بشارة بحبح... قناة الاتصال بين حماس وإدارة ترامب

3 hours ago 4
ARTICLE AD BOX

قبل بضعة أشهر، وفي الوقت الذي كانت فيه حملات الانتخابات الرئاسية الأميركية في مراحلها الأخيرة، اعتقد بعض الأميركيين من أصل عربي في الولايات المتحدة، للمرّة الأولى، أن في وسعهم ترجيح كفّة مرشحين للرئاسة، خصوصاً في الولايات المتأرجحة التي تحسم السباق، فقرّروا محاولة التأثير على السياسيين الأميركيين والضغط لإيقاف العدوان الإسرائيلي على غزّة. من بين هؤلاء، رجل الأعمال الأميركي من أصل فلسطيني بشارة بحبح الذي اختار التصويت لدونالد ترامب، وأسس منظمة "عرب أميركيون من أجل ترامب" ردّاً بشكل خاص على الدعم الذي قدّمه الرئيس الديمقراطي السابق جو بايدن، للعدوان على غزّة. عاد بحبح، وظهر اسمه أخيراً في ما يتداوله الإعلام الأميركي والإسرائيلي خصوصاً، عن التواصل بين إدارة ترامب وحركة حماس، لا سيما مع إفراج الحركة عن الأميركي الإسرائيلي عيدان ألكسندر، الذي كان محتجزاً لديها في القطاع. دور بحبح قناةَ اتصال بين "حماس" والمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، هو الذي تربطه معرفة به حتى أن بعضهم يصفهما بالصديقين، أعاد أيضاً الحديث عن موقفه من ترامب، بعدما صوّت له في 2024 على اقتناع بأن الرئيس السابق، والمرشّح الجمهوري للمرّة الثالثة إلى الرئاسة، بإمكانه التفكير خارج الصندوق لوقف الحرب. ورغم أن "خارج الصندوق" ثبُت أنه مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، يعني تحويل غزّة إلى ريفييرا الشرق الأوسط وطرد الفلسطينيين منها، ما خذل ناخبين عرب كثيرين صوّتوا له ضد كامالا هاريس، إلا أن بحبح لا يزال على تواصل مع إدارة ترامب، رغم تغيير اسم رابطته من "عرب أميركيون من أجل ترامب"، إلى "عرب أميركيون من أجل السلام".

حذّر بحبح إدارة بايدن من استمرار دعمها للعدوان، وتواصل أولاً خلال الحملة مع مسعد بولس

بشارة بحبح يتوسّط بين ويتكوف و"حماس"

وبحسب ما يرشح من معلومات عن بحبح، فإنه تنقل مرّات عدة بين دعم الديمقراطيين ودعم الجمهوريين في الانتخابات الأميركية. وكان بشارة بحبح قد صوّت لترامب في 2016، اعتراضاً على سياسة باراك أوباما في الشرق الأوسط، لكنه مع نقل الرئيس الجمهوري في ولايته الأولى، السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، ومحاولته فرض حلول غير عادلة على الفلسطينيين، عاد بحبح وصوّت لجو بايدن في 2020، وهو الرئيس الذي قدّم دعماً لامحدوداً لإسرائيل في عدوانها الجاري على قطاع غزّة، وحرب التجويع والإبادة التي تواصل شنّها في القطاع.

أسّس المقدسي بشارة بحبح حملة أطلق عليها اسم رابطة "عرب أميركيون من أجل ترامب"، معتمداً على تصريحات ترامب "الغامضة" آنذاك، بأنه "سيوقف الحرب في الشرق الأوسط، والحرب بين روسيا وأوكرانيا". لاحقاً، بدأت قيادات عربية أخرى في الولايات المتحدة، مثل بيل بزي وأمير غالب وألينا حبة وآخرين، وبالتأكيد نسيب ترامب مسعد بولس، في تأييد ترامب علناً، زاعمين أنه سيوقف الحرب في غزة. وكان بحبح هو الفلسطيني الوحيد "المعروف" في هذه الدائرة. وبحسب تقرير في صحيفة ذا تليغراف البريطانية، نشر في 21 مايو/أيار الحالي، يبدو أن بشارة بحبح كان مفصلياً في التأثير بالناخبين في مدينة ديربورن بولاية ميشيغين، التي تقطنها غالبية عربية، للتصويت لترامب، حيث التقى هناك في حملة الأخير، للمرّة الأولى، بمسعد بولس، والد زوج ابنة ترامب، تيفاني. وبحسب الصحيفة، فإن الرجلين، بحبح وبولس، عملا على محاولة التأثير على رأي ترامب، لوقف الحرب، بمواجهة الضغوط الإسرائيلية. وبحسب "ذا تلغراف" أيضاً، فإن رسالة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إلى ترامب، أعرب فيها في يوليو/ تموز 2024، عن تضامنه مع المرشح الجمهوري إثر محاولة اغتياله خلال تجمع انتخابي في 13 يوليو من العام ذاته، كانت "من بنات أفكار بحبح".

