تايوان: معركة سياسية لإعادة ترسيم موازين القوى في البرلمان

1 day ago 4
ARTICLE AD BOX

بعد مرور عام ونصف العام على انتخاب التايوانيين لاي تشينغ تي رئيساً للجزيرة، يتنافس حزبه، "الديمقراطي التقدمي" المؤيد للاستقلال عن الصين، وحزب الكومينتانغ (الحزب القومي الصيني) المؤيد لبكين، على أصوات الناخبين الذين لم يمنحوا أياً من الحزبَين الرئيسيَين الأغلبيةَ البرلمانية في انتخابات تايوان البرلمانية لعام 2024، وذلك  قبل موعد الاستحاق الانتخابي العام المقبل.

ويواصل حزب الكومينتانغ التركيز على عملية سحب الثقة من المشرعين في تايبيه مع استمرار الاشتباك مع الحزب الحاكم، ويستعد لانتخابات قيادية محورية في سبتمبر/أيلول المقبل، على أمل أن يتمكن رئيس الحزب الجديد من قيادته إلى السلطة مرة أخرى بعد سنوات من الهامش السياسي في ظل هيمنة الحزب الديمقراطي التقدمي على السلطة في الجزيرة. وتراهن بكين، وفق مراقبين، والتي تعد الجزيرة جزءاً من أراضيها، على تطورات قد تفضي إلى حل البرلمان التايواني الحالي، إذ تتصاعد المواجهة بين الحزبَين، لا سيّما أن حزب الكومينتانغ المعارض، الذي يملك أغلبية هشّة في البرلمان، غائب عن مقعد الرئاسة منذ نحو عقد من الزمن، فيما يبقى الحزب الحاكم حالياً مقيداً على صعيد إقرار التشريعات.

معركة عزل النواب في تايوان

منذ مطلع العام الحالي، واستباقاً لانتخابات العام المقبل، يخوض الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم وحزب الكومينتانغ المعارض، حملة سحب تأييد جماعي غير مسبوقة تستهدف النواب المنتخبين في الانتخابات التشريعية الأخيرة، إلّا أن أمام حزب الكومينتانغ استحقاق آخر داخلي، يتمثل باختيار رئيس جديد للحزب. وكان ما يينغ جيو، آخر مسؤول من حزب الكومينتانغ يرأس تايوان (2008- 2016)، قبل أن تتولى الرئيسة السابقة تساي إنغ ون، المؤيدة للاستقلال، السلطة، والتي استمرت في الحكم فترتَين متتاليتَين (2016-2024) مرّت فيها العلاقات بين بكين وتايبيه بأسوأ فتراتها. وفي 2024 انتخب التايوانيون لاي تشينغ تي رئيساً للبلاد، من حزب الديمقراطي التقدمي.

في تصريحات صحافية قبل أيام، أشار رئيس حزب الكومينتانغ إريك تشو لي لوان، إلى أنه مستعد للتنحي بعد إكمال ولايته، ملمحاً إلى أن عمدة تايتشونغ، لو شيو ين، قد يكون خليفة واعداً. وبموجب الجدول الزمني الذي اقترحه تشو، فإنّ الحزب سيعلن عن انتخابات رئاسة الحزب في يوليو/تموز المقبل، ويُجري تصويتاً داخلياً في سبتمبر المقبل، ثم ينصب زعيماً جديداً بحلول أكتوبر/تشرين الأول المقبل. ومع ذلك قبل أن يتمكن حزب الكومينتانغ من التطلّع إلى سباق القيادة في تايوان، خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة في 2028، قد تؤدي عملية سحب التأييد من النواب المنتخبين، إلى كسر أغلبية حزب الكومينتانغ التشريعية الهشة، ودفعه إلى مزيد من الفوضى. ويحذر مناصرو الحزب من أن الفشل في احتواء هذا التحدي، قد يؤدي إلى إخراج عملية انتقال القيادة في الحزب عن مسارها قبل أن تبدأ، ما يترك الحزب الموالي لبكين منقسماً ومحبطاً. وقد حفّزت الخلافات العميقة حول الميزانية التي أُقرّت في يناير/ كانون الثاني الماضي، حملة سحب الثقة من النواب، وهي عملية قانونية تسمح للناخبين بعزل النواب في منتصف مدة ولايتهم (مدة الولاية 4 سنوات).

