انتخابات بيروت والبقاع وبعلبك الهرمل: هيمنة متجددة للأحزاب التقليدية

7 hours ago 1
ARTICLE AD BOX

انتهت الجولة الثالثة من الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان بانتصار جديد للأحزاب السياسية التقليدية في محافظات بيروت والبقاع وبعلبك-الهرمل شرقاً، مقابل تراجع ملحوظ في النتائج التي حققتها المجموعات المدنية والتغييرية، ولا سيما في العاصمة، ما يجعلها أمام تحدّي البقاء والمنافسة في الاستحقاق النيابي المرتقب في مايو/ أيار 2026.

وشهد يوم أمس الأحد ثلاث معارك أساسية، في بيروت، وزحلة، وبعلبك. وبلغت نسبة الاقتراع في العاصمة 21%، انتهت بفوز أحزاب السلطة التي اجتمعت رغم تناقضاتها واختلافاتها في لائحة واحدة، بوجه لوائح ضمّت شخصيات سياسية، وعائلات بيروتية، ومجموعات مدنية ومستقلة، رافعةً شعار حماية المناصفة المسيحية الإسلامية، لاعبة على الوتر الطائفي بالتحذير من إقصاء أي مكوّن، على غرار ما حصل مسيحياً في طرابلس شمالي لبنان، مستفيدة كذلك من شدّ العصب، والإمكانات المادية الكبيرة التي صُرفت ميدانياً على الحملات الانتخابية، ومُستغلة أيضاً تشتت القوى المدنية والتغييرية.

وشكلت النتائج في بيروت صفعة كبيرة لقوى التغيير، خصوصاً في ظلّ توقعات كانت مرتفعة بإمكانية إحداث خرق في المقاعد، معوّلة على التشطيب، وعدم التزام الناخبين بالتصويت للائحة أحزاب السلطة كاملةً، بيد أن الأرقام أظهرت أن الناخب سار بشكل واسع بقرار حزبه، ولا سيما المنتمين إلى حزب الله وحركة أمل، اللذين شكّلت أصواتهما رافعة للائحة، ما دفع أنصارهما لنسب هذا الانتصار إلى الثنائي الذي "حمى برأيهم المناصفة التي كرّسها الرئيس الراحل رفيق الحريري ومن ثم نجله سعد"، وذلك في ظل انكفاء تيار المستقبل (يترأسه الحريري) عن المشاركة في الانتخابات، علماً أنّ النتائج التي حققها أيضاً النائب فؤاد مخزومي "الطامح" للزعامة السنية، كانت مرتفعة بدورها.

قراءة في نتائج بيروت: مجلس بلدي غير موحّد

في الإطار، يقول الناشط الحقوقي والسياسي علي عباس لـ"العربي الجديد"، إنّ تحالفاً كبيراً عُقد في بيروت، ضمّ كل أحزاب المنظومة من دون استثناء، وتمكن من إحداث فرق لعوامل عدّة، منها الخبرة الانتخابية للماكينات، ولا سيما المرتبطة بحزب الله والأحباش والنائب فؤاد مخزومي، حيث كان وجودها الميداني قوياً، إلى جانب الإنفاق المالي الذي ضُخّ على الماكينات والحملات الانتخابية بشكل غطّى بطريقة هائلة كل مراكز الاقتراع، وأقام الدعاية اللازمة للائحة.

ويردف عباس: "في المقابل، كان هناك تشتت في اللوائح الأخرى، وإحباط سُجّل على المستوى الشعبي، في ظلّ عدم رضى الكثير من المواطنين على أداء المعارضة أو التغيير، ما أوصل إلى هذه النتيجة التي تعكس كيف أن الناس يئسوا من إعادة تموضع الأحزاب والسلطة، وعدم القدرة على التغيير كما يبدو". ويشير عباس إلى أن "هناك أخطاءً حصلت أدت لهذه النتيجة الكبيرة لمصلحة أحزاب السلطة على حساب قوى التغيير، منها عدم وجود تحضير جدّي للانتخابات، بعكس لائحة المنظومة، وعدم وجود تنظيم وقدرة على تغطية كل مساحة أقلام الاقتراع، وعدم وجود ماكينة انتخابية فعالة، وعدم التواصل مع الناس بشكل وافٍ من كل مناطقهم ومشاربهم، كما سُجلت بعض المواجهات بين المجموعات، ما انعكس سلباً على النتائج، علماً أنّ المعركة لم تكن سهلة، فالمواجهة كانت مع كل أحزاب السلطة، التي عملت على التجييش وإقامة بلوكات، وسارت باللعبة الطائفية، وكانت لديها قوة كبيرة ميدانياً على مستوى الماكينات وحتى الإعلام الذي صبّ في خدمتها".

ويلفت إلى أن "الثنائي حزب الله وحركة أمل زاد من نسبة الاقتراع، وارتفعت عن تلك التي سُجلت في عام 2016، كما كان للأحباش دور من خلال خطابات كلها لعبت على وتر شدّ العصب". ويرى أن "الرهان كان على الناس لصنع التغيير وعدم التصويت للنهج نفسه الذي أوصل بيروت إلى الإفلاس والانهيار، لكن للأسف عادت الوجوه ذاتها التي كانت على مرّ المجالس المتعاقبة، بيد أن معركتنا مستمرة لمواجهة الفساد والمراقبة وفضح المخالفات، علّ الناس يعيدون تقييم خطوتهم ويأخذون العبر مما حصل".

