ARTICLE AD BOX
خلال السنوات الأخيرة، توسّعت دائرة البحث في بلاغة الجمهور في عدد من البلدان العربية، حيث رصد الدارسون كيفية استجابة الجماهير في الفضاء العام، حيث تنزاح وظائف البلاغة التي تكرست على مدار قرون، إلى وظائف جديدة تربطها بالتحرر من الاستبداد والهيمنة والتمييز والعنصرية، وتمنح المخاطَب مركزية على حساب المتكلم.
توسّعت هذه التنظيرات التي بدأها أستاذ علم البلاغة وتحليل الخطاب والباحث المصري عماد عبد اللطيف في مؤلفات عدّة، آخرها ما صدر بالاشتراك مع باحثين آخرين تحت عنوان "بلاغة مقاومة الخطاب السلطوي في العالم العربي" عن "دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع" في عمّان، وهم: سعيد بكار، ومها القحطاني، وسوسن البياتي، وجاسم الملا، وصباح اليزغي، وإبراهيم شكري، وبسمة عبد العزيز، وإبراهيم آيت مكي، وأحمد العياشي، وحسام الدين عبد القادر صالح.
يضمّ الكتاب ثلاثة محاور أساسية؛ الأول يضيء على "الاستجابة البليغة في النقد والأدب" عبر خمس دراسات، هي: الاستجابة البليغة للظلم: دراسة في مختارات من الأجوبة المسكتة في التراث العربي، والاستجابة البليغة في النقد العربي القديم، والاستعارة التصويرية بوصفها استجابة بليغة في الشعر، والأجوبة المسكتة بوصفها استجابة بليغة، والقراءة الواعية في استجابة الجمهور لقصائد محمود درويش.
تتعدّد أشكال استجابة الجمهور بين التصفيق، والهتاف، وتعليقات الفيسبوك، والتغريدات
أما المحور الثاني "الاستجابة البليغة في الإعلام والسياسة"، فاشتمل على أربع دراسات هي: الدعاية المضادة بوصفها استجابة بليغة، ونحو دعم الاستجابة الندية البليغة: لعبة إلكترونية لغوية، والمحاكاة الهزلية استجابة بليغة: الخطاب السياسي نموذجاً، والتدوينة بوصفها خطاباً سياسياً مقاوماً، بينما احتوى المحور الثالث "الاستجابة البليغة بوصفها تحليلاً إيجابياً للخطاب" على دراستين هما: بلاغة الجمهور في أفق التحليل الإيجابي للخطاب، والاستجابة غير البليغة في عصر التلاعب بالجماهير.
ويشير عبد اللطيف وبكار في تقديم الكتاب إلى أن مفهوم الاستجابة البليغة يتسع ليشمل الاستجابات اللفظية والاستجابات غير اللفظية التي ينتجها الجمهور في سياقات التواصل العمومي، وتعدّد أشكال الاستجابات ضمن هذا المفهوم؛ إذ تضمّ -على سبيل المثال لا الحصر- التصفيق، والهتاف، والصفير، والإشارات، والهمهمة، والتعليقات، والمقاطعة، والأسئلة المرتجلة، وصيحات الإعجاب والاستهجان، والجداريات، والعبارات المدونة على الأبواب، وتعليقات الفيسبوك، والتغريدات والعبارات المسجلة على شريط التعليقات على شاشة التلفزيون، ورسائل القراء إلى الصحف، وتمثّل هذه الأشكال وغيرها فيضاً من المادة البلاغية الجديدة التي لم تلتفت لها أعين البلاغيين من قبل.
تعدّدت المواضيع والعناوين التي ناقشها المؤلفون، بدءاً من كتابَي "الأجوبة المسكتة" لابن أبي عون الذي رحل في القرن العاشر الميلادي و"الهفوات النادرة" لابن هلال الصابئ الذي عاش في القرن اللاحق، وقصة حسان بن ثابت مع النابغة الذبياني، وقصة هند بنت النعمان مع الحجاج الثقفي، والمحاكاة الهزلية للخطابات السياسية على وسائل التواصل الاجتماعي، والسياسة اللغوية في المغرب، والألعاب الإلكترونية، والدعاية الإشهارية المضادة لإحدى ماركات السجائر، وغيرها.
