تراجع التوقعات السياحية في سورية بعد سقوط النظام

1 week ago 8
ARTICLE AD BOX

شهدت سورية إقبالاً كبيراً من أبناء الجالية السورية في العالم خلال الأشهر الأولى التي تلت سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، غير أنّ هذا الإقبال شهد تراجعاً ملحوظاً في أعداد الوافدين من المغتربين والزوار والمستثمرين، رغم التسهيلات اللوجستية عبر الحدود البرية، وتفعيل حركة الطيران المدني من العديد من البلدان. فما الذي يمنع الجالية السورية في دول الاغتراب من العودة للعمل أو الزيارة أو السياحة؟

توضح سناء السعدي، العاملة في إحدى شركات السياحة والسفر، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أنه بعد انهيار نظام الأسد وأثناء تعطّل حركة الملاحة الجوية، استقبلت سورية عشرات الآلاف من أبنائها المغتربين الذين سمحت لهم فرصة سقوط النظام بزيارة ذويهم بعد غيابات معظمها كانت قسرية، وغالباً ما كانت حجوزاتهم من الخارج إلى مطار بيروت أو إسطنبول أو عمّان، ومنها إلى سورية، من دون تحديد طرق أو موعد العودة، تاركين لظروف الإقامة المؤقتة حسابات البقاء أو العودة.

ولفتت إلى ملاحظة إقبال كبير على العودة إلى بلاد الاغتراب والهجرة، ويمكن إحصاء تزايد أعداد السوريين المغادرين على حساب الوافدين، باستثناء النازحين الوافدين من دول الجوار. وتبيّن السعدي من خلال مشاهداتها وعملها أنّ معظم الوافدين من القارة الأوروبية ودول الخليج العربي والسعودية استنزفوا مادياً ومعنوياً خلال أيام قليلة، وأن الكثيرين منهم قطعوا إجازاتهم المقررة وعادوا أدراجهم إلى دول الاغتراب، بالاضافة إلى استمرار تدفق الأطباء للسفر إلى ألمانيا وغيرها من الدول وفق الشروط المعدة مسبقاً، التي تتضمن امتحاناً للغة في لبنان أو الأردن، ورصيداً بنكيّاً يتجاوز 12 ألف يورو في تلك البلدان. وتشير السعدي إلى تراجع كبير في التوقعات لأعداد الوافدين خلال هذا الصيف، مرجعة ذلك إلى الوضع الأمني من جهة، وواقع السياحة وحريات التنقل من جهة أخرى.

وشهدت سورية حركة تبادل تجاري وُصِفت بالكبيرة مع دول الجوار مثل تركيا والأردن، ما يدلّ على بداية تعافي الاقتصاد السوري وتشجيع أعمال الاستثمار وتوافد رؤوس الأموال. لكن الخبير الاقتصادي عاطف عزام شكك في ذلك، حيث يؤكد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ الحركة التجارية تسير في اتجاه واحد، ولا يمكن اعتبارها تبادلاً تجارياً، خصوصاً أنها شبه محصورة بالمعدات الترفيهية كالسيارات السياحية والمواد الغذائية والاستهلاكية، وهذا بحد ذاته يخلّ بسلم التوازن التجاري بين سورية ودول الجوار.

ويوضح عزام أنّ "المجتمع السوري يعاني من ضعف في الإنتاج الصناعي والزراعي، ولم تستطع الحكومة الانتقالية حتى الآن خلق المناخ المناسب للصناعات الخفيفة أو حتى الإنتاج الزراعي المنافس، وبالتالي، ما نشهده هو تدفق كبير لآلاف السيارات السياحية ومئات الأنواع من المواد الاستهلاكية والغذائية، بما فيها الفواكه والخضار المنافسة للإنتاج المحلي"، كما يقول.