ويعتبر الناشط السياسي والحقوقي أننا "ذاهبون في بيروت إلى مجلس بلدي غير موحّد وصراعات داخلية على المحاصصات والقرارات، والتوافق على مقولة عفا الله عمّا مضى، ما يعني قطع الطريق أمام المحاسبة والمساءلة عن السياسات الماضية، كما أن القرار سيكون على مستوى الزعماء، وللأسف اللعبة الطائفية تقدّمت على خيار الإنماء والتنمية، وسنعود كذلك إلى مشهد التخبط بين صلاحيات المجلس البلدي والمحافظ، والطروحات الطائفية وكله سيكون على حساب بيروت".

البقاع: فوز "القوات" في زحلة وحزب الله يمسك شارعه

أما في البقاع، شرقي لبنان، فكانت أمّ المعارك في مدينة زحلة، التي حقّق فيها حزب القوات اللبنانية (برئاسة سمير جعجع) وحيداً فوزاً كبيراً على اللائحة المنافسة التي جمعت طيفاً من القوى السياسية وفعاليات المدينة، وحازت على دعم من حزب الله وحركة أمل، والكتلة الشعبية (برئاسة ميريام سكاف)، وذلك بعد رفعه شعار "على زحلة ما بتفوتو"، في رسالة إلى حزب الله، علماً أنه تحالف معه في بيروت، بذريعة "حماية المناصفة".

وفي محافظة بعلبك-الهرمل، كانت النتائج متوقعة على صعيد فوز لوائح حزب الله وحركة أمل، إلى جانب أخرى مدعومة من التيار الوطني الحر (برئاسة النائب جبران باسيل) في عدد من البلدات، بيد أنّ التعويل كان في مدينة بعلبك على حدوث خرق لمصلحة لائحة المعارضة، خصوصاً أن المنافسة كانت قوية بين الطرفين، وقد أبلغت لائحة المعارضة، "بعلبك مدينتي"، عن ضغوطات عدّة تعرّض لها الناخبون، بيد أنّ الثنائي تمكن من إحراز الفوز.

وفي السياق، يقول الكاتب السياسي جوني منيّر لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحماوة السياسية كانت أكثر على مستوى زحلة وبعلبك، ففي زحلة، تمكن حزب القوات من تثبيت موقعه الأساسي، لكن هذا لا يعني أنه حصل تغيير كبير بالتوازنات القائمة، بدليل أن نسبة الاقتراع المسيحي كانت أقلّ من العادي، ففي الاستحقاق الماضي وصل العدد إلى 22 ألفاً تقريباً، بينما بلغ اليوم 18 ألفاً، أي أن هناك تراجعاً في التصويت المسيحي بزحلة، إلى جانب تراجع أيضاً بالتصويت الشيعي، بينما بقي التصويت السّني عالياً".

ويردف: "هناك انتصار طبعاً للقوات، لكن هذا يُعدّ أكثر تثبيتاً لموقعها، فالتقدم لديها بسيط مقارنة مع أرقامها في الانتخابات الماضية، التي كانت نحو 11 ألفاً وأصبحت 12 ألفاً، لكن ما سمح أيضاً بإحداث نقلة وفتح آفاق للأمام، الخسارة السياسية التي تعرض لها النائب ميشال ضاهر، فالنتائج بالأقلام المسيحية بلغت ثلثين (للقوات) بثلث (للائحة المنافسة)، لكن مع ذلك لم يُسجَّل تغيير كبير بالتوازنات القائمة، بدليل الأرقام، لكنها دلّت، في ظلّ غياب مرجعية الزعامة السكافية (الزعامة الكاثوليكية التقليدية المتوارثة لعائلة آل سكاف)، على أن الموقع الأقوى هو للقوات اللبنانية، مع الإشارة إلى أن الخطاب أيضاً تمكن من تحريك الشارع".

وفي بعلبك، يقول منيّر، إنه "كان هناك تعويل من مجموعات معارضة وفي الثورة والفريق السني، على عدم إحراز حزب الله وحركة أمل أرقاماً عالية، ربما لا تتخطى 8 آلاف، بيد أنهما تمكنا من جلب 12 ألف صوت، وهذا تكرّر حتى في بيروت، حتى ارتفعت نسب التصويت عن السابق، وأيضاً سجل 3 آلاف صوت في زحلة، وبالتالي، فإن حزب الله تمكن من إظهار قدرته على التجييش أو الإمساك بساحته، وأوصل رسالة بأنه ما زال قوياً وقادراً على الإمساك بشارعه، لا بل أقوى من السابق، رغم كل التغيّرات، على صعيد اغتيال أمينه العام السابق حسن نصر الله، وقيادات كبرى، والخسارة التي مُني بها في الحرب، وحتى أزمته المالية. وبرأيي، إن الثنائي استفاد من الهجمات الغرائزية التي تعرض لها، ما جعل بيئته تخاف وتخشى حرب إلغاء، فكانت النتيجة لمصلحته".

Read Entire Article