الوساطة الصينية بين الكوريتين مؤجلة ومشروطة

8 hours ago 3
ARTICLE AD BOX

يرغب الرئيس الكوري الجنوبي المنتخب حديثاً، لي جاي ميونغ، التوجه إلى الصين لتخفيف التوترات بشأن كوريا الشمالية، لكن يبدو أن الوساطة الصينية ستعتمد نهجَ لي تجاه بكين، وإمكانية الحوار بين واشنطن وبيونغ يانغ. منذ تنصيبه في الرابع من يونيو/ حزيران الحالي، أبدى الرئيس الكوري الجنوبي انفتاحاً على الحوار مع كوريا الشمالية ورغبة في تخفيف التوترات معها. في هذا السياق، علّقت سيول، الأسبوع الماضي، البث الدعائي عبر مكبرات الصوت المناهض للشمال على طول الحدود بين الكوريتين، ما قابلته بيونغ يانغ بالمثل.

انعكست الرغبة باللجوء إلى الوساطة الصينية في مكالمة هاتفية استمرت 30 دقيقة بين لي ونظيره الصيني شي جين بينغ بعد أسبوع من توليه منصبه، إذ حث الرئيس الكوري الجنوبي الصين على أداء دور بناء في نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية. ورد شي، وفق المتحدثة باسم الرئاسة الكورية الجنوبية كانغ يو جونغ، بأن الصين ستبذل جهوداً لحل القضية، قائلاً إن السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية يصب في المصلحة المشتركة للبلدين. ومع ذلك، حُذف هذا الجزء من المحادثة الهاتفية ومسألة نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية، في بيان وزارة الخارجية الصينية حول المكالمة. واعتُبر أن هذا الإغفال يعكس موقف بكين لصالح الحفاظ على السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية لكن مع الامتناع عن ممارسة ضغوط على بيونغ يانغ. الوساطة الصينية ودور بكين في حل المسائل المتعلقة بالكوريتين مرهونان بعاملين أساسيين. فقد ذكرت وسائل إعلام صينية، في تعليقها على هذا الموضوع، أنه في حين ستتجنب بكين الانحياز علناً إلى أي طرف عند التعامل مع سيول، فإنها ستحدد مشاركتها في قضية نزع السلاح النووي على أساس عاملين: نهج كوريا الجنوبية تجاه الصين وإمكانية تجدد الحوار بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. 

وكان الرئيس الصيني من أوائل المهنئين بانتخاب لي جاي ميونغ، من الحزب الديمقراطي الكوري، رئيساً لكوريا الجنوبية. وأكد شي في رسالة تهنئة، بعد ساعات قليلة من تنصيبه، أن بكين تولي أهمية كبيرة لتطوير العلاقات مع سيول وسط مشهد عالمي متقلب، وأن بلاده على استعداد للعمل مع كوريا الجنوبية للتمسك بالروح التي قادت إلى إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قبل أكثر من ثلاثة عقود. من جانبه، شدد لي، في أول خطاب خلال تنصيبه أمام البرلمان، على إعادة فتح قنوات الحوار مع كوريا الشمالية مع الحفاظ على تحالف أمني متين مع الولايات المتحدة. اعتبر ذلك مؤشراً على رغبة حقيقية لدى الرئيس الكوري الجنوبي على فتح صفحة جديدة مع الجارة الشمالية.

الوساطة الصينية تحتاج وقتاً

رأى أستاذ العلاقات الدولية في مركز ونشوان للدراسات الاستراتيجية جيانغ لي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الحديث عن الوساطة الصينية بين الكوريتين مبكر لأوانه في الوقت الراهن، مشيراً إلى أن "بكين ترحب بهذا الدور". ووفق جيانغ لي، "ما زال هناك الكثير من العمل الذي ينبغي القيام به من جانب سيول قبل الوصول إلى هذه المرحلة، بما في ذلك ضبط العلاقات الخارجية وموازنتها، بما يضمن عدم التأثير على مصالح الصين في المنطقة".