وفي الوقت نفسه، تغيب عن الواردات المعدات الصناعية، وحتى الزراعية تُلاحظ محدوديتها واقتصارها على عدد قليل نسبياً من الجرارات والمعدات البدائية للأعمال الفردية. وفي المحصلة، يضيف عزام: "نحن نتجه إلى مجتمع استهلاكي بالكامل، نصدر فيه رأس المال ونستورد المعدات والمواد الاستهلاكية وليس المنتَجة، وبمجرد متابعة ارتفاع معدل الصادرات الأردنية والتركية واللبنانية إلى سورية، سنجد أنها تجاوزت 450% خلال الربع الأول من العام الحالي".

من جانبه، يقول كريم الحسن، العائد من السويد بعد فترة لجوء تجاوزت عشر سنوات، لـ"العربي الجديد"، إنه عندما سقط نظام الأسد، توقع المهاجرون أن كل معوقات العمل والاستقرار والحياة الآمنة في سورية قد سقطت معه. وبناءً على هذا الاعتقاد، "جمعنا ما أمكن من مدخراتنا وعدنا إلى الوطن آمِلين وقف مسلسل الغربة والتهجير. أما اليوم، وبعد مضي بضعة أشهر، فنجد أنفسنا محاصرين في منازلنا، نبحث عن تكاليف العودة إلى البلدان التي احتضنتنا حوالي عشر سنوات، أو عن عمل يوفر جزءاً من المصاريف".

ويشير إلى أنّه "حتى أولئك الذين ادخروا جزءاً يسيراً من أموالهم، لم يشعروا بالأمان اللازم لإنشاء أي مشاريع إنتاجية، حتى لو كانت صغيرة، فالعوائق أكثر من أن تحصى، وتبدأ بمقومات أي عمل من طاقة ومعدات الإنتاج والقدرة الشرائية لدى المستهلك، وتنتهي بالمراسيم والتشريعات الضامنة للمنشأة والعمل". وفي النهاية، يضيف الحسن: "لا نريد أن نتحدث عن خيبة الأمل ونقدر واقع حكومة استلمت بلداً مدمراً وبنية تحتية متهالكة، ولكن لم نجد خلال الأشهر الخمسة الماضية من عمر هذا النظام ما يشجع أو يُظهر نيّة حقيقية للتغيير"، مشيراً إلى الواقع الأمني غير المنضبط، وأولويات الحكومة في حماية المواطن وأرزاقه.

من جهة أخرى، يتجه عدد من المغتربين والمستثمرين إلى تحفيز الحكومة لاتخاذ إجراءات عاجلة تضمن سلامة الوافدين ومقتنياتهم، وتخلق أجواء من السلامة العامة التي تهيئ الظروف المناسبة لإقامتهم؛ وفي مقدمها، التشريعات والقوانين الناظمة للعمل والاستثمار والإنتاج، إلى جانب القوانين الرادعة لحالات الانفلات الأمني الفردي والجماعي.

وفي هذا السياق، يشير هيثم العلي، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ هناك خطوات ملحّة يجب أن تتخذها الحكومة الحالية قبل أن يخسر السوريون الموسم السياحي الصيفي، حيث صدّرت المواقع الإعلامية، بحسب قوله، صورة غير دقيقة عن الواقع السياحي في سورية، وأطّرت الواقع السياحي ضمن حدود السياحة الدينية.

وما بين انفلات بعض المجموعات المسلحة على المطاعم والمقاهي في العاصمة دمشق وحلب، وبين استيلاء مجموعات أخرى على أهم المنشآت السياحية في الساحل السوري، غاب الدور الحكومي في الحماية والمحاسبة، ما أدى إلى تراجع الرغبة في السفر إلى سورية عند معظم المغتربين من كافة التصنيفات، وأسفر عن عزوف السياح العرب والأجانب عن التفكير في السفر إلى سورية، كما ساهمت، إلى جانب هذا، التوصيات المتكررة لبعض الحكومات الأجنبية بعدم السفر إلى سورية.

ويرى العلي أنّ "على الحكومة بذل جهود مضاعفة لحفظ الأمن لدى المواطنين أولاً، الذين يعكسون الصورة الحقيقية للخارج، ومن ثم إبعاد ظواهر التشدد عن الشارع والمنشآت السياحية. فهذه تبقى المقياس والواجهة للخارج".

Read Entire Article