ويتم سحب الثقة من خلال اقتراح يتقدم به أعضاء البرلمان، يتم التصويت عليه، وإذا تمت الموافقة على الاقتراح بالأغلبية، تحجب الثقة بموجب النصف زائد واحد، أي الأغلبية البسيطة. وتسعى جهات موالية للحزب الديمقراطي التقدمي إلى إزاحة عدد كافٍ من نواب حزب الكومينتانغ لاستعادة السيطرة على المجلس التشريعي المكوّن من 113 مقعداً. فقد حصد حزب الكومينتانغ في انتخابات 2024، 52 مقعداً مقابل 51 مقعداً للحزب الحاكم دون أي يحقق أيٌ منهما الأغلبية وهي 57 مقعداً. وتشكل المعارضة، إلى جانب حزبِ الشعب التايواني الأصغر حجماً الذي يمتلك ثمانية مقاعد واثنين من المشرّعين المستقلين، أغلبية هشة لكنها فعالة في المجلس التشريعي، ما يحدّ كثيراً من قدرة الحزب الحاكم على إقرار التشريعات.

وقد تتوقف نتائج سحب التأييد ضد حزب الكومينتانغ على الناخبين المتردّدين في معاقل الحزب نفسه. وإذا نجح الحزب الحاكم في استبدال عدد كافٍ من المشرّعين من الحزب المعارض، فإن الأخير سيخسر أداة حيوية لمعارضة مقترحات السياسة التي يطرحها الحزب الديمقراطي التقدمي، ما من شأنه أن يخفّف من الجمود الذي أربك المشهد السياسي في تايوان خلال الأشهر الأخيرة. وشهدت تايوان في 26 إبريل/نيسان الماضي، توترات شديدة نتيجة الخلافات السياسية بين الحزب الحاكم وائتلاف المعارضة، إذ خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى شوارع العاصمة في جزء من تظاهرة دعت إليها المعارضة ضد لاي تشينغ تي. وقال منظمو التظاهرة من حزب الكومينتانغ حينها إن أكثر من 200 ألف مناصر حضروا الفعالية. وتجمع المتظاهرون أمام مبنى المكتب الرئاسي في تايبيه حاملين أعلام جمهورية الصين ولافتات تندد بحكم لاي.

دا مينغ: حملات سحب الثقة المتبادلة بين الحزبَين المتنافسَين، قد تُقوّض الديمقراطية

رهان حلّ البرلمان

يرى دا مينغ، الباحث في مركز يون لين (تايوان) للأبحاث والدراسات، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "حملات سحب الثقة المتبادلة بين الحزبَين المتنافسَين، قد تُقوّض الديمقراطية في الجزيرة، بغض النظر عن فرص كل حزب في إزاحة الطرف الآخر". وقد ينعكس ذلك، وفق دا مينغ، على مسار الانتخابات التشريعية المقرّرة العام المقبل، موضحاً أنه "في حال نجح أي حزب في حجب الثقة عن الآخر قبل الاستحقاق الانتخابي المقبل، فقد نكون أمام خيار حل البرلمان".

ويضيف أنه في هذه الحالة سيكون حل البرلمان "سابقة تاريخية، ما من شأنه أن يضعف من قدرة تايبيه على التعامل مع التحديات الخارجية، خصوصاً التي تمثلها سلطات البر الرئيسي الصيني"، إذ تعد الصين الجزيرة جزءاً من أراضيها. وتوقع دا مينغ، أنه "في حال كان الطرف الخاسر هو قوى المعارضة التي يقودها الحزب القومي الصيني، فإن ذلك سيشكل ضغوطاً كبيرة على قادة الحزب، وقد يدفعهم إلى تعديل مواقفهم، لا سيّما ما يتعلق بالعلاقات عبر المضيق مع بكين". إلى جانب اتخاذ الحزب "مسار أكثر اعتدالاً، خصوصاً في الملفات الداخلية المتعلقة بكيفية إدارة الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم لشؤون الجزيرة".

لي يانغ: فشل حزب الكومينتانغ في حجب الثقة عن المشرّعين المحسوبين على الحزب الحاكم يمثل صفعة لبكين

من جهته يقول لي يانغ، الأستاذ في معهد تسيونغ كوان للدراسات والأبحاث، ومقرّه هونغ كونغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "فشل حزب الكومينتانغ في حجب الثقة عن المشرّعين المحسوبين على الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم، يمثل صفعة لبكين"، ويضيف أن الأخيرة "لطالما راهنت على قدرة الحزب الموالي لها في زعزعة استقرار الجزيرة، تمهيداً لإطلاق انتخابات تشريعية مبكرة تعيده إلى الحكم بعد غياب دام نحو عقد من الزمن". 

Read Entire Article