خسرت هاريس وفاز ترامب، وبالفعل توقفت حرب غزّة بضعة أسابيع قبل أن يعيد ترامب تسليح إسرائيل بكافة أنواع الأسلحة والقنابل. في غضون ذلك، حصلت معظم الشخصيات العربية التي أيّدت ترامب على مكافآت تأييدها العلني له، حيث تمّ إيكال مهمات رسمية لها من سفراء ومسؤولين ومبعوثين في دول شرق أوسطية وأوروبية وأفريقية، وخفتت أصوات هؤلاء حول غزّة منذ ذلك الحين، بل اختفت، وكأن الدعم لوقف الحرب كان ضرورياً للوصول إلى المنصب.

لم ينل بشارة بحبح منصباً رسمياً، لكنه لم يختف من المشهد. مع تصاعد دعوات ترامب لتهجير الغزّيين إثر عودته للبيت الأبيض رسمياً في 20 يناير/كانون الثاني 2025، أعلن بحبح تغيير اسم رابطته إلى "عرب أميركيون من أجل السلام" منتقداً خطط ترامب بشأن القطاع، ولكنه أكد، في الوقت نفسه، أنه غير نادم على دعم الأخير، لأنه "وعد بإنهاء الحرب وتمكّن من التوصل إلى اتفاق لوقف النار (أعلن عنه في 15 يناير الماضي قبل أن تعود إسرائيل للعدوان في 18 مارس/آذار الماضي). ظهر بحبح على عدد من القنوات الإخبارية، من بينها شبكة سي أن أن الأميركية، وانتقد خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين. في أحد لقاءاته قال: "أحاول الحفاظ على قنوات التواصل، ولكن في الوقت ذاته أرفض بشدة دعوات تهجير الفلسطينيين".

هذا الحفاظ على قنوات الاتصال، يبدو أنه أثمر، إذ أفادت تقارير أخيراً بأن بحبح كان قناة الاتصال بين حركة حماس وإدارة ترامب، ما أدّى إلى الإفراج عن عيدان ألكسندر. وذكر موقع أكسيوس، في 13 مايو/ أيار الحالي، بحسب مراسله باراك رافيد، أن القناة الخلفية التي أدّت للإفراج عن ألكسندر بدأت برسالة من مسؤول في "حماس" لبحبح، بحسب مسؤولين إسرائيليين اثنين، ومسؤول فلسطيني وآخر أميركي، حيث كانت "حماس" تحاول إيجاد طريق لإقناع ترامب بممارسة المزيد من الضغط على إسرائيل، وكانت إدارة ترامب مصممة على الإفراج عن آخر أميركي محتجز في القطاع، ما أدى إلى أن يصبح بحبح الوسيط غير المتوقع. وكتب "أكسيوس" أن مسؤولاً في "حماس" خارج غزّة، تحدّث مع بحبح في أواخر إبريل/نيسان الماضي، على أمل إبرام حوار مع ويتكوف. وبحسب "أكسيوس"، فقد احتاج ذلك وقتاً ليتحول إلى أي شيء ملموس، وقد تمّ تبادل حوالي 20 رسالة بين الطرفين على شكل اتصالات ورسائل نصيّة إلى بحبح خلال فترة أسبوعين (قبل تاريخ 13 مايو)، كما أن بحبح تحدث مع كبير المفاوضين في "حماس" خليل الحية، بحسب مصدر مطلع، وقد عرفت إسرائيل لاحقاً بالمحادثات السرّية، ليس عبر البيت الأبيض، ولكن من مصادرها الاستخبارية. وقد أكد بحبح نفسه، للقناة 12 الإسرائيلية، في مقابلة سابقة، أن كل شيء لم يكن مدبّراً، وأنه كان من الممكن ألا يرد عليه ويتكوف.