جيانغ لي: يصعب قياس التحولات في سيول بعد أيام قليلة من وصول لي إلى السلطة

ولفت إلى أن الرئيس الكوري الجنوبي وحزبه الديمقراطي الكوري التقدمي يُعتبران أكثر وداً تجاه الصين وكوريا الشمالية مقارنة بسلفه يون سوك يول وحزبه المحافظ "قوة الشعب". وأثار هذا التحول في السلطة، وفق جيانغ لي، "تكهنات حول إمكانية إعادة تقييم سياسة سيول الخارجية تجاه الولايات المتحدة وحليفتها اليابان، فضلاً عن الصين وخصمها التقليدي كوريا الشمالية"، مشيراً إلى أنه "خلال حملته الرئاسية لعام 2022 ضد يون، واجه لي انتقادات لوصفه القوات الأميركية في بلاده بأنها قوة احتلال". لكن، تحتاج مثل هذه المواقف والتصريحات البناءة، حسب جيانغ، إلى مزيد من الوقت لتترجم على أرض الواقع، وهو "ما يصعب قياسيه بعد أيام قليلة من وصول لي إلى السلطة". لذلك، فإن الوساطة الصينية، إن تحققت، لا بد أن يسبقها بعض التسويات، إذ قال جيانغ إن "الصين ليست في عجلة من أمرها للانخراط في هذه القضية الشائكة قبل أن تلمس معطيات إيجابية من كلا الطرفين، واستعداداً صريحاً لتذليل العقبات والوصول إلى تسوية سياسية تسهم في إرساء الأمن والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية".

سياسات عدائية

من جهته، قال الباحث في معهد الجنوب للدراسات الدولية الصيني وانغ خه، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "كوريا الجنوبية ارتكبت الكثير من الحماقات في عهد الرئيس السابق يون سوك يول، واتبعت سياسات عدائية تجاه الصين". وأوضح أنه "خلال هذه الفترة، أكدت سيول التزامها بالتحالف مع الولايات المتحدة، وتعاونها الثلاثي الوثيق مع واشنطن وطوكيو في مواجهة التحديات الأمنية خارج شبه الجزيرة الكورية، فيما شمل ذلك الإعراب عن قلقها إزاء أنشطة جيش التحرير الشعبي الصيني المشروعة في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي" المتنازع عليه.

وانغ خه: بكين بحاجة لقياس مدى قدرة لي على الحفاظ على هامش من الإملاءات الأميركية

وأضاف وانغ خه أن "الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية شهدت حدثاً تاريخياً في عام 2023، عندما التقى قادتها في كامب ديفيد في أول قمة ثلاثية مستقلة لهم على الإطلاق، حيث تعهدت الدول الثلاث في بيان مشترك بإجراء مناورات سنوية ثلاثية منتظمة ومتعددة النطاقات". ولفت إلى أنها "تبنت معارضة شديدة لما اعتبرته محاولات بكين أحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن بالقوة في مياه المحيطين الهندي والهادئ، وتحديداً في بحري الصين الجنوبي والشرقي ومضيق تايوان".  وبالتالي، لا يمكن، وفق وانغ، "شطب كل هذه الاتفاقيات والتعهدات بمجرد وصول لي جاي ميونغ إلى السلطة، حتى وإن تحدث بإيجابية عن العلاقة مع الصين". وبرأيه، فإن "بكين بحاجة إلى مزيد من الوقت لتقييم الموقف، وقياس مدى قدرة الرئيس الكوري الجنوبي الجديد على الحفاظ على هامش من الإملاءات الأميركية"، إذ "من المهم أن تتطابق الأقوال مع الأفعال، والتأكد من أن سيول لن تكون بيدقاً في المنافسة بين بكين وواشنطن، على غرار ما تفعله الفيليبين حالياً في المنطقة".

Read Entire Article