعات دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون بحدودها الإدارية حين استقلت أوكرانيا عن الاتحاد السوفييتي في عام 1991، واعتماد وضع خاص للغة الروسية، ومحاربة النازية، وحيادية أوكرانيا وعدم جواز انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، أو نشر أي قواعد وقوات أجنبية على أراضيها يمكن أن تشكل تهديداً لروسيا.

وفي مقابل الليونة اللفظية التي أشاد ترامب بروحها ولهجتها، بدا أن الرئيسين الأميركي والروسي لم يحددا أي إطار زمني لوقف إطلاق النار، وجعلاه رهناً بالمفاوضات المستقبلية بين الروس والأوكرانيين. وبينما أكد الرئيس الأميركي أن روسيا وأوكرانيا "ستباشران فوراً مفاوضات للتوصل إلى وقف إطلاق النار، والأهم بهدف إنهاء الحرب"، مضيفاً "فلينطلق المسار"، ومعتبراً أنه سيكون أمراً "رائعاً" إذا ما عُقدت في الفاتيكان، قال مساعد الرئيس الروسي للسياسة الخارجية يوري أوشاكوف، عقب المكالمة، إن الإطار الزمني لوقف إطلاق النار "لم يُناقش. مع أن ترامب، بالطبع، يؤكد اهتمامه بالتوصل إلى اتفاق أو آخر في أقرب وقت ممكن". كما أكد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف عدم وجود جدول زمني محدد لوقف إطلاق النار، وقال للصحافيين: "لا يوجد موعد نهائي، ولا يمكن أن يكون هناك موعد نهائي. من الواضح أن الجميع يريدون تحقيق ذلك في أسرع وقت ممكن، لكن المشكلة تكمن في التفاصيل". في المقابل، اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي روسيا، أمس الثلاثاء، بمحاولة "كسب الوقت" وعدم الانخراط في مباحثات جدية للتوصل الى تسوية للحرب. وكان زيلينسكي قد نفى، أول من أمس، أن تكون لديه أي تفاصيل بشأن "المذكرة" التي تقترحها موسكو، معرباً عن استعداده لدرس العرض الروسي. لكنه استبعد سحب الجيش الأوكراني من أنحاء في شرق أوكرانيا وجنوبها تسيطر عليها كييف، قائلاً للصحافيين إن "قواتنا لن تنسحب من أراضينا".

ورغم تزايد الحديث منذ أسابيع عن فرض عقوبات أوروبية أميركية منسّقة في حال عدم التزام روسيا بهدنة، قال أوشاكوف إن "ترامب ذكر أن هناك مشروع قانون عقوبات جديدة جاهزاً بمجلس الشيوخ، ولكنه ليس من أنصار العقوبات، وإنما من أنصار التوصل إلى اتفاقات أخرى". وذكر أوشاكوف أن "الرئيسين ناقشا مستقبل العلاقات بشكل مفصل". وقال: "تحدث ترامب عن آفاق هذه العلاقات بشيء من الحماسة"، مضيفاً أن الرئيس الأميركي "يرى روسيا بصفتها واحداً من أهم الشركاء لأميركا في المجال التجاري الاقتصادي".

عقوبات غربية

وكشفت بريطانيا، أمس، عن حزمة عقوبات جديدة تصل إلى المائة على روسيا، رداً على هجوم روسي بالمسيّرات على أوكرانيا، نهاية الأسبوع الماضي، وصف بالأكبر منذ بداية الغزو الروسي لهذا البلد في فبراير/ شباط 2022. كما أقرّ الاتحاد الأوروبي الحزمة السابعة عشرة من العقوبات على روسيا يوم أمس. وأعرب الاتحاد، أمس، عن أمله في أن تتخذ الولايات المتحدة "إجراء قوياً" ضد روسيا في حال استمرّت في رفض وقف إطلاق النار في أوكرانيا، بحسب مسؤولة السياسة الخارجية في التكتل كايا كالاس. بدوره، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته، أمس، إن مشاركة الإدارة الأميركية في جهود تحقيق السلام في أوكرانيا "أمر إيجابي للغاية"، لكن يتعين استشارة الأوروبيين وأوكرانيا أيضاً. لكن صحيفة واشنطن بوست الأميركية قالت، أمس، إن انطباعاً قوياً خرج به قادة أوروبيون تحدثوا مع ترامب خلال اليومين الماضيين بأنه لا يريد ممارسة مزيد من الضغط على روسيا، ونقلت عن مسؤول إيطالي قوله إن الأميركيين يفضلون الفاتيكان على أي مكان آخر لاحتضان محادثات روسية أوكرانية. وكان ترامب قد أعلن أنه أبلغ زيلينسكي، أول من أمس، بنتائج اتصاله مع بوتين، وذلك في اتصال شارك به قادة دول آخرون، لم يسمّهم. ولم يتطرق بيان ترامب إلى تشديد العقوبات، وعلى العكس قال الرئيس الأميركي إن "روسيا مستعدة لبناء علاقات تجارية واسعة النطاق مع الولايات المتحدة بعد انتهاء حمّام الدم وأنا أتفق مع ذلك". ويبدو أن فرض عقوبات أميركية أقل احتمالاً من أي وقت مضى. وبدلاً من معاقبة روسيا بعقوبات صارمة، كما كان يأمل البعض، وصف ترامب المكالمة بأنها "ممتازة"، وقال إن لدى روسيا "فرصة هائلة" للتعامل التجاري مع الولايات المتحدة "إذا انتهت الحرب".