تحدّث مسؤول من "حماس" مع بحبح للتواصل مع إدارة ترامب

سهى عرفات؟

وإن كان يمكن فهم الخلفية التي جعلت بحبح وويتكوف على معرفة أحدهما بالآخر، أو حتى أن تربط بينهما صداقة، فإن جذور معرفة بحبح بقيادات حركة حماس غير معروفة بشكل مؤكد. وتبرز في هذا السياق رواية صحيفة تايمز أوف إسرائيل والتي تفيد بأن من عرّف المقدسي بحبح بقيادات في حركة المقاومة الإسلامية، كانت سهى عرفات، أرملة الراحل ياسر عرفات، وقد أكّد مصدر قيادي بارز في الحركة هذه الرواية ل"العربي الجديد". وكتبت الصحيفة الإسرائيلية في تقرير لها عن بحبح نشرته أخيراً أن "سهى عرفات زوّدت بحبح برقم هاتف القيادي في حماس غازي حمد مطلع هذا العام، ما أتاح له فتح خط اتصال مع المسؤول المقيم خارج غزة". وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإنه في شهر إبريل/ نيسان الماضي، تواصل حمد مع بحبح طالباً منه المساعدة في الاتصال بالمبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، من أجل مناقشة جهود التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة.

مقدسي ينتقم من بايدن

ولد بشارة بحبح عام 1958 في القدس القديمة، وسافر للدراسة عبر منحة دراسية في سبعينيات القرن الماضي، في جامعة برينغهام يونغ بولاية يوتا بأميركا، قبل أن يلتحق بجامعة هارفارد لدراسة الماجستير في دراسات الشرق الأوسط والعلاقات الدولية، وفي الثمانينيات أكمل شهادة الدكتوراه في قضايا الأمن القومي، وتولى إدارة معهد الشرق الأوسط بالجامعة. وإلى جانب هارفارد درّس في عدد من الجامعات الأميركية من بينها بنسلفانيا وجورج واشنطن وبريغهام يونغ.

في إحدى مقابلاته مع منصة "أثير" الإلكترونية، قال خلال حملة الرئاسة الثالثة لترامب، إن الشخص الوحيد في العالم الذي يخاف منه بنيامين نتنياهو هو ترامب، لأن الأخير "يفعل ما يقوله" ولا يمكن التنبؤ بأفعاله، ورأى أنه لا يمكن الانتظار طويلاً لوقف الحرب، واعتبر أن الدول العربية لن تستطيع اليوم التطبيع إلا بوقف النار في غزة وقيام مسار مؤمَّن لقيام دولة فلسطينية. وقال: "غضبي على بايدن كان لدرجة أنني قرّرت أن أقف ضد بايدن مع ترامب". واعتبر أن ترامب في 2024 "مختلف"، وهو "فتح لنا أبوابه بصفتنا عربا ومسلمين واستمع إلى مطالبنا". وأضاف: "أنا شرحت له أنه يعنيني السلام في الشرق الأوسط على أساس حلّ الدولتين".

في مقابلة مع مجلة نيويوركر، في 4 أغسطس/ آب 2024، شرح بحبح أيضاً سبب عدم رغبته في التصويت للديمقراطيين، منتقداً بايدن لأنه "قال لدى وصوله إلى البيت الأبيض إنه صهيوني، وبرأيي، فإن الرئيس يجب أن يكون رئيس الولايات المتحدة، وليس صهيونياً". وأكد أن المؤثرين العرب الديمقراطيين داخل الحزب، حذّروا بايدن مع بداية العدوان على غزة، من أن "الانتخابات قادمة"، و"إذا واصلت هذا المسار، سنعاقبك". ولفت إلى أن ترامب خلال ولايته الأولى "لم يُطلق أي حرب". وبرأي بحبح، فإن إدارة أوباما هي من بدأت بمحاولة فرض حظر على دخول مواطنين من دول عدة إلى البلاد، حيث كان طُلب إعداد ملف للتضييق على مجيء مواطنين من دول تعيش اضطرابات سياسية وقد تبين أن معظمها دول مسلمة، وفق قوله. وتلك مناسبة لإعرابه عن معارضته قرار ترامب في ولايته الأولى حظر دخول مواطنين من بلدان مسلمة إلى الولايات المتحدة، كيف لا، وهو المتزوج من مسلمة، على حد تعبير بحبح نفسه في حواره على منصة "أثير".

Read Entire Article