استطاع الجانب الروسي فصل مسار العلاقات الثنائية مع واشنطن عن موضوع أوكرانيا

وتكشف تصريحات أوشاكوف، من جهتها، بشأن العلاقات الثنائية والتحضير لصفقة تبادل أخرى، وبحث قضايا إقليمية وعالمية إضافة إلى الاقتصاد، وطول المكالمة الهاتفية بين ترامب وبوتين، وإشادة الرئيسين بها، أن الجانب الروسي استطاع فصل مسار العلاقات الثنائية مع واشنطن عن موضوع أوكرانيا.

ومن المؤكد أن أهم نتيجة خرجت بها روسيا من المكالمة الهاتفية هي عدم معارضة ترامب اقتراح بوتين توقيع مذكرة تفاهم بين موسكو وكييف، ويمثل الاقتراح تطبيقاً عملياً لفكرة الكرملين بضرورة مناقشة مفاوضات السلام والهدنة في آنٍ واحد، على عكس فكرة أوكرانيا والبلدان الأوروبية بضرورة الاتفاق على هدنة أولاً. وتمنح موافقة ترامب على المقترح الروسي، وعدم ذهابه نحو خيار العقوبات، روسيا فرصة لمواصلة المفاوضات تحت النار لإرغام أوكرانيا على تخفيف شروطها والقبول بجزء من المطالب الروسية.

عملياً، فإن فكرة بوتين بشأن مذكرة التفاهم أولاً لم تقدّم أي تنازلات حقيقية، لكنها منحت ترامب نتيجة مؤقتة وملموسة حول نجاحه في دفع جهود السلام. ومن جهة أخرى، يصعب على الأوكرانيين عدم العودة إلى طاولة المفاوضات رغم تحفظاتهم الكثيرة، وإصرارهم في الماضي مع شركائهم الأوروبيين على ضرورة وقف إطلاق النار قبل المفاوضات.

ومن الواضح أن فكرة مذكرة التفاهم تُعدّ تطويراً للأفكار التي طرحها الوفد الروسي في إسطنبول في نهاية الاسبوع الماضي خلال محادثات مباشرة مع وفد أوكراني. وعقب المحادثات، صرّح رئيس الوفد الروسي فلاديمير ميدينسكي: "اتفقنا على أن يُقدّم كل طرف رؤيته لوقف إطلاق نار مُحتمل في المستقبل، وأن يُفصّلها. وبعد عرض هذه الرؤية، نعتقد أنه من المناسب، وهذا ما اتفقنا عليه أيضاً، مواصلة مفاوضاتنا". ووعد زيلينسكي بأنه إذا اقترحت روسيا مذكرة تفاهم، فستُصوغ أوكرانيا رؤيتها.

ولم يتطرق ترامب بعد اللقاء لا في تصريحات صحافية ولا في منشوره على منصته تروث سوشال إلى أي تفاصيل تتعلّق بالرؤية الأميركية لعناوين التفاهم المحتمل بين كييف وموسكو، بل كتب أن الطرفين "سيتفاوضان على الشروط، وهو أمرٌ لا مفر منه، لأنهما يعرفان تفاصيل المفاوضات التي لا يعلمها أحدٌ سواهما".

وكان لافتاً أن ترامب تراجع عن فكرة اللقاء الثنائي لحل الأزمة بسرعة، وربما شكّل بداية لانسحاب ترامب من الوساطة. وفي مؤشر إلى إمكانية توجه الضغوط نحو زيلينسكي مرة أخرى، قال ترامب "ليس من السهل التعامل مع فولوديمير زيلينسكي، لكنه يريد إنهاء هذا الصراع... سأتمكن من الإجابة عن سؤال: هل تبذل كييف جهوداً كافية لإنهاء الصراع خلال أسبوعين أو أربعة أسابيع؟".

ورغم أن ترامب نفى لاحقاً أثناء خطاب في البيت الأبيض التراجع عن دور بلاده في التوسط في المحادثات بين روسيا وأوكرانيا، وتأكيده أنه يضع "خطاً أحمر" في ذهنه بشأن متى سيتوقف عن الضغط عليهما، فإن المخاوف الأوكرانية والأوروبية تنطلق من أن ترامب يمكن أن يتراجع عن دور الوساطة، والأهم يترك أوكرانيا من دون أي دعم سياسي وعسكري لا تستطيع أوروبا تعويضه في المستقبل القريب.
وتمنح نتائج المكالمة الهاتفية بوتين أسابيع إضافية لفرض وقائع على الأرض ربما تجعل الوصول إلى تسوية سلمية متوازنة أبعد من أي وقت مضى، فغياب الضغوط الأميركية الحقيقية يجعل روسيا أكثر إصراراً على مواقفها، وتجبر أوكرانيا على الرضوخ في ظل التقدم الروسي المستمر ببطء في دونباس، والنقص العددي في القوات الأوكرانية، ومخاوف بشأن إمدادات السلاح بسبب عدم إقرار إدارة ترامب أي مساعدات عسكرية جديدة، وعدم قدرة أوروبا على منح أوكرانيا الأسلحة المطلوبة. وفي حال انسحاب ترامب من جهود الوساطة من دون إعادة النظر في استئناف دعم أوكرانيا عسكرياً، ربما يكون العالم مقبلاً على مرحلة جديدة يكون عنوانها الرئيسي تقاسم مناطق النفوذ بين القوى العظمى وإعادة النظر بالاصطفافات الإقليمية والدولية.

Read Entire Article